سفهاء العصر..

مقالات رأي و تحليلات الأربعاء ٢٣/أغسطس/٢٠١٧ ٠٤:٤٠ ص
سفهاء العصر..

لميس ضيف

مختلفة هي الشعوب في تعاملها مع مآسيها وتحدياتها. بعضها يتعلق بتلابيب الخرافات والأساطير؛ ويعيش حالة من الانفصال عن الواقع ويستسلم للأقدار ويترك نفسه للريح تتقاذفه كأوراق الشجر كيفما اتفق، وبعضها؛ يجنح للعنف؛ فيتحول من المواطن المحبط لكائن شرس. وتجد أخبار القتل والانفجارات والاغتصاب تُساق من تلك الدول زمراً؛ من قتل زوجته لأنها لم تطبخ له العشاء، ومن قتل صديقه بعد أن سخر منه في مجلس، وذاك الذي ربط ابنه وعذبه حتى الموت، عدا عن أخبار العنف الأسري والجرائم الإرهابية. كل تلك الأخبار تأتي من بلدان نعرفها عينا ونكاد نخمن، كمنشغلين ومشتغلين بالإعلام، الجاني والضحية لوجود صبغة خاصة تأتي من كل دولة وهي عادة مجتمعات يغشاها الفقر والجهل ويتآكلها الفساد.

بلدان أخرى تعاني من الثالوث الخطير ذاته: الفقر والجهل والفساد. وتعيش في ضنك الحياة دون عدالة ولا نظام إلا شريعة الغاب التي يأكل القوي في كنفها الضعيف ولكنها -رغم ذاك- تتعاطى مع حياتها الصعبة بشكل مختلف، فتولع بالأغاني والرقص وتعيش على النكتة والمزاح ويهوى أهلها الحشيش والعقاقير المخدرة -لا هربا من واقعهم كما يُشاع- بل عشقا لكل ما ينعش المزاج، فقد تآلف هؤلاء مع وضعهم وصاروا يرون الجدية والتمرد والتذمر طرقا معبّدة لموت مبكر لأنهم مؤمنون بأن منظومة الفساد والفوضى أقوى من أن تتغير وتتبدل.

بعض الشعوب تكابد للتغيير. ولكنها لا تملك أدواته ومقوماته. ولأنها جُبلت على التسلط وتربت في كنف الدكتاتورية سرعان ما تنجرف للانقسام وتنحرف للتطرف. فتلك المجتمعات أشبه ما تكون بالابن الذي كره بخل والده، فلما كبر اكتشف بأنه نسخة مطورة من الأب الذي يرفضه. لذا تتفتت الأحزاب والجماعات المعارضة في الأوقات الحرجة. لأنها لا تملك المرونة التي تتمناها في أنظمتها السياسية. ولا تؤمن -هي الأخرى- بتعدد الآراء لذا تتعامل بكل قسوة مع الآراء المناهضة لأفكارها.
أما أسوأ أنواع الشعوب في تقديري؛ فهي تلك التي تتعامل مع مشكلاتها ببلاهة، فلا تقدر التحديات التي تمر بها ولا تدرك خصومها الحقيقيين بل تنشغل بالتناحر والتنابز ويشطر المجتمع نفسه بقدر ما يستطيع ليتلهى -بنفسه- عن تحدياته ويُفني نفسه في التفريغ عن بؤسه -في نفسه- تاركا للفاسدين والمفسدين والمؤزمين والمتحزمين الساحة ليصولوا ويجولوا بها كيفما شاؤوا.
إننا بحاجة لأن نلتفت لأنفسنا ونتعلم من الشعوب الحية كيف تدير صراعاتها وتخرج من صومعة القبول بالأمر الواقع لباحة التغيير، فالأزمات في وطننا العربي تستفحل وقيمة المجتمعات تضمحل وحالها يتردى، والهروب للخلف صار هوايتنا كلما اختنقنا مما نحن فيه، فننبش في الكتب المغبرة عن سبب إضافي لنفرغ سلبيتنا على بعضنا حتى بتنا أضحوكة العالم ومثالا للسفاهة إلا من رحم ربي.