"الفاو" لـ«الشبيبة»: السلطنة.. الثانية عربياً في الأمن الغذائي

مؤشر الأربعاء ٢٧/يونيو/٢٠١٨ ١٠:٤٣ ص
"الفاو" لـ«الشبيبة»: السلطنة..  الثانية عربياً في الأمن الغذائي

مسقط - محمد سليمان

أكدت ممثلة منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة- الفاو- لدى السلطنة نورة أورابح حداد أن قطاعي الزراعة والثروة السمكية في السلطنة يمكنهما أن يقودا اقتصادها، مشيرة إلى أنهما قادران على المنافسة عالميا.

وأضافت حداد في حوار خاص لـ «الشبيبة» أن هذين القطاعين يواجهان العديد من التحديات المتمثلة في أهمية تعزيز قدرات صغار المزارعين ، مشيدة بالجهود التي بذلتها وزارة الزراعة والثروة السمكية في هذا الجانب.
وأكدت ممثلة منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة، أن السلطنة تتمتع بأجواء مستقرة ساعدتها على تحقيق الهدف الأكثر طموحا لمؤتمر القمة العالمي للأغذية بخفض عدد الجياع في عام 2015. كما تم تصنيفها بالمرتبة الثانية عربيا والمرتبة السادسة والعشرين عالميا، حسب التقرير السنوي حول المؤشر العالمي للأمن الغذائي لعام 2016م. وفي الحوار الكثير من التفاصيل:

بداية.. نريد أن نُعرّف القارئ ما هي أوجه عملكم في السلطنة؟ ومهامكم كمنظمة؟

منظمة الأغذية والزراعة (الفاو) هي وكالة متخصصة للأمم المتحدة، تتمثل مهمتها في القضاء على الجوع وتحسين التغذية ومستويات المعيشة. وهدفها الرئيسي هو تحقيق الأمن الغذائي في العالم والتأكد من أن يحصل الجميع كل يوم على ما يكفيه من غذاء عالي الجودة لحياة صحية.

وجميع أنشطتنا تخدم خمسة أهداف رئيسية تشكل إطار إستراتيجية المنظمة وهي: المساعدة في القضاء على الجوع ومشكلة انعدام الأمن الغذائي وسوء التغذية؛ جعل الزراعة ومصايد الأسماك أكثر إنتاجية واستدامة؛ الحد من الفقر في الريف؛ تمكين نظم زراعية وغذائية شاملة وفعالة؛ زيادة قدرة سُبل المعيشة على مواجهة التهديدات والأزمات.

وتدعم المنظمة الدول الأعضاء من خلال تطوير القدرات والدعم الفني، ودعم القطاعات العامة لتطوير سياسات مستدامة (دور استشاري) والقيام بدراسات ومنشورات وجمع وتحليل بيانات وتوزيعها لجلب المعرفة إلى الميدان وكذلك بناء التعاون والشراكات بين القطاعات؛ العام والخاص والأكاديمي والبحثي والمجتمع المدني، بالإضافة إلى توفير منصة حوار بين المعنيين من هذه القطاعات.
في السلطنة يتمحور التعـــــــاون بين المنظمة والحكومة حــــــــول أربع أولويات إستراتيجية تشكل ركائز إطار البرنامج (Country Programming Framework 2018-2022)
الذي تم توقيعه في 10 يونيو الفائت، في تعزيز القدرة التنافسية الاقتصادية، وذلك بما يتعلق بمصائد الأسماك، والمحاصيل، والثروة الحيوانية. وكذلك الاستدامة البيئية والقدرة على الصمود من خلال المحافظة على المياه والثروة السمكية والتربة والتنوع البيولوجي، هذا بالإضافة التنمية الريفية، والتي تكمن في تمكين المجتمعات الريفية (تدبير أنشطة ريفية). تمكين البيئة المؤسسية (المواءمة المؤسسية بين منظمات القطاع العام).
وكما ذكرنا فإن مهام المنظمة واسعة جدا لذا نعتبر أن الشراكات مع جميع الجهات المعنية من القطاع العام والخاص والقطاع الأكاديمي ومراكز البحوث مهمة وضرورية لتحقيق الأهداف المشتركة للارتقاء بعمان.

