الدولار.. زخم متجدد

مؤشر الثلاثاء ١٩/يونيو/٢٠١٨ ٠٢:٤٦ ص

بقلم: أولي هانسن

ساهمت عوامل، تشمل الزخم المتجدد للدولار الأمريكي، والاقتراح السعودي/ الروسي لرفع مستويات إنتاج النفط، وتنامي مخاطر اندلاع حرب تجارية أمريكية/ صينية، وتحسّن حالة المحاصيل الزراعية في الولايات المتحدة، بمجموعها في تسجيل خسائر للأسبوع الثالث على التوالي في «مؤشر بلومبيرج للسلع» ذي القاعدة العريضة.

وضمت قائمة السلع القليلة الرابحة كلاً من الفضة والغاز الطبيعي وخام غرب تكساس الوسيط، في حين شملت قائمة أبزر السلع الخاسرة الألمنيوم والنحاس المحاصيل الثـــــلاثة الرئيسية. واستقر سعر الذهب عند 1300 دولار أمريكي/ أونصة محققاً صعوداً قوياً أمام ارتفاع الدولار الأمريكي، بينما سجل أكبر ارتفاع له مقابل اليورو منذ شهر سبتمبر الفائت.

من ناحية أخرى، عانى قطاع الحبوب من انتكاسة كبيرة مسجلاً أسوأ انخفاض له منذ حوالي عامين ولا سيما فول الصويا الذي وصل إلى أدنى مستوياته خلال عام واحد. ومن المحتمل أن يؤدي ارتفاع مخاطر تباطؤ الطلب الأجنبي على هذه السلعة -في حال قيام الصين والمكسيك بالرد على رفع التعريفة الجمركية الأمريكية- إلى تفاقم وضع السوق التي تعاني أصلاً من تحسن حالة الطقس في الولايات المتحدة وحركة البيع طويلة الأجل لهذه السلع.
وقاد النحاس هبوط أسعار المعادن الصناعية مدفوعاً بعدد من العوامل التي شملت تنامي قوة الدولار الأمريكي، وارتفاع مخاطر اندلاع الحرب التجارية، والبيانات التي صدرت مؤخراً وأشارت إلى احتمال تراجع النمو في الصين.
وكما هو متوقع، أعلنت «لجنة السوق الفدرالية المفتوحة» عن رفع أسعار الفائدة للمرة السابعة خلال الدورة الحــــــالية، في حين لم يقم البنك المركزي الأوروبي بإجراء أي تغيير على أسعار الفائدة للعام المقبل.

وساهمت نتائج هذه الإجراءات، إلى جانب التوترات السياسية التي يشهدها الائتلاف الحكومي الألماني، في دعم الدولار الأمريكي الذي سجّل أفضل أداء له منذ العام 2016، بالإضافة إلى تفاقم الظروف غير المواتية بالنسبة لجميع السلع.

