لنتوقف فورا عن زيارة جورجيا

مقالات رأي و تحليلات الثلاثاء ١٠/يوليو/٢٠١٨ ٠٣:١٤ ص
لنتوقف فورا عن زيارة جورجيا

علي بن راشد المطاعني

شغلت إعادة المواطنين العُمانيين من مطار العاصمة الجورجية تبليسي الرأي العام في السلطنة، لأن الواقعة قد تكون الأولى من نوعها التي يتعرض فيها سياح عُمانيون لمثل هذا الإجراء على مستوى كل دول العالم بما فيها الدول الأكثر تشددا في الإجراءات الأمنية كالدول الأوروبية وأمريكا وكندا وغيرها، فالسياسة الخارجية الحكيمة للسلطنة والتي أرسى دعائمها حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم أكسبت السلطنة والعُمانيين هذه المكانة المرموقة وهم بالتالي مرحب بهم في كل بقعة من بقاع العالم يحلون بها، بل إن الجواز العماني الأقوى عربيا وفق ما نشره الموقع التابع لمؤسسة "أرتون كابيتال"، ضمن قائمة جوازات السفر الأقوى عالميا وجاءت السلطنة في المرتبة الـ55 عالميا، والخامسة عربيا.
ووفق تصنيف صحيفة الواشطن بوست الأمريكية فإن الجواز العماني هو الأقوى عربيا، حيث يتيح الجواز لحامله دخول 134 دولة بدون الحاجة إلى تأشيرة، وكذلك حصل الجواز العماني على المركز الأول على المستوى العربي والشرق الأوسط في عام 2015م وفق تصنيف مؤشر موقع الجوازات في بلغاريا، وغيرها من التصنيفات الدولية للجواز العماني الذي يعطي الثقة للدول في دخول العمانيين لها بدون أي تأشيرات ومنحها عند الوصول، وذلك لم يأت جزافا وإنما هو رصيد من السجلات الناصعة للعمانيين وأخلاقياتهم التي يأسرون بها الشعوب.
لكل تلك الاعتبارات فإن وقائع إعادة مواطنين عُمانيين من هناك أثار هذه الضجة الكبيرة باعتباره حدثا غريبا لا يتسق مع سمعة العمانيين ولا مع الأعراف الدبلوماسية ولا مع القيم الإنسانية للشعوب في إرجاع أفراد بدون أي أسباب أو أخطاء تذكر، ومن الطبيعي أن تثير مثل هذه الممارسات رفضا عارما من الشعوب واستياء كبير في الأوساط المحلية وردود أفعال غير إيجابية تستنكر مثل هذه التصرفات، صحيح إن وزارة الخارجية قد أوضحت أن الإبعاد لم يشمل مواطنين عُمانيين فقط وإنما شمل كذلك جنسيات خليجية أخرى، لكن هذا ليس مبررا إيجابيا وإنما يجب أن نبحث الأسباب التي أدت بالجهات الجورجية إلى منع دخول المواطنين والانتقائية في إرجاع مسافر شد رحاله إليها والتفصيل بين سائح وزميله أو أحد أفراد عائلته في الدخول وإرجاع آخرين، فليس من الكياسة والحكمة القيام بهذه التصرفات. وحتى وإن كان ذلك حقا قانونيا للدول، لكن يجب أن يكون مقرونا بمبررات، وما يدعو للأسف بأن حوادث متكررة حدثت لعائلات عمانية خلال الفترة القليلة الفائتة بدون أي احترام لإنسانية السائح وتعريفيه بأسباب إرجاعه ما تسبب له بصدمات نفسية ومعنوية كبيرة.
