الشمس في عبري.. والفحم بالدقم!

مقالات رأي و تحليلات الأحد ٠١/يوليو/٢٠١٨ ٠١:١٦ ص
الشمس في عبري.. والفحم بالدقم!

علي بن راشد المطاعني

في الوقت الذي يتجه فيه العالم إلى الطاقة النظيفة والمتجددة، نجد أنفسنا نسير عكس التيار، بالاتجاه المعكوس على ما يبدو كواقع قائم في العالم المتحضر، إذ يفترض أننا جزء لا يتجزأ منه كما ندعي قولا وفعلا، إلا أن الواقع على ما يتراءى لنا في بعض الجوانب نمشي للوراء أو محلك سر، ولعل الإعلان الذي نشر بالتأهيل المسبق للشركات للتنافس على إنشاء محطة مستقلة لإنتاج الكهرباء باستخدام الفحم النظيف لإنتاج 1200 ميجاوات من الكهرباء في الدقم، في واحد من المفارقات المحزنة أن يكون في هذا الوقت إنتاج الطاقة الكهربائية بالفخم بعد أن تخلصنا نسبة كبيرة من إنتاجها بالديزل.
فالإعلان أثار العديد من التساؤلات المشروعة والمنطقية حول الفكرة باعتبارها ردة للوراء لا مبرر لها، فالعالم كله تخلى عن إستخدام الفحم في إنتاج الكهرباء بل تخلى عنه في كافة الاستخدامات التي كانت سائدة في العقود الفائتة، وذلك بعد أن أضحت قضية البيئة ونظافتها والحفاظ عليها من التلوث حفاظا على كل الكائنات الحية على ظهر الأرض وعلى رأسها بطبيعة الحال الإنسان وما يقتات به، فمن المعروف أن حرق الفحم ينتج عنه غازات ضارة كثاني أكسيد الكربون وثاني أكسيد الكبريت وغيرها من الملوثات لا يمكن حصرها في هذه العجالة والمختصين أكثر دارية بها.
ومن المفارقات أن هناك تبايناً في ما يختص بطرح المناقصات من ذات الجهة التي أعلنت في ديسمبر 2017 عن إطلاق أول مشروع لإنتاج الكهرباء باستخدام الطاقة الشمسية في السلطنة وتم طرح مستندات الدعوة للتأهيل المسبق لتطوير مشروع "عبري 2" لإنتاج الكهرباء باستخدام الطاقة الشمسية.. في حين تطرح لتأهيل الشركات لإقامة محطة لإنتاج الطاقة الكهربائية باستخدام الفحم النظيف في الدقم، فلا نعرف الفرق بين ولاية عبري والدقم وهل سطوع الشمس بعبري أقوى منه بالدقم رغم أن حرارة الشمس تلسع جباهنا طوال العام صيفا وشتاء وتتوفر بقوة في كل ولاياتنا لا تفرق إلا القليل، فحري بنا الاستفادة منها أيضا في كل بقعة ليس في ولاية دون أخرى، فهذه تساؤلات تطرح نفسها في هذا الشأن تحتاج إلى تفسير.
فمن الطبيعي جدا كما نعتقد أنه في ظل وجود البدائل الحضارية الحديثة لإنتاج الطاقة فإن الدول المتقدمة والمتأخرة على حد سواء تتجه إليها، باعتبار أن نظافة البيئة هو توجه أممي متفق عليه قاريا، فالطاقة الشمسية وطاقة الرياح وغيرها من الطاقات النظيفة هي الخيارات التي يبذل في تطويرها المزيد من الجهود والمزيد من الاستثمارات التي أتت أكلها حتى لو بعد حين في العديد من دول العالم باعتبارها طاقات متجددة وخالية من أي مخاطر بيئية وفي ذات الوقت تحقق الغرض المطلوب وهو إنتاج الكهرباء اللازمة لتسيير دفة الحياة.
إن المدن الذكية في العالم اليوم تديرها الطاقات المتجددة عبر تطويع العلم في تكريسها والاعتماد عليها فهي الخيار المستقبلي الوحيد الآن وهو ما يجب أن نرنو إليه باعتبارنا جزءا من هذا التطور المتسارع الذي يجب أن نواكبه.
فالولايات المتحدة الأمريكية تنتج اليوم 95% من الطاقة الكهربائية من الطاقة الشمسية والرياح، وفي بريطانيا كان العام الفائت أفضل الأعوام اخضرارا لاستخدامها طاقة الرياح، وغيرها من الدول التي أنهت استخدام الفحم إلى غير رجعة وغيرها من الدول التي تخطو خطوات متسارعة، لتبقى الحيرة في أعلى مستوياتها حول ما تفعله جهاتنا المحلية بالعودة إلى الوراء باستخدام الفحم، الذي يبقى فحما سواء كان نظيفا أم متسخا.
فالإعلان آثار كذلك حفيظة أهالي الدقم الذين دشنوا هشتاج (الفحم في الدقم) للتعبير عن رفضهم لفكرة استخدام الفحم في توليد الطاقة الكهربائية وما ينتج عن ذلك من أضرار بيئية معروفة.
ففي السلطنة هناك جهود تبذل لاستخدام الطاقة النظيفة في مثل مشروع (مرآة) وهو الأكبر على مستوى الشرق الأوسط، وهناك جهود تبذل أيضا في تعزيز الابتكار لاستخدام المصادر البديلة للنفط والغاز وغيرها، ثم تأتي في خضم ذلك فكرة إنشاء محطة كهربائية تستخدم الفحم بمثابة إجهاض لكل تلك الجهود التي تستحق الاحترام باعتبارها خطوات على الطريق الصحيح.
كما إننا لا نعرف من أين سيستورد الفحم وما هي كمياته وتكلفته وكذلك المدى الزمني الذي سيستخدم فيه الفحم وما هي كفاءته لإنتاج طاقة بهذا الحجم 1200 ميجاوات ولا ننسى ما هي جدواه الاقتصادية.
‏نأمل من الجهات المختصة أن توضح للرأي العام كل الملابسات المحيطة بهذا المشروع، فعلى الأقل من حق المواطن أن يستوعب حقيقة ما يجري باعتباره المستهدف مما يجري لكي يكون شريكا بمعنى الكلمة كما يحب ويرضى.