حماية المستهلك والأغذية العضوية والمعدّلة وراثيًا

مقالات رأي و تحليلات الاثنين ٢١/أغسطس/٢٠١٧ ٠٤:٢٤ ص
حماية المستهلك والأغذية العضوية والمعدّلة وراثيًا

محمد محمود عثمان
mohmeemosman@yahoo.com

المستهلك العربي حائر بين المصنفات الدولية التي تحدد هوية المنتج ومكوناته والأضرار التي قد تنتج عنه إذا وجدت، فهناك الكثير من المنتجات الغذائية والحيوانية والزراعية يتم تعديلها وراثيًا من خلال تغيير مورثات الكائن الحي بهدف إكسابها سِمَات مختلفة عما كانت عليه، حتى تصبح أكثر جودة وأعلى في قيمتها الغذائية ومذاقها ووفرتها، كأن تصبح السلالات الجديدة أكثر مقاومةً للعوامل البيئية، والأمراض والآفات الحشرية التي تضر بالمحاصيل والبيئة منذ قرون عدة.

قد يفيد التعديل الوراثي في انتزاع الصفات غير المرغوب فيها من بعض الأغذية، وقد يضيف إليها محسنات وصفات من خلال الهندسة الوراثية والتأثير على الجينات لتحسين السلالات وتقويتها وتعزيز قدرتها على مقاومة الأمراض ومقاومة سرعة التلف، والمساعدة في علاج بعض الأمراض مثل ضعف الإبصار، أو المساعد على خفض نسبة الكوليسترول في الدم، كما تستعمل البكتيريا المعدلة وراثيًا أيضًا لحماية المحاصيل من الحشرات الضارة ومن الصقيع أو الملوحة والجفاف، بالإضافة إلى زيادة قدرتها الإنتاجية ووفرة الإنتاج، ثم يتم إكثار هذه الأنواع الجديدة وتثبيت التغييرات في سلالتها.

لكن في المقابل ثمة جدل عالمي كبير وواسع بشأن ضرر هذه الأنواع من الأغذية أو فائدتها، سواء بالنسبة لصحة الإنسان أو البيئة، ولا يزال الجدل محتدماً حتى اليوم، ولكن أين نحن من كل هذا؟ فهل نشارك في الجدل ونستقي المعلومات التي نستفيد منها، وصولا إلى كيفية التعامل بها ومعها؟ حتى نحمي أنفسنا من أي أضرار اكتشفت أو ما زالت في علم الغيب.
حتى الآن تم تعديل الآلاف من مورثات الكائنات الحية نباتية أو حيوانية، خاصة أن التجارب التي أجريت في مجال الهندسة الوراثية أحدثت قلقًا كبيرًا في أوساط المستهلكين مع أنّ فوائدها جمة وعديدة، فقد عارض البعض تجارب الهندسة الوراثية من منطلق مخاوفهم من إنتاج بكتيريا أو أغذية ضارة لا يمكن التحكم فيها، وعارضها آخرون من منطلق مخاوفهم من الأضرار البيئية التي قد تنشأ من الإدخال المتعمد لكائنات تم تغيير تركيبتها الوراثية.

علاوة على ذلك فقد يتساءل البعض عن مدى أخلاقية التعامل مع المادة الوراثية للمخلوقات الحية، ومدى مصداقية نوايا القائمين على تجارب التعديل الوراثي؟ لأن التعديل الوراثي وسيلة قد نستخدمها لغاية نبيلة نطعم من خلالها ملايين الناس، أو - بالعكس - نقتلهم بها، لذلك نحتاج إلى تجارب ودراسات معملية للتأكد من الفوائد والأضرار قبل استخدام أو تداول المنتجات المعدلة وراثيا، وهل تحتاجها مجتمعاتنا أم لا؟ وهل يعلن عنها إذا دخلت إلى أسواقنا؟ لأن ذلك بالضرورة يتطلب تقويم فوائد ومخاطر كل تعديل وراثي على حدة، وهذا يعنى إجراء دراسة منفصلة لكل منتج غذائي، قبل السماح بالإنتاج أو بالاستخدام لمعرفة التأثيرات على المدى البعيد، وإن كنا في الدول النامية سنعاني من بعض الإشكاليات نظرا لضعف الإمكانيات، ولنقص التقنيات الحديثة في هذا المجال، فعلينا اعتماد بعض المختبرات الدولية الموثوق بها والاعتماد على تقاريرها، مع متابعة أدائها من حين إلى آخر، ثم المراجعة الدائمة لنشرات وتوصيات منظمة الأغذية والزراعة مع منظمة الصحة العالمية، التي تصدر في هذا الشان، للتأكد من سلامتها للإنسان والحيوان والبيئة، وكذلك في وضع النظم والقوانين حول التعريف بالمنتجات المعدلة، ولا سيما أن معظم الأبحاث إن لم تكن جميعها تتم وتنشر في الدول المتقدمة، ولا يهتم بتداولها في الدول النامية، على الرغم من أن الهندسة الوراثية وعملية التعديل الوراثي عمليتان مهمتان لإنتاج الغذاء الكافي للعالم، وبالذات في المناطق التي تعاني من الفقر في الأراضي الصالحة للزراعة أو تعاني من الفقر المائي، وخاصة أنه بحلول العام 2050 ونظراً لزيادة عدد سكان العالم، يجب زيادة المواد الغذائية نسبة تصل إلى 70%، وفق تقارير المنظمات الدولية المعنية بالأمن الغذائي العالمي، وفي ظل هذه الظروف، لابد من توعية المستهلك بالمنتج المعدّل وراثياً، والتأكد من الملصقات الموجودة عليه وعدم استيراد أو السماح بتداول المنتجات التي لم يدوّن عليها ما يفيد خلوها أو احتوائها للمواد المعدلة وراثياً، لذلك من الضروري ألا تتداول الأغذية المعدلة وراثياً حتى يكون مصادقا عليه من قبل هيئات ومنظمات صحية حكومية، تقر بأن هذا الغذاء صالح للاستهلاك البشري، وليس له أية أضرار حالية أو مستقبلية، وكذلك بالنسبة للأطعمة العضوية، فمن الضروري وجود الملصقات المدون عليها مصدرها والمزارع والأماكن التي تنتجها، تحسبا للمخاوف التي تنتج عن عدم وجود معايير حكومية صارمة، تنظم عرض وإنتاج وبيع هذه الأطعمة، طبقًا للمعايير الدولية المتعارف عليها، وعلى الجهات المختصة بحماية المستهلك وصحة الإنسان والتوازن البيئي أن تبذل جل جهدها للتأكد من ذلك حفاظا على سلامتنا وسلامة الأجيال التي تأتي من بعدنا.