لا نعرف كيف يتم إصدار تأشيرات سياحية لسائح لدخول دولة ومن ثم يرجع أو يوقف ذلك السائح ولم يبدر منه أي خطأ أو مواقف يمكن أن تعيق دخوله أمنيا، بل لا يعرف سببا لعدم دخوله ويرجع في ذات الطائرة التي جاء بها بطريقة مهينة للبشر وتعريضه لمضايقات وإهانات تجعل الفرد يحتار فيما حدا بهذه السلطات إلى اتخاذ ممارسات كهذه مع من اختارها كوجهة سياحية له ولأسرته.
كما أوضح سعادة د. قاسم بن محمد بن سالم الصالحي سفير السلطنة المعتمد لدى جمهورية تركيا، أن السفارة تتابع مع السلطات الجورجية لمعرفة الأسباب التي أدت لاتخاذ هذا الإجراء بحق مواطنينا ولكن ذلك لا يكفي، فعلى السلطات الجورجية أن تعتذر وتعيد كل ما أنفقته العائلات من مبالغ لرحلاتهم وإعادة الاعتبار لهذه الأسر بطريقة لائقة تحترم آدمية الإنسان.
إن تدشين هاتشاق (الامتناع عن زيارة جورجيا) في مواقع التواصل الاجتماعي، إنما هو رد فعل لما يجري للسياح في جورجيا، وقد جاء متضامنا مع ما حصل لبعض المواطنين من مواقف والتعبير عن سخط الناس لهذه الممارسات التي تجاوزت كل العلاقات والقيم بين الشعوب، ولتستمر المقاطعة حتى تحسن تلك الدولة من سجلها في معاملة الزوار والسياح، إذ لا يعقل أن نستمر في إهدار الأموال في جورجيا وهي لا تستحق أن تزار بعد الذي جرى من تعريض إخواننا لإهانات لأسباب لم يقترفوها.
وفي مطلق الأحوال فإن جورجيا ومن خلال هذا التصرف ورغم أن اقتصادها قائم على مداخيل السياحة فقط فإنها واقعيا تكون قد حرمت نفسها من ريع كان يأتيها من السلطنة على نحو منتظم، إذ كان يتعين عليها أن تحفز السياح على زيارتها وإنفاق ما لديهم من أموال فيها، وبما إنها رأت العكس فلا بأس إذ ليس مهما للعُمانيين زيارة جورجيا كفرض عين، فهناك العديد من دول العالم فيها مقومات سياحية تستحق الزيارة.
وفي ذات الوقت ننتظر من وزارة الخارجية الموقرة أن تتابع حقوق العُمانيين الذين أعيدوا من هناك من ناحية قانونية وتكبدوا خسائر مالية ومعنوية لم تلتفت السلطات هناك لها رغم أنهم دخلوا أو جاءوا بالطرق السليمة المتبعة لديها وفق كافة مستنداتهم وإجراءاتهم الرسمية.
نأمل أن تكون هذه التجربة التي مر بها مواطنونا بجورجيا بمثابة درس نستفيد منه في مقبل الأيام، وأن نعمد على أن نسقط من حساباتنا زيارة أي دولة لا تحسن وفادة الزوار والسياح لديها، فدول العالم كلها تتبارى في تقديم الإغراءات والتسهيلات لزيارتها وباعتبار أن السياحة باتت صناعة قائمة بذاتها بل هي غدت مصدر الدخل الأساس للعديد من دول العالم، وعلى أكتافها أي السياحة نهضت دول من تحت الركام لتتبوأ مكانا عليا في منظومة الدول المتقدمة.
ويبدو أن لجورجيا وجهة نظر أخرى في هذا الجانب وهي بكل تأكيد حرة في ما تراه مناسبا لها، ونحن أيضا أحرار في مقاطعة زيارتها باعتبار أن البدائل متوفرة وعلى مد البصر، وعلى الإعلاميين ومشاهير مواقع التواصل الاجتماعي أن يتوقفوا عن الترويج لهذه الدولة التي لم تضع أي اعتبار لكرامة العمانيين وعراقة هذا الشعب العظيم الموغل في القدم والحضارة.