حدثونا عن شراكتكم مع الحكومة في السلطنة؟

للسلطنة دور نشط وفعال مع المنظمة، ومما لا شك فيه أن هذا الدور ما هو إلا صورة وانعكاس للجهود المبذولة من قبل الحكومة، حيث تدعم وجود المنظمة في السلطنة وتقر بدورها الفعال. ومنذ انضمام السلطنة إلى منظمة الأغذية والزراعة في عام 1971 قدمت المنظمة مساعدات فنية للتنمية المستدامة في قطاعي الزراعة والثروة السمكية، مع الحفاظ على الموارد الطبيعية واستخدامها بكفاءة واستدامة. وتم تعزيز هذه الشراكة في عام 2012 بافتتاح مكتب ممثلية الفاو في السلطنة. وحديثا دعمت المنظمة وزارة الزراعة والثروة السمكية في وضع إستراتيجية وطنية للتنمية الزراعية والريفية المستدامة (SARDS 2040).

حيث تنسجم هذه الإستراتيجية مع رؤية عُمان 2040 كما توفر التوجيه الاستراتيجي والبرنامجي للسياسة والاستثمار في القطاع الزراعي والريفي، وفي السياق ذاته فإن السلطنة ستستضيف اجتماع الفاو للدول الأعضاء في 2020.

كيف ترون قضية الأمن الغذائي بالسلطنة؟ وما هي أبرز التحديات التي تواجه السلطنة في هذا الشأن؟

بالنسبة لمسألة الأمن الغذائي فإنه من المهم ذكر أن السلطنة تمكنت من تحقيق الهدف الأكثر طموحا لمؤتمر القمة العالمي للأغذية بخفض عدد الجياع في عام 2015. كما تم تصنيفها بالمرتبة الثانية عربيا والمرتبة السادسة والعشرين عالميا، حسب التقرير السنوي حول المؤشر العالمي للأمن الغذائي لعام 2016م.

لكن ما زالت السلطنة تواجه العديد من التحديات في سبيل تحقيق أمنها الغذائي وهذه التحديات معروفة، ومن أهمها قلة وجود أراض قابلة للزراعة وشح المياه الصالحة للري وزيادة نسبة الفاقد من الإنتاج الغذائي. كما أن هناك خسائر كبيرة بعد الحصاد، بعضها يتجاوز 25 في المائة للفاكهة والخضروات. وهناك أيضا انخفاض للقيمة المضافة بسبب نقص البنية الأساسية المناسبة.

ومن التحديات المهمة تشتت صغار المنتجين والعائلات الزراعية وقلة التنظيم لإدارة مزارعهم وإنتاجهم. وقد تتفاقم هذه التحديات بسبب تأثيرات التغيرات المناخية.
ولحسن الحظ فإن السلطنة تتمتع بمميزات عديدة كوفرة نسبية للموارد الطبيعية وتنوع البيئات الطبيعية وثراء التنوع البيولوجي الزراعي، وفي نفس الوقت، فإن تراثها الثقافي والتاريخي المهم يُعد مصدراً واعداً للاستثمار في السياحة الريفية وصناعة السياحة البيئية، (المحلية والدولية). وهناك أيضاً فرص لنمو القطاع متاحة من خلال: السوق الإقليمية غير المحدودة للمنتجات الزراعية العالية القيمة، والموقع الجغرافي الأمثل في خضم التدفقات التجارية العالمية التي تمسح لعمان أن تكون محط أنظار في المنطقة. لذا وضعت وزارة الزراعة والثروة السمكية بالتعاون مع منظمة الأغذية والزراعة، إستراتيجية وطنية للتنمية الزراعية والريفية المستدامة (SARDS 2040) وهي تتماشى مع رؤية عُمان 2040، حيث يلعب قطاع الزراعة والتنمية الريفية دوراً مهماً لضمان تحقيق المزيد من النمو الاقتصادي مع الحفاظ على البيئة والتوازن بين التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وزيادة الإنتاج المحلي للغذاء؛ لتعزيز منظومة الأمن الغذائي.

