هل يُصبِح نمو الإنتاجية عديم الأهمية؟

مقالات رأي و تحليلات الأربعاء ٢٣/أغسطس/٢٠١٧ ٠٤:٤٥ ص
هل يُصبِح نمو الإنتاجية عديم الأهمية؟

أدير تورنر

في العام 1987، قال رجل الاقتصاد روبرت سولو الحائز جائزة نوبل إن أجهزة الكمبيوتر «في كل مكان ما عدا الإحصاءات الخاصة بالإنتاجية». ومنذ ذلك الحين، أصبح ما يسمى «مفارقة الإنتاجية» أكثر بروزا على نحو متزايد. فقد ألغت الأتمتة العديد من الوظائف. والآن يبدو أن الروبوتات وأشكال الذكاء الاصطناعي المختلفة تَعِد (أو تهدد) بتغيير أكثر تطرفًا. ومع ذلك، تباطأ نمو الإنتاجية في مختلف الاقتصادات المتقدمة؛ وفي بريطانيا، لم يعد العمل أكثر إنتاجية اليوم مما كان عليه في العام 2007.

يرى بعض أهل الاقتصاد أن تراجع الاستثمار في الأعمال، أو ضعف المهارات، أو البنية الأساسية المتهالكة. ويتساءل آخرون ما إذا كانت تكنولوجيا المعلومات قوية إلى هذا الحد حقا. يعكس نموذجنا العقلي القياسي لنمو الإنتاجية التحول من الزراعة إلى الصناعة. فقد بدأنا بمائة مزارع ينتجون مائة وحدة من الغذاء: وبفضل التقدم التكنولوجي أصبح بوسع خمسين مزارعًا إنتاج نفس الكمية، وانتقل الخمسون الآخرون إلى المصانع التي تنتج الغسالات أو السيارات أو أيا كان. فتضاعفت الإنتاجية الإجمالية، ثم أصبح من الممكن أن تتضاعف مرة أخرى، مع زيادة إنتاجية الزراعة والصناعة، وتحول بعض العمال بعد ذلك إلى المطاعم أو خدمات الرعاية الصحية. الواقع أننا نتولى عملية تتكرر إلى ما لا نهاية.

ولكن من المحتمل أن نشهد تطورين آخرين. لنفترض أن المزارعين الأكثر إنتاجية لا يرغبون في الحصول على غسالات أو سيارات، بل يريدون بدلا من ذلك توظيف الخمسين عاملا الزائدين عن الحاجة إما كخدم منازل يتقاضون أجورا منخفضة أو فنانين يحصلون على أجور أعلى، ويقدمون خدمات شخصية يصعب تقديمها من خلال الأتمتة. إذا حدث ذلك، فسوف تنحدر الإنتاجية ببطء إلى الصِفر حتى ولو لم يتباطأ نمو الإنتاجية في الزراعة قط. بيد أن نمو الأنشطة ذات «المجموع صِفر» ربما تكون حتى أكثر أهمية. إذا نظرنا حول الاقتصاد، فسوف يلفت نظرنا الكم الهائل من القوى العاملة العالية الموهبة المكرسة لأنشطة من غير الممكن أن تزيد من رفاهة الإنسان، ولكنها تنطوي على المنافسة على الفطيرة الاقتصادية المتاحة. وقد أصبحت مثل هذه الأنشطة في كل مكان. كانت الأنشطة ذات المحصلة صِفر مهمة دوما. ولكن أهميتها تتزايد مع اقترابنا من الإشباع في العديد من السلع الأساسية والخدمات. فالآن تمثل «الخدمات المالية والتجارية» في الولايات المتحدة نحو 18% من تشغيل العمالة، ارتفاعا من 13.2% في العام 1992.
على نحو مماثل، يعمل محامو الطلاق الأكثر عددا والأفضل أجرا على زيادة الناتج المحلي الإجمالي، لأن المستهلكين النهائيين يدفعون لهم. ولكن المحامين التجاريين الأكثر عددا والأفضل أجرا لا يزيدون من الناتج، لأن الإنفاق القانوني للشركات يُعَد تكلفة وسيطة. وتتباطأ الإنتاجية القابلة للقياس مع تكاثر الأنشطة الوسيطة ذات المحصلة صِفر، في حين تعمل أنشطة أخرى ذات محصلة صِفر على تضخيم الناتج المحلي الإجمالي ولكنها لا تقدم أي استحقاقات خاصة بالرفاهة الاجتماعية.
وربما تعمل تكنولوجيا المعلومات، التي من المحتمل أن تعوض عن هذا التأثير، على تحسين الرفاهة البشرية على نحو لا يظهر في الناتج القابل للقياس. والواقع أن مليارات الساعات من وقت المستهلكين التي كانت تُنفَق في الماضي لتعبئة الاستمارات، وإجراء المكالمات الهاتفية، والوقوف في الطوابير لم تعد واردة الآن بفِعل التسوق وخدمات البحث على الإنترنت.
خلافا لمزاعم بعض خبراء الاقتصاد من اليمين، من غير الممكن أن تجعل هذه الخدمات المجانية التفاوت المتزايد في الدخول أمرا بلا أهمية. فإذا ارتفعت تكاليف الإيجارات والتنقل بسبب المنافسة المحتدمة على ممتلكات عقارية في مواقع جذابة، فلن يمكنك دفع ثمنها من خلال زيادة «فائض المستهلك» بحرية. ولكن الفكرة الأساسية تظل بالغة الأهمية: ذلك أن قدرا كبيرا مما يحقق فوائد الرفاهة البشرية لا ينعكس في الناتج المحلي الإجمالي.
الواقع أن الناتج المحلي الإجمالي القابل للقياس ومكاسب الرفاهة البشرية ربما ينفصلان تماما في نهاية المطاف. ولنتخيل معا العالم في العام 2100 حيث تقوم روبوتات تعمل بالطاقة الشمسية وتصنعها روبوتات وتتحكم فيها أنظمة الذكاء الاصطناعي بتقديم أغلب السلع والخدمات التي تدعم الرفاهة البشرية. في ذلك العالَم سوف تمثل كل هذه الأنشطة نسبة تافهة من الناتج المحلي القابل للقياس، لأنها ستكون ببساطة رخيصة للغاية.
الواقع أننا لا نزال بعيدين عن تلك النقطة. ولكن سلوك هذا الاتجاه ربما يساعد في تفسير تباطؤ الإنتاجية مؤخرا. ومن الواضح أن أجهزة الكمبيوتر لا تظهر في إحصاءات الإنتاجية لأنها على وجه التحديد، قوية للغاية.

رئيس معهد الفكر الاقتصادي الجديد.

أدير تورنر