الإبداع من المناطق المهمشة

مقالات رأي و تحليلات الاثنين ٢١/أغسطس/٢٠١٧ ٠٤:٠٨ ص
الإبداع من المناطق المهمشة

باميلا كسرواني-

لطالما عُرفت النساء بمهاراتهن اليدوية، من الخياطة إلى التطريز والكروشيه وصولًا إلى صناعة المجوهرات. قد تكون هذه المهارات قد تضاءلت في عصرنا الحديث حينما تبدّلت اهتمامات النساء العاملات وتحديداً في المدن، حيث نجد بعضاً من مصممات الأزياء أو المجوهرات وحيث باتت المرأة العصرية غالباً ما تتبوأ مناصب مختلفة مهملةً الحرف اليدوية؛ حرفٌ ما زالت العديد من النساء المصريات في المناطق المهمشة تُتقنها وتتمتعن بقدرة إبداعية مميزة تجسّد التراث والثقافة المصرية.

وفي محاولة لاستغلال مهارات وإبداعات تلك النساء ومساعدتهنّ على تحسين حياتهنّ، نجد أن العديد من العلامات التجارية المصرية قد لجأت إليهنّ من أجل تسليط الضوء على تاريخ مصر الغني بفضل ابتكاراتهنّ المميزة وفي الوقت ذاته تمكين الحرفيات مادياً من أجل إعالة عائلاتهنّ وتشجيعهن على تمرير مواهبهنّ للأجيال القادمة.