تتميز السلطنة بأنها دولة ساحلية في المقام الأول، وقد صدر تقرير عن الفاو في 2017 وصف تجربة السلطنة في مجال الثروة السمكية بأنها في بدايتها.. كيف ترون الوضع الآن؟

أولا تعتبر عمان هي أكبر منتج للأسماك الطازجة في دول مجلس التعاون الخليجي. ووفقاً للإحصاءات الصادرة عن المركز الوطني للإحصاء والمعلومات فإن إجمالي إنتاج الأسماك في سلطنة عمان ارتفع بنسبة 5.4 في المائة ليصل إلى 270،863 طن العام الفائت.ويعد القطاع السمكي من القطاعات الواعدة في سلطنة عمان. فالسلطنة تتميز بمقومات عديدة كالسواحل الطويلة والمتنوعة ومواقع تناسب القيام باستزراع سمكي تجاري. كما تتوفر بها البنية الأساسية من طرق ومرافئ ومطارات وخدمات لوجستية. ولا شك أن الطلب على المنتجات السمكية يتزايد يوما بعد يوم.

لذا فنحن نرى أنه يمكن لهذا القطاع المساهمة في التنويع الاقتصادي وإيجاد فرص العمل. ووفقا لوزارة الزراعة والثروة السمكية فإن حوالي 27,899 عمانيا يعملون في القطاع السمكي حتى اليوم.

هناك فرص عديدة منها مجاراة الأسواق السياحية وتحويل قطاع الثروة السمكية لأن يكون موجها نحو السوق، ومنافسا دوليا، ومستداما بيئيا. ونجد أغلبية العمال في قطاع الثروة السمكية من صيادين ومنتجين هم صغار ومشتتون وبحاجة لتنظيم ولدعم فني لإيجاد طرق مربحة وتنافسية لتلبية مقتضيات ومعايير الصناعة السياحية من كمية، نوعية، شكل المنتج، وكل ما يتعلق بالقوانين ومعايير السلامة والتتبع. لهذا السبب من المهم معرفة واستيعاب الأسواق من قبل الصيادين والمنتجين، وحثهم على تكييف المنتج حسب المعايير المعروفة.

واجهت السلطنة مشكلة ملوحة المياه في أبرز سهل زراعي «سهل الباطنة» وأكبرها مساحة ولم تجد حتى الآن أية حلول، هل تتوافر لديكم حلول دولية باعتباركم خبيرا استشاريا للحكومة في السلطنة؟

إن السبب الرئيسي لمشكلة ملوحة المياه هو الاستنزاف المفرط للمياه وارتفاع مستوى البحر بسبب التغيرات المناخية ما أثر على المزارع وخاصة في محافظات شمال وجنوب الباطنة. واستجابة لهذا الوضع، تم تطوير إستراتيجية لحل مشكلة الملوحة في عمان.وللتصدي لهذه المشكلة تقوم منظمة الأغذية والزراعة من خلال المشاريع بتقديم الدعم الفني لأصحاب المصلحة الرئيسيين، والخبراء في وزارة الزراعة والثروة السمكية بالإضافة إلى صغار المزارعين، ومنظمات المنتجين.وفي هذا السياق أود أن أذكر مشروعا تقوم به المنظمة في إطار المبادرة الإقليمية لندرة المياه في إقليم الشرق الأدنى وشمال أفريقيا التابعة لمنظمة الأغذية والزراعة. وهو مشروع إقليمي يضم ثلاث دول وهي سلطنة عمان، الجزائر، ومصر، حيث يهدف هذا المشروع إلى تعزيز وتطوير الإمكانيات الوطنية بشأن الممارسات الفعالة المستدامة غير التقليدية لاستخدام المياه في أنظمة الإنتاج للزراعة المتكاملة وتربية الأحيومائية. وقد تم ذلك من خلال تنمية قدرات مزارعين و صيادين وخبراء من وزارة الزراعة و الثروة السمكية في زيارات ميدانية بين هذه الدول، حيث تم تبادل المعرفة والخبرات والقصص الناجحة.

