شعبية الدولار

مقالات رأي و تحليلات الأحد ٢٠/أغسطس/٢٠١٧ ٠٤:٤٠ ص
شعبية الدولار

بنجامين جيه. كوهين

طوال ما يقرب من قرن من الزمن، كان الدولار يُعَد الملاذ الآمن المطلق في العالَم المالي. فلم تَعِدنا أي عملة أخرى بنفس الدرجة من الأمان والسيولة للثروة المتراكمة. وفي أوقات المتاعب في الماضي، دأب المستثمرون المتوترون والبنوك المركزية الحصيفة على تكديس الأصول المقومة بالدولار، وخاصة سندات الخزانة الأمريكية. ولكن لم يعد من الممكن أن تظل هذه الحال قائمة.

الواقع أن إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الفوضوية تسببت في تقويض الثقة في الدولار الأمريكي بشدة. فمنذ تنصيبه أمام حشد شبحي من الملايين، ظل ترامب يتحرش بالحكومات الواحدة تلو الأخرى، بما في ذلك حكومات دول حليفة مثل أستراليا وألمانيا. ومؤخرًا، أخذ العالَم إلى حافة حرب نووية بالتناطح مع زعيم كوريا الشمالية كيم جونج أون.

لم يحدث منذ الحرب العالمية الثانية أن تعرضت سلامة الدولار لمثل هذا القدر من الشكوك. ففي فترة ما بعد الحرب، وَعَدَت أسواق المال الأمريكية الناضجة الضخمة إلى حد غير عادي بقدر من السيولة لا مثيل له. ولأن الولايات المتحدة كانت قوة عسكرية مهيمنة، فكان بوسعها أن تضمن الأمن الجيوسياسي أيضا. ولم تكن أي دولة أخرى في وضع أفضل يتيح لها توفير أصول آمنة ومرنة من الدرجة الاستثمارية على النطاق الذي يحتاج إليه النظام المالي العالمي. وكما قالت الخبيرة الاستثمارية الاستراتيجية كاثي جونز من نيويورك في حديث مع نيويورك تايمز في مايو 2012، «عندما يشعر الناس بالقلق، فإن كل الطرق تؤدي إلى سندات الخزانة».

كان انفجار الفقاعة العقارية في العام 2007 من الأمثلة الواضحة على ذلك. إذ كان الجميع يعلمون أن الأزمة المالية، وما أعقبها من ركود، بدأت في الولايات المتحدة، التي كانت المسؤولة عن شبه انهيار الاقتصاد العالمي. مع ذلك، وحتى في أوج الأزمة تدفقت موجة من رؤوس الأموال إلى أسواق الولايات المتحدة، فتمكن مجلس الاحتياطي الفيدرالي ووزارة الخزانة في الولايات المتحدة من تنفيذ استجابتهما للأزمة.

وفي الأشهر الثلاثة الأخيرة من العام 2008، تجاوز صافي مشتريات الأصول الأمريكية 500 بليون دولار ــ أي أكثر بثلاث مرات من مجموع المشتريات في الأشهر التسعة السابقة. وبدلا من الانخفاض المتوقع لقيمة الدولار، ارتفعت قيمته.
وربما يُعزى قدر كبير من ارتفاع الطلب على الدولار قبل عشر سنوات إلى الخوف المحض: فلم يكن أحد يعلم إلى أي مدى قد تسوء الأمور. وبوسعنا أن نقول الشيء نفسه عن المواجهة المتصاعدة اليوم بين الولايات المتحدة وكوريا الشمالية. ولكن هل يكرر التاريخ نفسه، فيدفع بالمستثمرين إلى التهافت على الدولار؟ الجواب المختصر هو: لا تعول على ذلك. كانت الأسواق تشير إلى عدم ثقتها في ترامب لأشهر الآن. وعند هذه النقطة، ربما يؤدي الخوف من اندلاع أزمة جديدة إلى التعجيل بهروب رؤوس الأموال بعيدًا عن الدولار، وهي النقطة التي قد تضطر الولايات المتحدة عندها إلى التعامل مع أزمة الدولار بالإضافة إلى صراع عسكري محتمل.
بدت مخاطر اندلاع أزمة الدولار ضئيلة في الأسابيع التي تلت مباشرة فوز ترامب الانتخابي المفاجئ في نوفمبر الفائت. ولكن بحلول نهاية العام الفائت، دفعت تدفقات رأس المال إلى الداخل قيمة الدولار إلى الارتفاع إلى مستويات غير مشهودة منذ عقد من الزمن، بسبب توقعات إلغاء القيود التنظيمية على نطاق واسع، وتخفيض الضرائب، والتحفيز المالي في هيئة إنفاق على البنية الأساسية، وزيادة الإنفاق على المؤسسة العسكرية الأمريكية التي يفترض أنها أصبحت «منهكة». وتصور المستثمرون أن النمو الاقتصادي من المحتم أن يتحسن.
إن شعبية الدولار كمخزن للقيمة تمنح الولايات المتحدة «امتيازا باهظا». فعندما يضع المستثمرون والبنوك المركزية ثرواتهم في سندات الخزانة وغيرها من الأصول الأمريكية، تستطيع حكومة الولايات المتحدة الاستمرار في الإنفاق بقدر ما تحتاج للحفاظ على التزاماتها الأمنية العديدة في مختلف أنحاء العالَم، وتمويل العجز التجاري وعجز الموازنة.
في ظل نهج الصفقات الذي يتبناه في التعامل مع السياسة، يبدو أن ترامب يركز على تكاليف امتلاك عملة احتياطية عالمية أكثر من تركيزه على المزايا المترتبة على ذلك. لكنه لا يستطيع أن يأمل في «جعل أمريكا عظيمة مرة أخرى» إذا كان عليه أن يقلق بشأن فرار رأس المال، ولن يتمكن من تفعيل أجندته المحلية إذا اضطر إلى استيعاب مشاعر السوق السلبية في الخارج.
لن تكون أمريكا التي ضحت بمكانتها المهيمنة في النظام السياسي العالمي «عظيمة». وإذا أصر ترامب على المبالغة في اختبار الدولار، فربما يندم على ذلك.

أستاذ الاقتصاد السياسي الدولي في
جامعة كاليفورنيا في سانتا باربرا