فن تحطيم الناجحيـن ..

مزاج الاثنين ١٤/مارس/٢٠١٦ ٠٠:٥٩ ص
فن تحطيم الناجحيـن ..

لميس ضيف
لا شيء يثير حفيظة الفاشلين، ويقظ مشاعر الإحباط والنقص لديهم مثل رؤية شخص ناجح أو متميز من طبقتهم أو من بيئة لا تختلف عن بيئتهم. أنه إثبات حي أن العقبات التي عايشوها لم تكن حاجزا أمام صعودهم. إثبات ناطق يقول أن كل شيء كان ليكون ممكنا لولا تقاعسهم.

في مجتمعات «طبيعية» لا تعاني من تراكماتنا المعقدة شخص ناجح سيتحول «لقدوة» لغيره، لأيقونة تُساق كمثال للتشجيع ونزع صمام التثبيط، لكن مجتمعاتنا لديها وصفة «مغايرة» فهي تعمل على ضرب الناجح حتى يفشل واغتيال شخصيته والتقليل من شأنها وتسطيح منجزاتها.

وإن كانت تلك الشخصية شخصية عامة، سياسية أو اجتماعية أو حتى فنية، ستجد من يخرج من العدم ليفتعل قصصا وروايـــات عليها، ولأن الكلام الفاسد ينتشـــر انتشار النار في الهشيــــم سيتطوع الآلاف لتداولها، ولإضافة البهارات عليها وتتبيلها بالنكهات، وسيقوم أحدهم بنشرها في وسائل التواصل الاجتماعي، وسرعان ما ستدخل تلك الشخصية قفص الاتهام وتجلد بتهم لا يدعمها دليل، ومن يحتاج في مجتمعاتنا لدليل ليثبت كلامه ! أننا لا نصدق الكلام الطيب بسهولة لأننا « واعين ولا ننجرف مع الدعايات «ولكننا نصدق الكلام المسيء بلا تردد لأن سوء الظن لدينا من حسن الفطن» !!
ولأننا بحاجة لأمثال تدعم انحرافنا السلوكي والنفسي نردد « لا دخان من غير نار».. «من بره هالله هالله ومن الداخل يعلم الله» «نقول موسى طلع فرعون» وغيرها من الأمثال المارقة السخيفة .. أمثال تتناقض مع شريعتنا التي تقول «إن بعض الظن أثم» و«لا يغت بعضكم بعضا» و«خذ أخا لك على سبعين محمل»..
والنتيجة الطبيعة لتحطيم النماذج الناجحة وإلصاق الموبقات بها هي جرّ المجتمعات لجادة الفشل، وحرمان البلاد من طاقات « كُسرت مجاديفها بسبب التكالب عليها».
أننا أعداء النجاح . أعداء أنفسنا .. ونمارس كل ذلك بلا وعي ولا إحساس لما نفعل – أحيانا – مع أقرب الناس لنا .. فنحبطهم تحت راية نصيحتهم والحرص عليهم . ونقلل من شأنهم ونقارنهم جورا بغيرهم وكأننا نستكثر عليهم التميز ..
أنه مرض ولا شك .. لن يعافينا الله منه إلا لو أعملنا عقولنا ووعينا لنتخلص منه .