في انتظار ثورة الإنشاءات

مقالات رأي و تحليلات الأربعاء ١٦/أغسطس/٢٠١٧ ٠٤:٢١ ص
في انتظار ثورة الإنشاءات

جان مِشكا

على مدار عشرين عامًا، لم يتجاوز معدل نمو الإنتاجية السنوي في صناعة الإنشاءات العالمية واحد بالمئة. والآن ينبغي للصناعة أن تدخل القرن الحادي والعشرين، حتى تستطيع تلبية الطلب المتزايد على بنايات جديدة، ومعالجة أوجه النقص المتنامي في مجالي الإسكان والبنية الأساسية على مستوى العالم.

على عكس قطاعات أخرى كالزراعة والتصنيع، التي طورت شكل أداء إنتاجيتها عبر السنين، كانت وتيرة التغيير في صناعة الإنشاءات فاترة ومتباطئة. فقد حقق قطاع التصنيع الأمريكي نموا حقيقيا تراكميا في الإنتاجية.

ورغم اعتراف صناعة الإنشاءات بنقاط ضعفها منذ زمن بعيد، فهي لا تزال في احتياج إلى الإرادة اللازمة لمعالجة هذا الضعف. لكن نظرًا للنقص الملح في مجالات الإسكان والبنية الأساسية حول العالم، لم يعد الأمر محتملا. قد يكون الاتجاه للتوسع الحضري والتحول إلى المدنية في كثير من الاقتصادات المتقدمة آخذا في الاستقرار، لكنه سيتواصل في الاقتصادات الناشئة، إذ ستحتاج أكبر عشرين مدينة في العالم، التي تقع 75 % منها في آسيا، إلى 36 مليون وحدة سكنية بحلول العام 2025، بحسب التقديرات. فضلا عن ذلك، في العام 2014، بلغ عدد الأسر الحضرية التي تعيش في مساكن دون المستوى، أو التي تعاني ماليا بسبب تكاليف السكن نحو 330 مليون أسرة. ومن المقدر أن يرتفع هذا الرقم إلى 440 مليونًا بحلول العام 2025.
يمثل الطلب المتزايد على البنايات فرصة ضخمة لإعادة تشكيل قطاع الإنشاءات وخلق القيمة من خلال العمل المشترك المنسق. فوفقا لأبحاث أعدها معهد ماكينزي العالمي، تستطيع الصناعة تعزيز إنتاجية عمالتها بنسبة تصل إلى 60 % إذا أُجريت تغييرات في سبع مجالات رئيسة هي: القواعد التنظيمية، وعمليات التصميم، والعقود، وإدارة التوريد وسلاسل الإمدادات، والتنفيذ في الموقع، والتشغيل الآلي المتقدم والتقنيات والمواد الجديدة، والمهارات.
وزيادة الإنتاجية بمقدار 60 % من شأنها أن توجد ناتجًا سنويًا إضافيًا مقداره 1,6 تريليون دولا ر وهو ما يعادل تقريبًا قيمة اقتصاد كندا.
في أغلب الأحوال، لا تكون إدارة أي مشروع إنشائي أمرًا بسيطًا، إذ يتطلب النجاح في مثل هذه المشروعات التنسيق الجيد فضلا عن نظام تشغيل شامل متكامل للمشروع، حتى يتسنى لكل المشاركين في المشروع فهم أدوارهم والاتفاق على مؤشرات الأداء الرئيسة. في الوقت ذاته، تستطيع أجزاء الصناعة ذات العناصر المتكررة ــ لا سيما الإسكان الميسر واسع النطاق ــ أن تقضي على كثير من الأسباب الجذرية لانخفاض الإنتاجية بالانتقال إلى نظام الإنتاج الضخم على غرار التصنيع. وسيستتبع هذا مزيدا من التوحيد القياسي والنمذجة، والمساكن السابقة التجهيز.
في ظل نظام كهذا، ستُشيد معظم البنايات فعليا في المصانع. وبدلا من تزاحم وتنافس أرباب المهن والقطاعات الفرعية المختلفة على أماكن في مواقع الإنشاء، سيتم تنفيذ جل العمل خارج مواقع الإنشاء في بيئة محكومة.
والآن تنفذ شركات لتشييد البنايات السكنية هذا النهج بالفعل. على سبيل المثال، صار الآن بوسع شركة إسبانية تعمل في تشييد منازل ذات تصميم موحد من أربعة طوابق للأسر المتعددة أن تبني عددًا من الوحدات أكبر بنحو خمس إلى عشر مرات من تلك التي كانت تبنيها بالأساليب التقليدية، رغم أنها توظف نفس العدد من القوى العاملة. بالمثل، تعرض شركة كندية لبناء المنازل عددًا ثابتًا من التصميمات القابلة للتكرار مع إتاحة خيارات عدة للتعديل حسب طلب الزبون، وتدرج تكاليف ومواصفات كل نموذج على موقعها الإلكتروني بوضوح.
لكن إذا كانت لدى صناعة الإنشاءات فرصة الآن لإعادة تشكيل نفسها بعد عقود من النمو الفاتر في الإنتاجية، فلابد من إعادة تنظيم الحوافز الاقتصادية. بالنسبة للمقاولين والمتعهدين مثلا، هناك رابط واضح بين الإنتاجية والربحية، لكنه ليس قويا كما ينبغي. وإذا لم يغير أصحاب الأملاك توقعاتهم، فقد يخسر كثير من المقاولين عوائد حال الانتقال إلى نظام أكثر فعالية وأوسع نطاقا ويضم عددا أقل من العمالة الزائدة عن الحاجة.
وأخيرا أدرك كثير من قادة الصناعة الحاجة إلى التغيير، وأعربوا عن استعدادهم لذلك، إدراكا منهم لحقيقة مفادها أنهم إن لم يستعدوا للاختلال القادم الذي سيعم الصناعة بإعادة النظر في عملياتهم، فقد يفوتهم اللحاق بركب ما قد يتبين أنه قصة الإنتاجية العظيمة التالية على مستوى العالَم.

زميل رفيع المستوى في معهد ماكينزي العالمي

جان مِشكا