ومن شأن تنامي قوة الدولار إلى جانب ارتفاع تكاليف التمويل والوقود -ويضاف إلى ذلك مخاطر اندلاع حروب تجارية بين عدد من أكبر اقتصادات العالم- أن يؤدي على الأرجح إلى مواصلة نشوء مزيد من التحديات في أسواق السلع.
ولا ينطبق ذلك على الاقتــــصادات المتقدمة فحسب، وإنما على الاقتصادات الناشئة أيضاً، ولا سيما تلك التي ترزح تحت عبء الديون المالية الضخمة بالدولار الأمريكي.
وتنطوي الظروف التي نشهدها حالياً على مخاطر تراجع توقعات النمو العالمي ومعدلات الطلب خلال فترات الأرباع السنوية المقبلة.
وشهد الأسبوع الفائت تراجعاً شمل مبيعات التجزئة والإنتاج الصناعي ونمو الائتمان في الصين على نحو فاق جميع التوقعات، وذلك في الوقت الذي تبدي فيه البلاد إشارات على حدوث تباطؤ اقتصادي.
ويسلط «مؤشر سيتي للمفاجآت الاقتصادية»، الذي يقيس البيانات الاقتصادية المفاجئة بالنسبة للتوقعات الخاصة بالسوق، الضوء على التدهور الأخير في البيانات الاقتصادية لعدد من أبرز الاقتصادات على مستوى العالم.
وسجّل الذهب أداءً قوياً نسبياً خلال الأسبوع، ما يمثل أمراً مستغرباً بالنسبة للبعض، حيث حافظ على سعره البالغ 1300 دولار أمريكي/ أونصة بعد إخفاقه في كسر عتبته السعرية، وذلك في أعقاب الحذر الذي أبداه رئيس البنك المركزي الأوروبي ماريو دراجي، تجاه رفع أسعار الفائدة.
وقد كان من المفترض للارتباط السلبي مع الدولار الأمريكي أن يؤدي إلى حدوث انخفاض حاد في أسعار تداول الذهب مقابل الدولار الأمريكي (XAUUSD). ولكن نظراً لكون قوة الدولار الأمريكي ناتجة عن ضعف اليورو، فقد كان الانعكاس الفعلي لذلك متمثلاً في أسعار تداول الذهب مقابل اليورو (XAUEUR) والتي ارتفعت بأكثر من 2% لتسجل أفضل أداء لها منذ شهر سبتمبر الفائت.
وفي أعقاب اجتماع الرئيس ترامب مع الزعيم الكوري الشمالي كيم جونج أون، الذي جرى في سنغافورة خلال الأسبوع الفائت (والذي تمخض عن الكثير من الوعود مقابل القليل من النتائج الحقيقية)، فإن المخاطر الجيوسياسية تبقى عرضة للارتفاع مرة أخرى.
ويأتي ذلك في أعقاب مواصلة الإدارة الأمريكية لخطتها الرامــــــية إلى زيادة التــــــعرفة الجمركية على البضائع الصينية لتبـــــلغ قيمتها 50 بليون دولار أمريكي.
وبالرغم من أن الدولار الأمريكي لم يبدِ أي مؤشرات على تراجع زخمه القوي، فإننا نتوقع بأن يفضي ذلك إلى توفير مزيد من الدعم لأسعار الذهب.

ومن المرجح كذلك أن يحافظ منحنى عوائد سندات الخزانة الأمريكية على استقراره، حيث سترتفع عوائد السندات على المدى القصير، بينما ستبقى الأسعار على المدى الطويل مدعومة بالمخاوف المذكورة أعلاه والمتعلقة بالحروب التجارية والأسواق الناشئة. وحتى إذا ارتفعت عوائد السندات، فإنه من المحتمل أن يؤدي تنامي التوقعات الخاصة بالتضخم إلى الحفاظ على العائدات الحقيقية ضمن نطاق محدد بالتزامن مع الارتفاع الذي تشهده نقاط التعادل.