وتخبرنا منى السيد، المديرة الإدارية لمنظمة Fair Trade Egypt «لقد كانت منشأتنا الاجتماعية رائدة في اتخاذ نهج لدعم الحرفيات من النساء حيث كنّا أول من بدأ في البحث عن أصحاب الحرف منذ العام 1998 وتزويدهم بالتدريب اللازم بالإضافة إلى تطوير منتجاتهم من خلال متابعتهم والعمل على تزويدهم بتصميمات جديدة تتيح لمنتجاتهم فرصة المنافسة في الأسواق المحلية والدولية».
وترى السيّد أن التحاق العديد من المصممين المصريين بقافلة مساعدة النساء الحرفيات في المناطق المهمشة خبر سعيد. وتضيف: «نحن سعداء بأن الجميع بدؤوا بالسير على نهجنا ونرى في ذلك خطوة إيجابية في الأزمة الاقتصادية التي تمرّ بها البلاد لأننا في أمسّ الحاجة لدعم منتجاتنا المحلية والنهوض بها كما أن ذلك يساهم في نشر الوعي في المجتمع بمدى جودة المنتجات المحلية التي يقوم الحرفيون بإنتاجها حيث يمكن لأي فرد اقتناؤها واستخدامها خلال حياته اليومية بالإضافة إلى تعزيز قيمة عمل المرأة من خلال تمكين الحرفيات من دخول سوق العمل. تعمل جمعية Egypt Fair Trade إذاً على تمكين الحرفيين من خلال مساعدتهم على تسويق منتجاتهم والعمل معهم جنباً لجنب على تطويرها من أجل جعلها قادرة على المنافسة في الأسواق المحلية والدولية، ما يوفّر لهم مصدر دخل ثابت ويساهم في الحفاظ على الحرف من الاندثار وتشجيع المزيد من الأفراد على مزاولتها. وتشدّد السيد: «تهدف منشأتنا الاجتماعية بشكل أساسي لنشر مفهوم التجارة العادلة ومبادئها بين أوساط المجتمع التي تقوم على مبدأ الشفافية بين الحرفي والمستهلك وتقوم بحماية حقوق العاملين والحرفيين من خلال توفير الفرص للمعدمين من أصحاب الحرف ودفع سعر عادل للحرفيين وتعزيز عدم التمييز والمساواة بين الجنسين وحرية تكوين الجمعيات وإلخ». وتتابع «حالياً، نحن نقوم بالعمل مع 40 مجموعة من الحرفيين في مختلف محافظات مصر من خلال خلق فرص لعرض منتجاتهم محلياً ودولياً ومن خلال التوجه عبر التصدير للأسواق الخارجية». وتشير إلى أن مجموعة الحرف تتراوح من النحاس الأصفر والجلود في القاهرة إلى النساجين في بلدة أخميم القديمة.
قد تكون جمعية Fair Trade Egypt من أوائل الذين عملوا في مجال تمكين الحرفيين في المناطق المهمشة إلا أن المزيد من المصممين المصريين يلجؤون إلى هذه الأيادي المبدعة في تصاميمهم جود بن حليم، مصممة مجوهرات مصرية تخبرنا: «لدينا مكتب مؤلف من سبع موظفات، ثلاثة منهنّ من صعيد مصر. هنّ نساء مصممات أتين إلى المدينة في محاولة لتحقيق الاستقلالية وتأمين دخل لهن دون الحاجة إلى الاعتماد على أسرهنّ. أشجع دوماً الاستقلالية والنساء اللواتي يعتمدن على أنفسهنّ».
أما «جوزي بوتيك» Jozee Boutique التي أسستها جوسلين الخولي وزوجها عز الدين مختار، فتعمل على تصاميم قبلية الأنماط مستوحاة من رحلاتهما في مختلف أنحاء مصر. ويعتمد المؤسّسان على النساء البدويات للعمل على التطريز التقليدي الذي يزيّن الحقائب الجلدية والملابس والأكسسوارات. وفي المقابل، يقدمان للمرأة البدوية حرية الإبداع في الاستفادة من ثقافتها وتراثها في إطار عمل يحقق عائداً ثابتاً.
وتطلعنا أسماء فتوح، مساعدة كبير المصممين أن «الأغا» هي علامة تجارية للأزياء المستوحاة من التراث، تأسست منذ 6 أعوام كجزء من مبادرة مصرية ألمانية تهدف لتدريب المدربين وصغار المصممين خلال العمل على تصميمات ملابس حديثة مستوحاة من التراث يتم تنفيذها في حلقات عمل مع نساء معيلات من مناطق مهمشة ذات طابع وهوية تراثية متميزة بهدف لفت الانتباه لهذه المناطق ودعم حفظ التراث الخاص بها».
وتشرح لنا فتوح طريقة سير العمل قائلة: «تتم مساعدة النساء الحرفيات بفضل توفير عمل بأجور عادلة حيث تقوم النساء بجزء التطريز والإضافات الفنية في المنتجات من بيوتهن ويقمن بتحديد الأجر المناسب للعمل الخاص بهنّ بحساب عدد ساعات العمل ومدى تعقيد التصميم وحجمه. وتعتمد «الأغا» بصفة خاصة على مجموعة من حرفيات التطريز في واحة سيوة الواقعة على حدود مصر مع ليبيا وتتميز هذه المجموعة من النساء بالدقة والحرفية إلى جانب كونهنّ رائدات أعمال بالفطرة. ويتراوح عدد النساء العاملات بهذه المجموعة بين 10 و15 امراه كلهن من النساء المعيلات. وتسعى «الأغا» في المرحلة المقبلة لتوسيع دائرة دعم نساء الواحة .
من جهتها، تسعى المصممة نيفين ألتمان ومؤسسة العلامة التجارية التي تحمل اسمها إلى المزج بين الأصالة المصرية والنزعات العصرية في تصاميمها من حقائب اليد والمحافظات والشالات. وتتعاون ألتمان مع مطرزات من سيوة وسيناء لتصميم منتجات حديثة تعكس أيضاً بعضاً من التراث المصري. كما تشتري العلامة التجارية أقمشتها من البدو في مساعٍ لدعمِ صناعة الغزل والنسيج في المناطق النائية.
ولا تتردد المصممة نورا مسلّم بدعم الحرفيين المصريين بكل الطرق المتاحة. فمن أجل ابتكار مجموعات متميزة من الأكسسوارات وحقائب اليد والوسادات وغيرها من القطع، تشتري الأقمشة المصرية من صعيد مصر وتحديداً من قرى النسيج القديمة ومن الأسواق البدوية في العريش. كما أنها تنظم ورش عمل متخصصة لـ 15 امرأة في بلدة بولاق حيث تستخدم النساء مواهبهنّ ومهاراتهنّ لتصميم الحقائب والمفروشات الناعمة والأكسسوارات الشخصية.
قد تطول لائحة الجمعيات والمؤسسات والمصممون الذين يعملون، كل على طريقته، من أجل تمكين الحرفيين من النساء والرجال في المناطق المصرية المهمّشة>

يبقى الأهم ألا تكون هذه المساعي مجرد «نزعة» آيلة للزوال. أمر تنفيه ألتمان قائلة «هذه ليست «نزعة» بالنسبة لنا. تعتمد علامتنا التجارية على العلاقات التي بنيناها مع النساء اللواتي نعمل معهنّ. نحن لا نحب أن يبدو الأمر وكأنه عمل خيري لأنه ليس كذلك. إننا نعمل مع النساء اللواتي يتقنّ التطريز التقليدي أو نعلمهنّ أنماط جديدة لأنهن يبحئن عن عمل. هذه خطة أعمالنا والجميع يستفيد».
وتقول بن حليم «أنا شخصياً أعتقد أن هذه «النزعة» كانت دائماً موجودة وكانت النساء دائماً تستخدم أيديهن في الحياكة والخياطة ونسج السجاد. لذلك، ليس من المستغرب أن الناس لجأن إليهنّ من أجل العمل المبدع. وكون أن المزيد من الناس يلجؤون إليهنّ هو أمر رائع لأنه يسمح لهنّ بجني الأموال ليصبحن أكثر استقلالاً وقدرة على مساعدة أسرهنّ». نزعة إذاً إيجابية علّها تطول!

متخصصة في الثقافة والمواضيع الاجتماعية