ما بين قرآن الهواتف والمصاحف!

مقالات رأي و تحليلات الأربعاء ٢٧/يونيو/٢٠١٨ ١٠:٣٩ ص
ما بين قرآن الهواتف والمصاحف!

لا نعترض على التطور التكنولوجي وتسخيره في كل مناحي الحياة بما يخدمنا ويعزز من الاستفادة من هذه التقنيات الحديثة، ولا نشك مطلقا أن التكنولوجيا خدمت الإسلام في نشر تعاليمه، إلا إنه قد تلاحظ أن البعض أصبح يهوى قراءة القرآن الكريم من الهواتف النقالة حتى في باحات المساجد.
هنا يبرز السؤال الهائل والضخم هل المصحف الإلكتروني الموجود في النقال هو بالفعل يساوي ويتساوى مع المصحف المعروف في القداسة والطهارة والنظافة وبقدر يمكننا معه القول أنه قد آن أوان الاستغناء عن المصاحف الورقية المعروفة! فإذا كنا نرى البعض عاكفين على هواتفهم النقالة في المساجد، فتلك إرهاصات لا تخطئها العين بأننا سنرى (الجميع) وفي وقت قريب آت لا محالة يفعلون الشيء نفسه.
عندها يتعين علينا وعمليا الاستغناء عن المصاحف الورقية لسبب واحد وبسيط هو أنه لا يوجد من يقربها ناهيك عمن يقرأها، وعندما يحدث ذلك هل ينبغي لنا إضفاء ذات القداسة التي كنا نضفيها على المصاحف ولنحولها تلقائيا للنقال، وإذا حدث هذا فإن ثمة تساؤلات إضافية تنبثق من تحت الرماد لتقول هل النقال رغم وجود مصحف به يستحق فعلا أن نصفه بأنه مقدس لاحتوائه على مصحف إلكتروني؟
بيننا وبين أنفسنا نحن نعلم أنه ليس كذلك، ولن يكون كذلك في يوم من الأيام، وجميعنا يعرف السبب، وإذا عرف السبب بطل العجب، فهو -أي النقال- هو إلى النجاسة أقرب، ونجاسته بالطبع نجاسة إلكترونية لا تبطل الوضوء حكما فنحن نعرفها وتعرفنا.
صحيح أن العلماء قد أجازوا وضع المصحف كتطبيق ضمن التطبيقات الشريرة المجاورة له، ولكن كون أن يتطاول النقال ليغدو بديلا لكتاب الله في (المساجد) فهذا نراه واسع وجديد وموغل في الحداثة الآثمة.
المصحف سيظل كما نعتقد ونجزم هو المصحف، كتاب واحد به 114 سورة هو كلام الله عز وجل وليس بعده ولا قبله شيء آخر، لهذا فهو في ديننا من أقدس المقدسات.
وبالتالي لا يمكننا اعتبار مصحف النقال بديلا لكتاب الله المعروف، ولنا في هذا المثل عبرة وهو أننا نعرف بأن كتاب الله هو الكتاب الذي نقسم عليه في كل القضايا المطروحة في المحاكم عند استدعاء الشهود، والقسم الكاذب عليه يعتبر إجراء كارثيا، وفي ذات الوقت لا يمكننا طرح مصحف النقال كبديل لنقسم عليه، هو إجراء مرفوض وبدون الخوض في جدلية لماذا، ونحن وفي دواخلنا نعلم لماذا.
وإذا كان الأمر كذلك، وإذا كانت ثمة فوارق وثمة بون شاسع وواسع كالبون بين السماء والأرض بين المصاحف الورقية المطبوعة، وبين مصاحف النقالات، فلماذا لا نعيد الاعتبار كاملا للمصاحف المطبوعة في باحات المساجد باعتبارها هي التي تقربنا إلى الله زلفى، ثم إنها الوحيدة التي تشرف المسجد ويتشرف المسجد بها وليس ثمة شك في جيرانها، ولنترك مصاحف النقالات للحالات الطارئة والاستثنائية، حيث نكون في غير المساجد.. فهي مفيدة، تلك حقيقة لا ننكرها.