مسقط - محمد بن هلال الخروصي
مع انتشار الهواتف الذكية ونشر الفيديوهات على مواقع التواصل، ينتشر التصوير في الأماكن العامة والمفتوحة كالأسواق والحدائق والشواطئ والساحات المفتوحة والمجمعات التجارية الكبيرة والملاعب وغيرها.
ولا تحمل الصور والفيديوهات في مضامينها مخالفات أدبية، لكن يظهر فيها أشخاص ضمن التصوير العام في هذه الأماكن ومن ثم يقدم بعضهم على تقديم شكاوى أو رفع قضية لوجود صورهم فيها، بالرغم من أنها التقطت في أماكن عامة ولم تركز على شخص معين بل تتناول المكان نفسه كالشاطئ أو السوق ومثيله.
ويرى المحامي صلاح بن خليفة المقبالي أن المتتبع لقضايا تقنية المعلومات يجد أن السواد الأعظم منها ينحصر في «الانستجرام والواتساب»، وأن انتشار هذه الوسائل سهَّل من عملية التواصل، إلا أن البعض أساء استخدامها، ما تسبب في حدوث عدد كبير من القضايا في المحاكم وبشكل يومي.
وأشار المقبالي إلى نص المادة (16) من قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات الذي يقول إنه «يعاقب بالسجن مدة لا تقل عن سنة ولا تزيد على ثلاث سنوات وبغرامة لا تقل عن ألف ريال عماني ولا تزيد على خمسة آلاف ريال عماني أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من استخدم الشبكة المعلوماتية أو وسائل تقنية المعلومات كالهواتف النقالة المزودة بآلة تصوير في الاعتداء على حرمة الحياة الخاصة أو العائلية للأفراد، وذلك بالتقاط صور أو نشر أخبار أو تسجيلات صوتية أو مرئية تتصل بها ولو كانت صحيحة أو في التعدي على الغير بالسب أو القذف».
الحياة الخاصة
وشرح المحامي المقبالي المقصود بالحياة الخاصة للفرد بأنها حرية الإنسان في اختيار أسلوب حياته الشخصية بعيداً عن التدخل ودون أن يكون في استطاعة الآخرين الاطلاع على أسرارها أو نشر هذه الأسرار بغير رضاه، وأن نطاق ذلك يمتد إلى كل ما يتعلق بحياة الشخص العائلية والمهنية والصحية ودخله ومعتقداته الدينية والفكرية والسياسية ومراسلاته ومحادثاته وجميع المظاهر غير العلنية في الحياة العملية للفرد.
وأكد أن القانون أعطى للإنسان الحق في حماية حياته الخاصة من التدخل التعسفي فيها. وأشار إلى أن من صور الاعتداء على هذه الحياة الخاصة التقاط أو نشر صورة شخص يوجد في مكان خاص، وهو المكان الذي لا يرتاده إلا المسموح لهم بذلك، كمسكن الإنسان ومكتبه.
وذكر أنه لا يشترط لوقوع الجريمة أن تكون صورة المجني عليه المنشورة أو الملتقطة له في وضع يخجله أن يطلع عليه الناس لأن الحماية هنا هي حرمة الحياة الخاصة وليس شرفه واعتباره.
النية الجرمية
وقال المحامي صلاح المقبالي إن التصوير في الأماكن العامة بغرض عرض جماليات المكان أو تصوير الشخص لنفسه وظهور شخوص في الفيديو لا يعد جرماً، وذلك لانتفاء الركن المعنوي «النية الجرمية»، وحتى إن قام الشخص بإبلاغ الادعاء العام بأن صوره ظهرت في محتوى المادة المصورة في مكان عام لعرض المكان أو إخبار المشاهدين ومتابعي المصور بوجوده في المكان، فلا تعد هذه جريمة، وذلك لانتفاء أركان الجريمة.
وبين أن كل ذلك يظهر أثناء التحقيق إذا ما كان ينتهك الخصوصية في مكان عام فلا بد أن يتوفر الركن المعنوي المتمثل في النية الجرمية وذلك مثلا بإظهار شخص مع عائلته والتركيز عليهم أو شخصين والتركيز عليهما، ويتم التحقق من صحة ذلك من خلال فحص محتوى المادة المصورة في المعمل الفني للادعاء العام.
وأضاف أن المشرع اشترط لتحقق الجريمة المؤثمة بنص المادة (16) من القانون السالف الذكر أن تكون الوسيلة المستخدمة هي الشبكة المعلوماتية أو وسائل تقنية المعلومات كالهاتف النقال المزود بآلة تصوير. وكذلك شدد القانون على من يستخدم برامج تقنية المعلومات في التعدي على الآخرين بالسب والقذف أو نشر أخبار تمس الحياة الخاصة للفرد حتى وإن كانت صحيحة، وذلك حرصاً من المشرع على عدم الاعتداء على حرمة الحياة الخاصة لكل فرد.
وأوضح المحامي المقبالي أن المتتبع لمواد قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات يجد أن المشرع شدد العقوبة الحبسية والغرامة المالية لتكون هذه العقوبات رادعة بحق من يتهاون في إساءة استخدام وسائل تقنية المعلومات.
