العودة إلى أفغانستان

مقالات رأي و تحليلات الخميس ٢٤/أغسطس/٢٠١٧ ٠٤:٥٥ ص

ترودي روبين

في خطابه يوم الاثنين عن أفغانستان، أقر الرئيس ترامب بشيء نادرا ما يواجهه به أحد: القرارات «تختلف كثيرا» وأنت رئيس أكثر مما وأنت في أوج الحملة الانتخابية.

وقد كان التوجه الأصلي للرئيس، والذي أعرب عنه مرارا وتكرارا على مر السنين، هو سحب أي قوات متبقية من أفغانستان. لقد تعب الجمهور الأمريكي بشكل مفهوم من أطول حرب أمريكية والتي استمرت قرابة 16 عاما. ولا توجد خيارات عسكرية جيدة تلوح في الأفق.

بيد أنه بعد مراجعة السياسة التي استمرت لمدة سبعة أشهر، وقسمت البيت الأبيض بشكل مرير، واجه الرئيس أخيرا الحقيقة المرة: إن الانسحاب الكامل من أفغانستان يعني أن تجد كل من القاعدة وداعش ملاذات آمنة مرة أخرى في الوقت الذي استولت فيه طالبان على مساحات أكبر من البلد.
لذلك أخذ ترامب أخيرا بنصيحة جنرالاته، بما فيهم مستشار الأمن القومي ماكماستر، بتعزيز القوات الحالية البالغ تعدادها أربعة آلاف جندي بأربعة آلاف آخرين على الأقل (وقد طلب بعض القادة المزيد).
وغني عن القول إن هذه الأعداد وحدها لا تقدم وعدا بتغيير المسار الحالي لعودة طالبان. ولكن سياسة ترامب الجديدة، رغم أنها غامضة وتتخللها بعض الثغرات، انطوت على تحولات عدة في الاتجاه يمكن أن تحدث فرقا على الأرض.
دعنا نسمي هذه التحولات في الاتجاه «اللاءات الأربعة».
اللا الأولى هي «لا موعد نهائي لسحب القوات». لقد ارتكب الرئيس أوباما خطأ فادحا عندما قام بزيادة عدد القوات في أفغانستان عام 2009 ولكنه أعلن مسبقا عن موعد سحبها، فما كان من طالبان إلا أن انتظرت ذلك الموعد، وكذلك فعلت باكستان.
ونظرا لقلة عدد القوات الأمريكية -وكذلك دورهم الأساسي كمدربين- فمن المنطقي أكثر النظر إلى وجودهم كجزء من استثمار طويل الأجل من أجل منع عودة الإرهابيين. كما أن وجودهم أيضا يذكّر الجيران الإقليميين، إيران وروسيا والهند وباكستان، أن أمريكا ما زالت تولي اهتماما.
اللا الثانية تشير إلى «لا مزيد من الجهود لبناء الأمة». لقد حاولنا ذلك وفشلنا.
ستركز القوات الأمريكية القليلة المتبقية على تدريب قوات العمليات الخاصة والكوماندوز الأفغانية، وكذلك على استدعاء الضربات الجوية والمدفعية لدعم الأفغان، كدروس مستفادة من حرب العراق. فهذه هي الطريقة التي ساعد بها عدد محدود من القوات الأمريكية الجيش العراقي أخيرا على هزيمة داعش في الموصل.
أما اللا الثالثة فهي «لا للفكرة الغريبة التي يعبث بها الرئيس، وهي تعيين إريك برنس، مؤسس شركة المقاولات العسكرية الخاصة سيئة السمعة المسماة بلاك ووتر التي دمرت بغداد، لقيادة قوة مرتزقة تحل محل القوات الأمريكية في أفغانستان».
أما اللا الأهم فهي اللا الرابعة: لا مزيد من الملاذات الآمنة لحركة طالبان الأفغانية في باكستان. تجدر الإشارة إلى أن القوات العسكرية والاستخبارات الباكستانية لعبت منذ فترة طويلة لعبة مزدوجة: تحارب حركة طالبان الباكستانية التي تهاجم القوات العسكرية الباكستانية والمدنيين وفي نفس الوقت توفر ملاذا آمنا لزعماء حركة طالبان الأفغانية ومقاتليها. كما استضاف الباكستانيون أيضا إرهابيين آخرين يهاجمون الهند وآووا أسامة بن لادن لسنوات.
إن إسلام أباد تلعب هذه اللعبة المزدوجة لأنها تعتبر حركة طالبان الأفغانية والجماعات الإرهابية الأخرى أدوات مهمة في كفاحها الذي لا ينتهي ضد الهند. وقد حاولت إدارتا كل من بوش وأوباما إغراء باكستان بالمساعدات المالية لإغلاق هذه الملاذات الآمنة في وجه الإرهابيين ولكن دون جدوى.
من المعروف أن ماكماستر سعى للحصول على موقف أكثر صرامة ضد باكستان. وقد أعلن ترامب قائلا: «لم يعد بإمكاننا أن نظل صامتين» عن الملاذات الباكستانية الآمنة للإرهابيين. إن نجاح أي سياسة ينتهجها ترامب في أفغانستان قد يعتمد على مدى استطاعة فريقه معرفة كيفية تغيير سلوك باكستان. وهو ما يقودني إلى الثقوب الكبيرة في «استراتيجية» ترامب.
لقد تظاهر الرئيس بتأييده للدبلوماسية قائلا إن سياسته من شأنها «أن تدمج جميع أدوات السلطة الأمريكية معا». بيد أن وزارة الخارجية المضطربة حُرمت من خبرتها المتعلقة بجنوب آسيا، وقد أوضحت كلمات الرئيس شكوكه في الجهود الدبلوماسية.
لقد وعد ترامب مرارا بالنصر في أفغانستان ودعا إلى تحقيق «انتصار صريح». إن تاريخ أفغانستان يبين أن «النصر» داخل حدودها هو أمل مشكوك فيه.
وفي نهاية المطاف، فإن تحقيق التقدم العسكري في أفغانستان يتطلب وجود قوة خلف المبادرة الدبلوماسية في المنطقة تهدف إلى إقناع جميع جيران أفغانستان أن استقرارها يخدم مصالحهم وينبغي أن يتوقفوا عن دعم الفصائل على أراضيها.
وباختصار، فإن أفضل أمل أمريكي قد يكون هو منع تنظيم داعش أو القاعدة من إنشاء قواعد جديدة، وهو ما يتطلب وجودا وتركيزا طويل الأمد للولايات المتحدة في أفغانستان. واستمرار الإلحاح على تحقيق انتصار سريع وصريح لن يؤدي سوى إلى قلق ونفاد صبر الأمريكيين.
لقد أصبحت أفغانستان هي حرب ترامب الآن، وسوف تتطلب ذلك النوع من التفكير بعيد المدى الذي لم نره حتى الآن.

كاتبة عمود في صحيفة فيلادلفيا إنكوايرر