وشهدت الاستثمارات الورقية تراجعاً ملحوظاً نتيجة للانخفاض الذي شهدته مراكز صناديق التحوط (والذي سبق الإجراءات التي تم اتخاذها خلال هذا الأسبوع) إلى أدنى مستوى لها خلال عامين، في حين تراجع إجمالي الحيازات في الصناديق المتداولة والمدعومة بالذهب بعد أن وصل إلى أعلى مستوياته خلال الشهر الفائت.
وتشير جميع هذه الملاحظات إلى إمكانية حدوث تغيير في أسعار الذهب، في حين يمكن للاتجاه الهبوطي أن ينخفض إلى ما دون 1286 دولارا أمريكيا/ أونصة. ويمكن لانخفاض مستوى مشاركة صناديق التحوط أن يدفعنا للاعتقاد بأن التوجه الذي من المحتمل أن يستحوذ على معظم الزخم هو توجه صعودي. ويشكل الدولار الأمريكي القوي حالياً تحدياً كبيراً، ولكن غياب حالة الضعف عن هذه العملة يسلط الضوء على مخاطر الاتجاه الصعودي. ولكي يحدث ذلك، فإنه ينبغي أن تتم مواصلة تخطي عتبة المعدل المتحرك والبالغة 1308 دولارات أمريكية/ أونصة لفترة 200 يوم لدفع المستثمرين إلى مغادرة ملاذاتهم الآمنة والعودة إلى السوق.
من جانب آخر، ما تزال أسعار النفط عالقة عند نطاق ضيق نسبياً خلال الفترة التي تسبق الاجتماعات الرئيسية التي ستنعقد في العاصمة النمساوية فيينا. وسيعقب اجتماع منظمة أوبك المزمع عقده يوم 22 يونيو، اجتماعاً آخر للدول غير الأعضاء في منظمة أوبك في يوم 23 يونيو. وستتم مناقشة إمكانية إجراء خفض للإنتاج أو إعادة النظر في خفض الإنتاج بواقع 1.8 مليون برميل/ يومياً، والذي ساهم منذ شهر يناير 2017 في انتعاش أسعار خام برنت بنسبة تزيد عن 60% على المستوى العالمي.
فبعد أن وصل سعر برميل خام برنت إلى 80 دولارا أمريكيا/ برميل خلال الشهر الفائت، وفي أعقاب مواصلة خفض الإنتاج من قبل الدول الأعضاء في منظمة أوبك -والتي تعود بدرجة كبيرة إلى مواصلة خفض معدلات الإنتاج في فنزويلا- فقد تعالت الأصوات المنادية بضرورة اتخاذ إجراءات ملائمة. وينطبق ذلك على وجه التحديد في حالة المملكة العربية السعودية وروسيا، واللتين أعربتا عن مخاوفهما بشأن إمكانية يؤثر تراجع أسعار النفط على معدلات النمو والطلب العالمية.
وأدى عدم قدرة أعضاء منظمة أوبك الـ14 -ولا سيما إيران (بسبب العقوبات الأمريكية) والعراق (نتيجة لضعف الاستثمارات) وفنزويلا (بسبب الانهيار الاقتصادي)- على زيادة الإنتاج إلى تصاعد حالة الترقب قبيل الاجتماع. ومن المرجح للتوترات الإقليمية أن تطفو على السطح مجدداً بالتزامن مع قيام الولايات المتحدة بفرض عقوبات على فنزويلا، وحصول المملكة العربية السعودية على امتيازات على حساب إيران نتيجة لزيادة حصتها السوقية من إنتاج النفط.
وبعد الجهود الدؤوبة التي بذلتها كل من المملكة العربية السعودية وروسيا لرفع أسعار النفط، يمكن القول بأن كلتا الدولتين ستبذلان ما بوسعهما للحيلولة دون حدوث خلل في السوق. وبناءً على ذلك، فإنه من غير المرجح أن تحدث زيادة في الإنتاج بما يفوق التعويض عن الكميات التي تنتجها كل من فنزويلا وإيران. ونظراً للمقاومة التي يبديها باقي المنتجون في منظمة أوبك، تشير الترجيحات إلى أنه سيتم الحفاظ على سقف الإنتاج، ولكن سيتم الاتفاق على زيادة الإنتاج بين 500 ألف إلى مليون برميل يومياً.
وكانت صناديق التحوط قد لعبت دور البائعين الصافيين للنفط الخام خلال الأعوام السبعة الفائتة. ويشكل ذلك أطول سلسلة من الخسائر المتتالية منذ العام 2013 التي أعادت مراكز التداول طويل الأجل إلى 790 ألف حصة (790 مليون برميل)، ما يمثل أدنى مستوى لها على مدى 8 أشهر. وبناءً عليه، فإنه من المرجح للضغط المستمر والناجم عن حركة بيع طويلة الأجل أن يتلاشى خلال فترة قصيرة مما يحد من مخاطر هبوط الأسعار.
واستناداً إلى ذلك، فإننا سنحافظ على وجهة نظرنا القائلة بأن أسعار النفط الخام يمكن أن تستقر ضمن نطاق سعري يتراوح بين 71 إلى 82 دولارا أمريكيا/ برميل على المدى المنظور. وستبقى انقطاعات الإمدادات وارتفاع الأسعار المرتبط بها تمثل أكبر المخاطر على المدى القصير، في حين يمكن لتباطؤ معدلات الطلب أن يستقطب مزيداً من الاهتمام على المدى القصير.

رئيس إستراتيجية السلع في ساكسو بنك