ورغم وجود هذه العقوبات فإن المقبالي يرى أنه لا ينبغي أن يقوم الفرد بإقحام أحد أفراد عائلته في أروقة المحاكم بســبب رسالة واتســـاب جاءت في وقت غضب وســـوء تفاهم، فالعائلة هي نواة لكل مجتمع فإن زاد تماســكــها زادت قوة تماسك المجتمع، وإن تفككت ازداد المجتمع ضعفاً وهواناً.
انتهاك للخصوصية
أما عن رأي الجمهور فيقول عويد بن مسعود الشريقي من ولاية العوابي إن التقاط الصور ومقاطع الفيديو في الأماكن العامة يُعد انتهاكاً لخصوصية الآخرين، لا سيما إذا كان التصوير عاماً، بمعنى أن يلتقط الشخص صورة مثلاً هي موجهة لقريب أو شخص مرافق، ويتضح فيها بعد ذلك ظهور أشخاص آخرين ومارة، بمعنى أن ذلك يُعد انتهاكاً وتعدياً على خصوصيات الآخرين، بخاصة إذا نشرت عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
وأضاف أن التصوير في الأماكن العامة ثقافة لا يجيدها إلاّ من أتقنها وعرف قوانينها، وأن من الأهمية ملاحقة هؤلاء العابثين اجتماعياً ومن يتداولون مقاطع هي ليست من حقهم بل ومطاردتهم عبر جرائم المعلومات.
وأشـــار إلى أن من واجـــب الآباء والأمـــهات والمعلمين والمعلمات والمؤسسات التربوية والإعلامية، وكذلك أجهزة الرقابة محاربة هذه الظاهرة، ونشــــر الوعي بالثــــقافة الصحيحـــة والســليمة لهذا الجانب لحفظ المجتمع فممــارســـة هذا الجانب نابعـــة من مســتوى الــوعي لـــدى أفــراد المجتمع بشكل عام.
وقال إن هناك أشخاصاً يعتقدون أن من السهل التصوير العشوائي في كل مكان، ولكن ذلك يُعد تلصصاً على شؤون الآخرين، وعبثاً بمشاعرهم، بخاصة إذا نُشرت في مواقع التواصل الاجتماعي.
وذكر الشريقي أن التصوير في الأماكن العامة بخاصة العشوائي يزيد من المشاكل وصعوبة حلها، لا سيما إذا كان التصوير لأسر تتواجد في الأماكن العامة، وأن البعض لا يزال يعتقد أن التصوير أمر طبيعي، مؤكداً ضرورة الحرص على التعامل بالأخلاق الحسنة، وعدم مضايقة الآخرين وفق التوجهات التي تؤكد سلوكيات الفرد السوية، والالتزام بالأطر الصحيحة والسليمة في توظيف هذه التقانة التوظيف الأمثل دون التعدي على خصوصيات الآخرين.
الاحتكام إلى الأعراف
من ولاية الرستاق قال هارون بن ناصر العوفي: في مثل هذه المواقف يكون الاحتكام إلى الأعراف التي يتوافق عليها غالب الناس، فمن يوجد بمكان عام عادة يكون على وعي بأنه محط نظر الناس ولذلك يبقى محتشماً ملتزماً لا يضيره أن يلتقط السياح أو غيرهم الصور والفيديوهات لعرضها عبر مواقع التواصل كالسناب شات والانستجرام أن أن يظهر كخلفية لمشهد لا يكون هو محور الموضوع فيه وإنما يظهر بشكل عرضي عابر.
واعتبر أن الوعي بأدبيات الوجود في الأماكن العامة أو المجمعات التجارية أو المعالم السياحية يجعل من ظهور صورة الشخص شيئاً عادياً وليس محط ابتزاز واستفزاز، فهو ضمنيا قبول ووعي بكل احتمالات وتبعات الوجود بمكان عام.
واستدرك بالقول: مع هذا تبقى لبعض الأسر خصوصيتها ونظرتها التي تجعلهم يشعرون بالحرج والاستياء لظهورهم في المقاطع المتداولة ولذلك فعلى من يعتادون تسجيل يومياتهم بمواقع التواصل الاجتماعي الحرص على أن تكون خلفية المقطع شيئاً ثابتاً لا يطيل الناس عليه التوقف وكذلك استخدام المؤثرات المتاحة بمواقع التواصل لتظليل الخلفية وتشويش وجوه المارة بهدف عدم وضع أنفسهم أو الآخرين في مواقف محرجة قد تصل لشكاوى وانفعالات غير محسوبة.
أمر نسبي
ووصف أحمد بن ناصر البحري الأمر بأنه نسبي، فقد يكون في بعض المجتمعات أمراً عادياً، بينــــما هو في مجتمـعــات أخـــرى يمـثل انتهاكـاً للخصـــوصية كالمجتـمعـات المحافظة.
وقال: من وجهة نظري، وقياساً على مجتمعنا الذي ما زال محافظاً، فإن على المصور أن يتجنب ما يراه الآخرون تعدياً على خصوصيتهم حتى لا يقع في ما ينعكس عليه سلباً، كما ينبغي أن يستأذن إن أتيح له ذلك وإلا فليأخذ في تصويره زوايا تبعده عن حرمات الآخرين.
وأضاف: ثمة أمر آخر، فقد يكون في التصـــوير تشهير بمــــا لا ينبــغي التشـــهير به، ونقل سريع لما ينبغي التثبت منه إن جـــاز التصوير.