سباق تنظيمي إلى القاع؟

مقالات رأي و تحليلات الاثنين ٢١/أغسطس/٢٠١٧ ٠٤:٢٥ ص
سباق تنظيمي إلى القاع؟

أليسا أميكو

وسط منافسة ضارية على الفوز بإدراج أسهم أرامكو السعودية ــ أكبر شركة نفط في العالم والمملوكة للدولة السعودية ــ يجد القائمون على تنظيم البورصات والأسواق المالية أنفسهم تحت ضغط لتقديم حوافز للشركة لإقناعها بتنفيذ إدراج مزدوج لأسهمها في الخارج. وتبدو هيئة الإدارة المالية البريطانية (FCA) في سبيلها للرضوخ لهذا الضغط.

في الشهر الفائت، طرحت هيئة الإدارة المالية مقترحا لتيسير شروط الإدراج للكيانات الاقتصادية المملوكة للدول الراغبة في التأهل لفئة الإدراج الممتاز ببورصة لندن ــ وهي فئة تمثل «معيار أو غطاء الذهب» بالبورصة وتتسم بأنها محكومة بقواعد تنظيمية صارمة. ورغم عرض المقترح على أنه أمر فني بحت، فإنه بالغ الأهمية والأثر لأسباب تتعدى أرامكو السعودية. فهو في الحقيقة يشير إلى أن المنظمين الآن باتوا يعتقدون أن المشاريع المملوكة للدول تستحق معاملة تنظيمية خاصة. مقترح هيئة الإدارة المالية من شأنه أن يعفي الشركات المملوكة للدول المقبولة بفئة الإدراج الممتاز من قواعد المعاملات مع الأطراف ذات العلاقة إذا تجاوزت نسبة الملكية السيادية 30%. ويعني هذا عمليًا أن المعاملات بين أي شركة مدرجة مملوكة للدولة والدولة لن تخضع لموافقة مساهمي الأقلية.

لوضع الأمور في سياقها، تشكل شركات الأسواق الناشئة أغلبية رأس المال المجموع عالميا ــ حيث بلغت نسبتها 63% في الفترة ما بين عامي 2008 و2011، بحسب تقديرات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية. وتبلغ نسبة الشركات المملوكة للدول 23% من إجمالي رأسمال الأسواق الناشئة، مقارنة بمتوسط عالمي مقداره 13 %. يفترض مقترح هيئة الإدارة المالية أن «المستثمرين والسوق قادرون بصورة كافية على تقييم المخاطر الإضافية الناشئة عن الملكية السيادية». لكن هذا أمر مشكوك فيه، إذ يهيمن على الأسواق الدولية الرائدة مستثمرون مؤسسيون، وتتبع نسبة متزايدة من هؤلاء المستثمرين مؤشرات سلبية ويفتقرون إلى الحوافز الكافية للاستثمار في الإشراف الحكومي. ففي العام الماضي وحده، نمت صناديق الاستثمار السلبي بمعدل 4.5 مرات أسرع من الصناديق المدارة بنشاط، مما أدى إلى تقليل الفجوة بين قيمة الأصول المدارة بنشاط التي تبلغ 23.9 تريليون دولار، وقيمة الأصول المدارة بسلبية المقدرة بمبلغ 6.7 تريليون دولار.لكن قد يكون المستثمرون المؤسسيون النشطون أيضا غير قادرين على أداء دور الإشراف. فعلى سبيل المثال، احتج صندوق التقاعد الحكومي النرويجي (جلوبال)، وهو أكبر صندوق سيادي في العالم، على إدراج سناب شات في مؤشر فوتسي، وهو الأمر الذي يمنعه من التصويت على أسهمه، حتى لو اضطر إلى الاستثمار، نظرا لتتبع الصندوق أداء المؤشر. في المقابل، فإن إدراج الشركات المملوكة للدول في فئة الإدراج الممتاز ببورصة لندن لا يضمن إدراجها في مؤشر فوتسي ــ حيث يتطلب الأخير 50% من الأسهم الحرة المتاحة للتداول بالنسبة للكيانات غير البريطانية التي تصدر أوراقا مالية ــ وهو ما يعد مخالفة قد تمهد الطريق لأخرى. والحق أن الدافع وراء إدراج المشاريع المملوكة للدولة في فئة الإدراج الممتاز ببورصة لندن دون إدراجها في مؤشر فوتسي غير واضح. وعلى أية حال، إذا ضمت المؤشرات العالمية الشركات المملوكة للدول، فسوف يكون المستثمرون عُرضة لشركات قادرة على عقد صفقات مع ملاكها الحكوميين دون استشارة المساهمين الآخرين. في حين قد تبدو مطالبة الحكومة السعودية، التي تملك 95% من أسهم أرامكو، بالتشاور مع بقية المساهمين أمرا مبالغا فيه وغير منطقي، لأن الانضمام لفئة الإدراج الممتازة ببورصة لندن يشترط عادة امتلاك 25% من الأسهم فقط.
إن مقترح هيئة الإدارة المالية بمنح الشركات المملوكة للدول معاملة تفضيلية يعرض المستثمرين المؤسسيين لمخاطر واضحة. وينطبق الأمر على المستثمرين في الاقتصادات المتقدمة الذين قد يتبعون مؤشرات معينة أو يفتقرون إلى الموارد اللازمة للانخراط في عملية الإشراف مع الشركات المملوكة للدول التي تتمتع بنفوذ سياسي. وقد ينطبق هذا على المستثمرين في الأسواق الناشئة، حال قيام الهيئات التنظيمية المحلية أو البورصات أيضا بإعفاء الشركات المملوكة للدول من متطلبات حوكمة الشركات. خلاصة القول إن الاقتصاد السياسي لأسواق رأس المال اليوم لا يكافئ هؤلاء الذين يقاومون سباقا تنظيميا نحو القاع. والكرة الآن في ملعب الهيئات التنظيمية.

أليسا أميكو المدير الإداري لمؤسسة جوفرن،
مركز حوكمة الاقتصاد والشركات.