كاسيا مالينوفيكي
عندما كنت شابة صغيرة في بولندا الشيوعية، كان اليوم العالمي للمرأة يُعتبر "فرصة للاحتفال بالإنجازات والمساهمات النسائية. لكن هذا الاحتفال ما هو إلا تقليد أجوف. في اليوم التالي تعود النساء إلى حياتهن العادية وفرصهن المحدودة. فلا يمكن لعطلة يوم واحد أن تفعل الكثير للقضاء على أجيال من التمييز.
ويعكس تأثير النظام الدولي لسياسة مكافحة المخدرات هذا الواقع. في سلسلة ترويج المخدرات، توجد المرأة بالضرورة في الدرجة السفلى، وهي تقوم بعمل "البغال"، وعندما يتم القبض على امرأة، على الرغم من أنها جانية لأول مرة من دون عنف، فإنها تواجه عقوبة إلزامية دنيا قاسية.
بالنسبة لتجار المخدرات، هؤلاء النساء لا قيمة لهن ويمكن التخلص منهن. ولا يتم سداد الكفالة لهن أو اللجوء إلى محامي للدفاع عنهن إلا نادرا، لأن لا قيمة لهن في هياكل الاتجار. ويتم الاستغناء عنهن وتركهن لحالهن، بحيث يفتقرن إلى المعرفة والموارد للتحرك في نظام العدالة الجنائية. وأحيانا يفتقرن إلى المعلومات الضرورية للتفاوض مع السلطات مقابل الحصول على حكم مخفف.
ويتم الزج بالمزيد من النساء في السجون تحت طائلة جرائم المخدرات أكثر من أي جريمة أخرى. في أمريكا اللاتينية وحدها، يمثلن 70٪ من النساء السجينات. غير أن لحبس بغل المخدرات مدة عشر سنوات تأثير ضئيل جدا على تجارة المخدرات. لكن تأثيره على النساء وأسرهن مدمر ولا رجعة فيه.
لقد لاحظت لأول مرة آثار سياسة مكافحة المخدرات على المرأة عندما سافرت إلى طاجيكستان وقرغيزستان بعد انهيار الاتحاد السوفياتي. في جبال قرغيزستان، لا ترى رجلا واحدا في الأفق في قرى بأكملها. لقد أصبحوا عمالا مهاجرين في روسيا.
في غضون سنتين من استقلال قرغيزستان، أصبحت السجون مليئة بالنساء بتهمة الاتجار في المخدرات. أغلبهن نساء عاديات، وبعضهن مسنات يرتدين الحجاب. وعندما تحدثت إلى كبار المسؤولين في الشرطة، قيل لي إن هؤلاء النساء يهربن المخدرات من أفغانستان لدفع ثمن الأحذية والكتب المدرسية. وبالنسبة للقانون الجنائي الطاجيكي والقيرغيزي، هن مثل أدنى فاكهة في شجرة الحرب التي أطلقت حديثا على المخدرات.
وتواجه النساء في مثل هذه الظروف عقوبة مزدوجة: فقدان الحرية والعائلة. وتدان المرأة بارتكاب جريمة تتعلق بالمخدرات مما ينتج عنه فقدان حضانة الأبناء. وإذا أرسلت المرأة إلى السجن وهي معيل الأسرة الوحيد يتم وضع أطفالها في الحضانة، وإذا كانت حاملا عند دخول السجن، فمن المرجح أنها لن ترى أطفالها مرة أخرى.
ويمكن للمرأة أن تكون ضحية قوانين مكافحة الاتجار في المخدرات أو أن توجه لها التهمة بالتآمر لمجرد عيشها مع زوج يشارك في بيع المخدرات. في بعض الولايات الأمريكية، يخضع لاختبار المخدرات كل المتقدمين بطلب للحصول على المساعدة العامة، وهم عادة نساء. وفي العديد من البلدان، تـنص بروتوكولات العلاج من تعاطي المخدرات على منع النساء اللاتي لهن أطفال من الحصول على الخدمات.
في جزء كبير من آسيا الوسطى، على مدمني المخدرات تسجيل أنفسهم مع السلطات لتلقي العلاج، الأمر الذي يضع جميع النساء تلقائيا في خطر فقدان أطفالهن. وفي أوروبا الشرقية، معظم العلاج بالعقاقير المتاحة يكون في إطار برامج طويلة الأمد في مراكز تقع على مسافة بعيدة عن المراكز الحضرية ودون خدمات لرعاية الطفل. غير أن عددا قليلا من النساء فقط يستطعن الدخول إلى هذه المرافق والابتعاد ستة أشهر أو أكثر عن رعاية أطفالهن أو آبائهن.
ويساهم تجريم تناول المخدرات من قبل النساء بوسائل غير مشروعة في جعلهن أقل استعدادا لطلب الخدمات العامة، أو المساعدة بسبب الإدمان على المخدرات. وهذا يساعد في تفسير انخفاض عدد النساء اللاتي يستفدن من الخدمات. وفي نفس السياق في بعض الثقافات المرأة تأكل فقط عندما ينتهي الرجال والأطفال من الأكل، و تستخدم نفس الحقن الذي استعملها شريكها، مما يعرضها لخطر الإصابة بفيروس نقص المناعة البشرية أو التهاب الكبد. ومعلوم أن التداخل الكبير بين العمل في مجال الجنس والمخدرات يضع حياة المرأة في خطر كبير.
كما تتطور السياسات الوطنية لمكافحة الإرهاب على حساب ضعف النساء في جميع أنحاء العالم.
جلست مرة مع مسؤول في مطار لندن أوقف امرأة كينية جلبت الكوكايين إلى المملكة المتحدة. وكانت المرأة قد أخبرت من قبل الشخص الذي جندها لهذه العملية أنه في بريطانيا إذا تم توقيفها، ببساطة ستعاد إلى بلدها وبيتها دون تداعيات لأنها امرأة وأم لأطفال.
في الواقع، نصف كيلو من الكوكايين جنا عليها عقوبة إلزامية لمدة عشر سنوات. وبسجنها في الخارج، مع عدم وجود أي دعم قانوني أو موارد اقتصادية، تفقد هؤلاء الأمهات أي اتصال مع أطفالهن في الوطن الأم.
يجب أن ُتعاٌلِج الجهود الرامية إلى إصلاح سياسة مكافحة المخدرات أخطاء منهجية في مجال العدالة الجنائية، والرعاية الصحية، والرعاية الاجتماعية التي تؤدي إلى استفحال محنة النساء اللاتي وقعن في خندق الحرب على المخدرات. و سيكون احترام حق النساء في العلاج من الإدمان وفي رعاية أطفالهن بمثابة لعنة على جبهات ما يسمى بالمصلحين المراقبين للأخلاق في العالم. ولكن ما لم نبدأ في إعادة النظر في سياسة مكافحة المخدرات من خلال عدسة تراعي الفوارق بين الجنسين والتركيز على الحد من الضرر، سوف نستمر في شن حرب خاسرة على المخدرات، يصير ضحيتها أجيال من نسائنا وبناتنا الأكثر ضعفا.
مديرة برنامج سياسة مكافحة المخدرات العالمي في مؤسسات المجتمع المنفتح.