وتأتي هذه الزيارات تحت إطار « تعاون جنوب جنوب» فإن منظمة الأغذية والزراعة هي الجهة المنسقة للتعاون بين بلدان الجنوب، فتجمع الدول التي لديها حلول تنموية مع الدول المهتمة بتطبيق تلك الحلول في مكان واحد.

الحروب والمشكلات في بعض الدول العربية، هل ألقت بتأثيراتها على قضية الأمن الغذائي في الدول العربية عامة، والخليج بشكل خاص، خاصة وأن السلطنة تعتمد بشكل كبير على استيراد المحاصيل الزراعية؟

أود أن أشير في البداية إلى أن 28 بالمائة من سكان البلدان التي تشهد نزاعات في منطقة الشرق الأدنى وشمال أفريقيا يعانون من نقص التغذية، وهي نسبة تزيد ست مرات عن النسبة في البلدان التي لا تشهد نزاعات في المنطقة. وفي عام 2016، كان هناك حوالي 66 مليون شخص مشرد قسرياً في العالم، ينحدر حوالي 25 مليون منهم من خمس دول فقط تشهد نزاعات في منطقة الشرق الأدنى وشمال أفريقيا.

وكما ذكر المدير العام للمنظمة جوزيه غرازيانو دا سيلفا في الاجتماع الإقليمي الأخير في شهر أبريل أن النزاعات تسببت في زيادة معدلات انعدام الأمن الغذائي في منطقة الشرق الأدنى، وللتصدي لهذا الوضع، فمن الضروري تعزيز قدرة المجتمعات الريفية الفقيرة على الصمود، وهناك الكثير مما يمكننا القيام به حتى في وقت النزاعات للمحافظة على النظم الغذائية المحلية، ومنح الأمل للسكان المتضررين ويجب علينا العمل لإبقاء المزارعين في مزارعهم لإنتاج الغذاء.أما سلطنة عمان فهي والحمدلله بعيدة عن هذه النزاعات ويسود فيها السلام وهو شرط رئيسي ومطلوب لتحقيق الأمن الغذائي ولكن تواجه السلطنة كما دول عربية أخرى، والخليج بشكل خاص تحديات أخرى تؤثر على مواردها المحدودة بالأصل لإنتاج الغذاء.إذ لا تتجاوز مستويات توفر المياه العذبة في المنطقة حاجز الـ10 بالمائة من المتوسط العالمي، وهو وضع من غير المرجح أن يتحسن مع تسارع آثار تغير المناخ والتوسع الحضري السريع والنمو السكاني المتواصل.

لذا أطلقت الفاو مبادرة إقليمية «ندرة المياه في الشرق الأدنى وشمال أفريقيا» وصادقت عليها جامعة الدول العربية، حيث تعمل المبادرة كمنصة للتعاون وتبادل المعرفة.
كما ذكر المدير العام دي سيلفا من المهم جدا تعزيز عملية تكييف النظم الغذائية في ظل تغير المناخ، فالزراعة الإيكولوجية مثلا لديها الكثير لتقدمه في مجال التخفيف من أثر غازات الدفيئة وحماية الموارد الطبيعية والتنوع البيولوجي. ومن مبادرات الفاو الأخرى في المنطقة مبادرة الزراعة الأسرية الصغيرة النطاق، والتي تؤكد على أهمية إيجاد فرص في المزارع وخارجها كمصدر رئيسي للدخل في المناطق الريفية، ومبادرة بناء القدرة على الصمود لتحسين الأمن الغذائي والتغذية، الهادفة إلى وضع سياسات وبرامج متماسكة وقائمة على الأدلة لتلبية حاجات الدول من الأمن الغذائي والتغذية مع بناء الصمود وتعزيز الزراعة المستدامة.