كيف يمكِّن ترامب للمجاعة؟

مقالات رأي و تحليلات الخميس ٢٤/أغسطس/٢٠١٧ ٠٤:٥٥ ص
كيف يمكِّن ترامب للمجاعة؟

جاكسون ديهل

في الشهر الفائت، شكلت ثماني منظمات إغاثة كبيرة خاصة في الولايات المتحدة تحالفا غير مسبوق للفت انتباه الأمريكيين إلى أسوأ أزمة إنسانية منذ الحرب العالمية الثانية: 20 مليون شخص عرضة لخطر مجاعة وشيك في أربع دول، منهم الملايين من الأطفال الذين تقول الأمم المتحدة إنهم «يعانون من سوء تغذية حاد». ومن خلال التفكير في الحركات الشعبية المكافحة للمجاعات في ثمانينيات وتسعينيات القرن الفائت، قامت هذه المنظمات بحشد الدعم من الشركات الكبرى ونجوم الغناء، وكان الأمل هو الوصول إلى نسبة الـ 85 % من الأمريكيين الذين أظهرت استطلاعات الرأي أنهم غير مدركين للأزمة، وإحداث تأثير في العجز الذي يزيد عن بليوني دولار في التمويل اللازم لوقف المجاعة.

في معظم الحالات لم تنجح الحملة التي استمرت أسبوعين. ويقول المسؤولون في هذه المنظمات إنهم قاموا بجمع نحو 3.7 مليون دولار وحصلوا على تغطية أكبر مما لو كانوا قد عملوا منفصلين كل منظمة على حدة. ولكن لم يكن هناك زيادة ملموسة في الاهتمام العام، وظلت المواضيع الإخبارية عن المجاعة قليلة ومتباعدة، والسبب في ذلك واضح إلى حد ما: إن سيرك ترامب المستمر يمتص الكثير من التغطية الإعلامية بحيث إن القضايا التي يفترض أن تكون عاجلة وطارئة -مثل ملايين البشر الذين يتضورون جوعا- تبقى طي الكتمان.

حاولت الأمم المتحدة جذب الانتباه إلى أزمة الجوع التي تلوح في الأفق في اليمن وجنوب السودان والصومال ونيجيريا في شهر مارس الفائت، وبعد ما يقرب من ستة أشهر، فإن الحقائق القاتمة هي: تم جمع 54 % فقط من مبلغ ال 4.9 بليون دولار الذي قالت الأمم المتحدة إنها تحتاج إليه للتخلص من الكارثة. ورغم أن عمليات إيصال المساعدات قد أخرجت إحدى ولايات جنوب السودان رسميا من المجاعة، فإن أكثر من نصف السكان هناك وفي الصومال بحاجة إلى مساعدات غذائية عاجلة، إلى جانب 5.2 مليون شخص في شمال شرق نيجيريا.
في اليمن، الوضع أكثر خطورة، إذ يواجه نحو سبعة ملايين شخص خطر الجوع، وهناك نصف مليون طفل يعانون بالفعل من سوء التغذية، ووباء الكوليرا يجتاح البلاد، حيث يوجد نحو نصف مليون حالة مصابة بهذا الوباء وما يقرب من ألفي حالة وفاة بسببه في أقل من أربعة أشهر.
وفي الشهر الفائت، قام برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة بإطعام رقم قياسي بلغ ستة ملايين شخص في اليمن إلا أن نصفهم لم يحصل على الحصة الكاملة التي يحتاجونها. يقول دافيد بيسلي، المدير التنفيذي للبرنامج، إن الظروف على أرض الواقع لا تتحسن، بل إنها تتعقد وتصير إلى الأسوأ. وفي الأثناء، «لا يمكننا اختراق كل الضجيج المثار في وسائل الإعلام».
وأسوأ ما في هذا الوضع ليس عدم الاهتمام به، ولا حتى غياب التمويل الكافي للإغاثة. (من حيث التمويل اللازم للإغاثة، زادت الولايات المتحدة من تمويلها بشكل جيد إلى حد معقول بفضل مخصصات الطوارئ من الكونجرس هذا العام التي بلغت 990 مليون دولار لمكافحة المجاعة)، إن المأساة الحقيقية هي أنه على الرغم من الجفاف المتفاقم في القرن الأفريقي فإن الجوع كله من صنع الإنسان وليس الطبيعة. إن التمرد الإرهابي لجماعة بوكو حرام النيجيرية والحروب الأهلية في جنوب السودان وفي الصومال، وقبل كل شيء اليمن، كل ذلك يفسر لماذا قد يموت ملايين من الجوع في الأشهر المقبلة.
وهنا أيضا مكمن المسؤولية الحقيقية للرئيس ترامب. إن حاجته المرضية على تركيز الانتباه على نفسه قد أوجدت دوامة يختفي فيها الخطاب العام حول القضايا الحيوية مثل هذه القضية. ولكن جريمته الأكبر هي حبه للأنظمة الاستبدادية في بعض الدول العربية التي هي مسؤولة إلى حد كبير عن إيجاد الأزمات الغذائية وانتشار وباء الكوليرا في اليمن واستمرارها.
وتكمن المشكلة في أن نحو 90 % من الغذاء والدواء لليمنيين يتم استيراده من خلال ميناء الحديدة البحري الذي تسيطر عليه جماعة أنصار الله وقوات الجيش اليمني الموالية لعلي عبدالله صالح الذين شن التحالف حربا عليهم على مدى سنتين ونصف حتى الآن. وبذريعة فرض حظر على الأسلحة، قام التحالف بحصار الحديدة من البحر الأمر الذي أدى إلى إغلاق المطار الدولي في العاصمة صنعاء. ومن المفترض أن يتم السماح للسفن التي تحمل الغذاء وتحمل موافقة الأمم المتحدة بالرسو، ولكن في الممارسة العملية غالبا ما يمنعها التحالف.
والنتيجة، كما يقول جويل شارني من المجلس النرويجي للاجئين في الولايات المتحدة، هي أن أزمة اليمن «ليس سببها نقص أموال المساعدات والمعونات التي تقدمها الولايات المتحدة» بل سببها الحصار وإدارة ترامب غير مهتمة في ذلك، قبل أسبوعين، اتخذ مجلس الأمن أخيرا خطوة بشأن هذه المشكلة، حيث اعتمد بالإجماع بيانا يدعو «جميع الأطراف إلى تسهيل الحصول على الواردات الأساسية من المواد الغذائية». كما أصدرت السفيرة الأمريكية نيكي هالي بيانها الذي قالت فيه «يجب علينا محاسبة الحكومات والجماعات المسلحة التي تمنع وصول المساعدات.» ولكن لسوء الحظ، على حد قول شارني: «هذه ليست سياسة الولايات المتحدة في الواقع، إذا نظرت بشكل موضوعي إلى ما يجري». في الحقيقة إن ترامب هو الذي يمكّن للمجاعة بأكثر من طريقة.

كاتب عمود بصحيفة واشنطن بوست