لامبورجيني.. وفيروشيو النائم فينا..

مزاج الثلاثاء ٠٣/يوليو/٢٠١٨ ٠٣:٥٦ ص

د. لميس ضيف​

إنْ كنت تظن أنك -وحدك- مَن يعاني من تهميش العالم له ولقدراته.. فعليك أن تُبحر في ردهات التاريخ لترى كم ارتطم أصحاب الطموح بصخور المحبطين التي فتَّت طموحات البعض فيما تسلّق غيرهم عليها لحيثُ يريد.

فيروشيو كان أحدهم، ابن فلاح ولِد في العام 1916 في قرية إيطالية، قادته شخصيته القيادية وحبه لهندسة السيارات لفتح محل صغير لتصليح الدرّاجات والعربات الصغيرة. ولأن الشخصية العبقرية ترى ما لا يراه غيرها وتلتقط الفرص التي تعبر كالغيم على سواها، خرج فيروشيو بفكرة تحويل بقايا المعدات العسكرية لجرارات زراعية، مستفيدا من خبرته في احتياجات الفلاحين وعلمه الهندسي. تحوّل سريعا من إنتاج جرارة في الشهر لإنتاج 400 جرارة، وتوسعت أعماله وازدهرت. سمع عن سيارة رياضية خارقة اسمها «فيراري» لا يملكها إلا النخب فاشترى منها سيارة لم ترق لطموحاته، فعاد للشركة بملاحظات على نظام التعشيق فاستهزأ به «إنزو فيراري» صاحب الشركة الذي أضحك مَن حوله عليه عندما قال له إن الخلل ليس بالسيارة بل بصاحبها، ملمِّحا إلى أن هذه السيارة لا تتماشى مع الفلاحين وأن عليه أن يهتم بجراراته عوضا عنها.
ابتلع فيروشيو الإهانة ولم يملك ردا، وأصابت سهام ضحكاتهم كبرياءه في مقتل، فاستجمع قوته وطاقاته وتحدى طاقمه ونفسه بعد أن قرّر أن ينشئ سيارة رياضية تنافس فيراري في سرعتها وقوتها وفخامتها، فولِدت شركة لامبورجيني التي تعرفونها جميعا، التي أصبحت رقماً صعباً في عالم السيارة الفاخرة والرياضية.
في كل عصر ومكان، كانت المطارق التي تدك الكبرياء موجودة، وهناك دوما مئات المحبطين وقليل من الداعمين. فكِّر في خطوة جريئة وستجد التحذيرات تنهال عليك كمطر أبريل وفي كينونتها تشكيك بقدرتك وفكرك، وقد تجد حفنة من الداعمين بحذر وقد لا تجد. وأغلبنا يصل في هذه الحياة لمرحلة يشكك فيها في نفسه من فرط ما شكّك الآخرون في قدراته، ببراءة أو خبث، قلة هم مَن يتحدون المحبطات، ويشعلون الإهانات وقودا لنجاحاتهم.
نحن كائنات متفرّدة، لكن مجتمعاتنا تروّض اختلافاتنا وتطفئ طموحاتنا حتى تحوّلنا لنسخ كربونية من بعضنا. إنْ كنت من القلة المميّزة التي تبطن إمكانيات غير ظاهرة فلا تنتظر مصادقة أحد، ولا تلتفت لمَن يستصغرك إلا لتثبت خطأه، فأنت مشروع نفسك، وأنت مَن يعرف قيمتها لا أحد غيرك.

lameesdhaif@gmail.com