النخب اليمنية.. والفشل في استدعاء الحل

مقالات رأي و تحليلات الخميس ٢٤/أغسطس/٢٠١٧ ٠٤:٥٥ ص
النخب اليمنية.. والفشل في استدعاء الحل

علي ناجي الرعوي

يدرك معظم الفرقاء السياسيين على اختلاف توجهاتهم أن اليمن وبعد مرور عامين ونصف العام على الحرب المستعرة فوق أراضيه أصبح بكل المقاييس ساحة مفتوحة لكل الاحتمالات، فبالإضافة أن هذه الحرب بشقيها الداخلي والخارجي ستفرز خريطة جديدة للجغرافيا اليمنية قد تذهب بالبلاد نحو التقسيم غير المعلن فإن تداعياتها الأخرى لا بد وأنها من ستعزز محركات التهييج المناطقي والطائفي والمذهبي داخل النسيج المجتمعي إن لم تستدع ما هو أسوأ من ذلك بعد صعود الهويات الصغيرة وتهتك منطق السياسة وتملشن الفضاء العام.

ورغم إدراك أولئك الفرقاء وفي المقدمة منهم قادة الأحزاب والكتل السياسية التي ظهرت على الساحة اليمنية وتبوأت المشهد منذ قيام اليمن الموحد العام 1990 لتلك الحقيقة وعدم جهل هذه النخب بالتعقيدات التي أنتجتها الحرب وحجم الكلفة الإنسانية التي ستترتب على استمرار الخزان مشتعلاً فإنها وعلى النقيض من الانطباع السائد تظهر وكأنها غير معنية بما يحدث في وطنها ومجتمعها بدليل أنها التي لم تلزم نفسها حتى الآن بأي جهد أو إسهام إيجابي من شأنه أن يفضي إلى إنتاج مشروع للسلام بل إنها التي لم تقم بأي محاولة من أجل استدعاء الحل وإخراج البلاد من كابوس الموت والضياع الأمر الذي جعل السلاح يهيمن على الفراغ الذي تركته تلك النخب والأحزاب والمكونات السياسية والمدنية ويمكن ملاحظة ذلك بسهولة، فقد انخفض الدور السياسي للأحزاب والنخب الفكرية والثقافية حتى التلاشي، وقد أدت الحرب إلى تفكيك مجال فعاليتها في المجتمع ليتصدر المقاتلون لا النشطاء السياسيون وتتقدم الجماعات المسلحة لا فروع الأحزاب والمنظمات المدنية ليس في ميادين الاعتراك وإنما في مسارات التفاوض السياسي المحدودة لينغلق المشهد على تقدير من يحملون السلاح في الداخل من جهة ومن يديرون المعركة في الخارج من جهة ثانية، بينما يستبعد ممثلو الأحزاب ومكونات المجتمع المدني بفعل تغييبهم لأنفسهم وانعزالهم كليًا عن الواقع وإذا ما قدر للنخبة السياسية اليمنية الوجود في أي فاعلية فإنها التي تظهر دون التفكير السياسي الذكي حتى وهي من تمتلك الفرصة الكاملة للإحاطة بالمجتمع كله وتمتلك أيضاً المفتاح لإيقاف الحرب وسحب اليمنيين من دائرة السلاح إلى طاولة السياسة والحوار.

