السلاح واللوحات العمانية

مقالات رأي و تحليلات الثلاثاء ٢٧/سبتمبر/٢٠١٦ ٢٣:٠٦ م
السلاح واللوحات العمانية

فريد أحمد حسن

الخبر الذي نشرته صحيفة "الحياة" مؤخرا وتضمن جزئية نسبت إلى محافظ مأرب ملخصها أنه "تم الشهر الفائت إحباط محاولة تهريب أسلحة ومتفجرات من محافظة حضرموت إلى مأرب في طريقها إلى صنعاء كانت تحملها شاحنات لوحاتها عمانية" كان غريبا ومزعجا ولا يمكن لعاقل أن يصدقه ، ذلك أنه من غير المعقول أبدا أن تقوم السلطنة تحت أي ظرف بعملية تهريب أسلحة أو المشاركة في تهريبها إلى أي مكان ، والسبب هو أن هذا الفعل مخالف لمبادئها ومواقفها ، بل مخالف للسنن الكونية ، فإذا أضيف إليه أن السلطنة تسعى منذ اندلاع هذه الحرب - التي أكلت حتى الآن الكثير من الأخضر واليابس اليمني - إلى إيجاد صيغة لوضع نهاية لها فإن الخبر يحظى بلا معقولية أكبر ولا يكتفي برفضه العقلاء .
من يعرف سلطنة عمان وسياستها وحرصها على عدم التدخل في شئون الآخرين أو الانحياز لطرف على حساب آخر في أي مشكلة وسعيها إلى إصلاح ذات بين الدول لا يتردد عن القول بأن في الأمر سوء فهم أو أنه أريد من الخبر أن يحقق غرضا معينا ، في وقت معين ، لجهة أو لأخرى . ومن يعرف السلطنة وسياستها يجزم بأن علاقتها بالحوثيين مثل علاقتها بالأطراف الأخرى ذات العلاقة بالحرب الدائرة في اليمن ، لذا فإن أي قول مناقض لهذه الحقيقة هو قول لا يمكن تصديقه أبدا . عمان تتمنى أن تنقطع إمدادات السلاح عن كل الأطراف لأن هذا يساعد على سرعة التوصل إلى حل للمشكلة فكيف لها أن تشارك في عملية تهريب أسلحة إلى بعض أطرافها ؟ عمان تقف دائما ضد الحروب فكيف تشارك في إذكائها بتهريب الأسلحة ؟
ما نسب إلى محافظ مأرب الشيخ سلطان العرادة عن محاولة تهريب أسلحة ومتفجرات من حضرموت إلى مأرب بغية توصيلها إلى صنعاء لفائدة الحوثيين في شاحنات تحمل لوحات عمانية يمكن تصديقه في حالة واحدة فقط هي أن المهربين تطاولوا على السلطنة بوضع لوحات عمانية على تلك الشاحنات حيث الطبيعي أن يلجأ المهربون إلى مثل هذه الحيل فيستبدلوا اللوحات ويفعلوا كل ما يعين على إتمام جريمتهم وليس مهما عندهم من يتضرر من ذلك . ترى لو كانت عمان هي التي قامت بعملية التهريب فهل يعقل أن تضع على الشاحنات لوحات عمانية ؟
الجزء الجميل في الخبر هو أن العرادة "لم يؤكد صلة أية جهة خارجية بتلك الشحنة" وقال "إنه لم يتم التأكد من علاقة السلطات العُمانية بها" وهو ما يؤكد أن مسألة وضع لوحات عمانية على الشاحنات كان يراد منه تحقيق هدف معين أساسه الإساءة إلى السلطنة التي تدفع بقوة في محاولتها إنهاء الحرب في اليمن ، أي أن هناك متضرر من الوساطة العمانية ويريد أن يوقفها ويمنع عمان من مواصلة هذا الدرب .
مغرد عماني في "تويتر" نشر ملخصا لذلك الخبر وأرفق به تعليقا مكونا من ثلاث كلمات اختصر بها كل ما يجري فكتب "كلاب الفتنة تنبح" ، فأصاب بتلك الكلمات كبد الحقيقة ، فلا تفسير لكل ذلك سوى أن جهة ما تستفيد من زرع الفتن وإعاقة دور السلطنة الساعية إلى إيجاد نهاية سعيدة لمشكلة "اليمن السعيد" .
ولأن الخبر كان غريبا وبعيدا عن الواقع والمنطق والعقل لذا تناوله المواطنون العمانيون وكل محب لعمان بالتعليق في مواقع التواصل الاجتماعي ، فكان أن انتشر فيلم فيديو قصير يوفر المزيد من الأدلة على استحالة توريط عمان نفسها في مثل هذا الأمر تضمن معلومات عن السياج الفاصل بين السلطنة واليمن والذي يؤكد استحالة تهريب أي شيء عبره ، وخارطة تبين المناطق التي تسيطر عليها الحكومة الشرعية والتي لا يمكن أن يصل عبرها أي شيء إلى الحوثيين في صنعاء .
توجيه مثل هذا الاتهام لسلطنة عمان يدخل في باب الاستهزاء بالعالم أجمع ، والسبب هو أن العالم كله يرى بكل حواسه كيف تعمل السلطنة من أجل إنهاء هذه الحرب وغيرها من الحروب المشتعلة في الوطن العربي على وجه الخصوص ، وكيف تقف على الحياد في كل شيء ، وكيف أنها تعمل للسلام ، وللسلام فقط . ومن تابع نشاط الوزير المسؤول عن الشؤون الخارجية العماني يوسف بن علوي في نيويورك أخيرا حيث الدورة الجديدة للأمم المتحدة لابد أنه لاحظ كيف هو حرص عمان على التحدث مع مختلف الأطراف ذات العلاقة بالمشكلات في مختلف البلاد العربية التي تعاني من الحروب .
ليس لمثل هذا الخبر القميء أن يمنع سلطنة عمان من الاستمرار في سعيها لإنهاء الحرب الدائرة في اليمن أو في سوريا أو في غيرهما من البلاد العربية ، وليس بمثله يمكن الإساءة إلى سمعة السلطنة التي وإن حرصت دائما على العمل بتكتم إلا أن خطواتها واضحة ولا يمكن أن تحيد عن المبادئ التي أعلنت عنها مع بداية تأسيس عمان الحديثة وتعهد باني السلطنة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم بالالتزام بها .
الرد على ذلك الخبر لم يكن صعبا ، وكان يكفي السكوت عنه وعدم الرد عليه حتى من قبل الجمهور ، ففي ذلك تحقير لمن سعى إلى نشره وأراد الفتنة .
لن يطول الوقت حتى تتمكن عمان من تحقيق السلام في اليمن ، وحينها سيتبين مقدار ما تحملته في سبيل تحقيق هذا الهدف السامي وكيف أنها لم تلتفت لتصريحات الفتنة وكيف أنها تمكنت من منعهم من تخريب ما عملت على بنائه .

· كاتب بحريني