لقد غرقت النخب السياسية اليمنية منذ أحداث (الربيع العربي) 2011 في صراع مر وعبثي، واتخذ ذلك الصراع شكلاً جديداً انفتح معه ملمح التحشيد العسكري ليغدو في حالة تنافس محموم مع منطق السياسة وفي حين جاءت المبادرة الخليجية لنزع فتيل الاقتتال الداخلي ودعم جهود انتقال السلطة سلميًا، وبما أتاح للقوى اليمنية مجتمعة الجلوس إلى جوار بعضها البعض في مؤتمر الحوار الوطني الذي استمر لما يقارب العام فإن درجة الالتزام ما تبقى من بنود تلك المبادرة الخليجية قد أصيب بحالة من الضمور لاعتقاد البعض أن مرجعية الحوار قد حلت محل بنود المبادرة مع ذلك فإن مسار ذلك الحوار لم يخل من المنغصات وصراع المحاور حيث اختلف الجمع بشكل حاد حول المشاريع الإصلاحية للدولة اليمنية، إذ مثل إصرار طرف على عنوان (التقسيم الفيدرالي) مع عدم قدرته على طمأنة الطرف الآخر والذي يمثل كتلة كبيرة من سكان الشمال أن هذا التقسيم لا يستهدف مصالحهم وإنما يحميها نقطة الارتكاز التي أدت إلى تفجير الأوضاع والتحولات الدراماتيكية التي وصلت ذروتها باقتحام جماعة أنصار الله العاصمة صنعاء في 21 سبتمبر 2014 وبسبب انعكاس هذا التطور الخطير تسارعت الأحداث العميقة والمتشعبة التي قادت إلى الحرب الراهنة وهي التي كان يمكن تجنبها لو أن النخب السياسية تعاملت مع تلك التطورات على نحو مسؤول انطلاقا من تأكيدها على أن ما خرج به مؤتمر الحوار ليس نهائيا وهو قابل للنقاش والتفاوض وبما يحقق المصالح المشتركة لكل اليمنيين، وكما فشلت النخب السياسية في منع حدوث الحرب فقد فشلت في أن تستكشف ربما خيارات إيقاف هذه الحرب وإيجاد قنوات لتسوية سياسية تخرج البلاد من مستنقع الدمار المتصاعد فقد انقسمت النخب السياسية اليمنية عقب انفجار الحرب إلى ثلاث مجموعات فمن هاجرت إلى الخارج اعتبرت بصورة ما أن معركتها ليست في إنقاذ اليمن من وطأة هذه الحرب وإنما لتحقيق الانتصار على خصومها وإلحاق الهزيمة بهم أما المجموعتان الأخريتان في الداخل فقد عمدت كل منهما إلى انتهاج موقف مغاير للآخر ووسط هذه الحروب البينية تضاءلت مساحة الاهتمام لدى القوى الوطنية بأي تفكير للتوافق حول مشروع سياسي يؤسس لطريق سالك لوأد الحرب ونزع فتيل الأزمة الخطيرة التي قد تطيح باشتراطات الأخوة والمصير المشترك بين المكونات اليمنية.
بالتأكيد هنالك تأثيرات داخليه وخارجية لأي حرب وهذه التأثيرات هي من قد توجه الأحداث في الاتجاه الذي ربما قد يتصادم مع الإرادة المحلية ومواقف القوى السياسية الوطنية كما هي الصورة اليوم في اليمن إلا أنه كان بإمكان هذه القوى تجاوز مثل هذا المنعطف بأعلى لغة الإيثار والتعايش والقبول بالآخر على لغة المصالح والمطامع والامتيازات وكذا بتسامي الجميع فوق خلافاتهم وانحيازهم لصالح توحيد الشعب اليمني على اختلاف انتماءاته السياسية والفكرية والثقافية والحزبية تحت راية واحدة ونظام سياسي يحترمه الجميع.
مما لا شك فيه أن أي حرب لن تنتهي إلا باتفاق سياسي بين أطراف وفرقاء هذه الحرب وانطلاقا من هذه المسلمة فقد كان بوسع النخب اليمنية دعوة الأطراف المنخرطة في الحرب إلى وضع أوراقها على الطاولة وحسم أي خلاف عن طريق الحوار والتوصل إلى اتفاق لإنهاء النيران المشتعلة على الساحة اليمنية وكل ما تحمله معها من ماس ومعاناة تلحق بالبسطاء إلا أن ذلك مع الأسف لم يحدث حتى الآن.. وقبل أن يبادر البعض للسؤال: وهل ما زال الحل السياسي ممكنا في ظل التشعب الكبير الذي وصلت إليه الأوضاع على الأرض؟ سأجيب بسؤال آخر: وهل يمكن إنهاء الحرب بمزيد من الحرب وتكرار التجربة الصومالية أو الأفغانية في اليمن؟ قطعاً أن الحل مهما بدا صعباً وشاقاً ومتعدد المناهج والآليات فإنه ما زال ممكنا إذا ما استشعرت النخب اليمنية مسؤولياتها واتجهت نحو البحث عن الرؤى والتصورات القادرة على إنتاج الحل المتوازن الذي يراعي مصالح الداخل ومخاوف الجوار الإقليمي ويعيد لليمنيين الأمل في الانتقال إلى واقع جديد من الاستقرار والازدهار والرفاه والتطور على المسارات كافة، ومن المهم أن تعي النخبة السياسية اليمنية أن انتقال الصراع إلى داخل أسوار العاصمة صنعاء عبر الحشد والحشد المضاد يوم 24 من الشهر الجاري لشريكي سلطة الأمر الواقع المؤتمر الشعبي العام وجماعة أنصار الله ليس سوى حلقة من حلقات الفشل لاستمرار الحرب الشعواء التي تشن باليمن بعد أن أخفق المنطق في صناعة مشهد سياسي متماسك نتيجة تمترس النخب السياسية اليمنية وراء رعونتها والتي حالت دون تحولها إلى فاعل يتبنى الحلول الواقعية ليس عبر الشعارات التي تلهب الجماهير، وإنما باستيعاب واستقراء طبيعة المشكلة وأوجه الحلول لها.
إن الحل السياسي الذي ينهي الاقتتال كفعل قائم ما زال بأيدي اليمنيين، وهو الحل الذي ينتظره اليمنيون من نخبتهم الوطنية لتنير لهم طريق الخروج من مسلك العنف والحرب وفيروسات الفقر والحصار والأمراض القاتلة وإخفاقات المبعوث الأممي الذي ما زال يطرح الحل ونقيضه في آن واحد.. فهل ستتأخر النخبة السياسية اليمنية طويلاً؟ أم أن تلك النخبة ستظل تفتقد لمنطق السياسة بمعناه المنظم والمعبر عن مصالح الناس وتطلعاتهم في الحياة الآمنة والمستقرة؟

كاتب يمني