«نعضّ عليها بالنواجذ»

مقالات رأي و تحليلات الخميس ١٠/أغسطس/٢٠١٧ ٠٤:٣٠ ص
«نعضّ عليها بالنواجذ»

جمال زويد

يٌحسب لصاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة رئيس الوزراء البحريني أنه من الرعاة الأوائل لتأسيس مجلس التعاون الخليجي في الخامس والعشرين من شهر مايو 1981م، ليس ذلك فحسب وإنما هو ممن عاصر أيضاً مراحل استقلال دولها وانطلاق نهضتها وشاهد عيان على تطوّر العلاقات والوشائج بين قادة هذه الدول وشعوبها بصورة أكسبت هذه المنطقة – منطقة الخليج العربي – تميزاً وانفراداً في نوعية الترابط والتواصل والأقارب والأرحام والتداخل بينها لا تخطئه أي عين فاحصة وأمينة لعموم التاريخ الحديث. وكان إنشاء مجلس التعاون لدول الخليج العربية هو مجرّد تحصيل حاصل لعلاقات قائمة وموجودة أصلاً جاء الكيان المؤسسي فقط لتأطيرها وفق مواثيق وقوانين ولوائح استدعتها حالة تطور التحالفات في النظام السياسي العالمي ومقتضياتها. وظلّت هذه المنظومة الخليجية قائمة ومتماسكة طيلة ما يقارب الأربعة عقود من الزمان في صورة أثارت إعجاب وتقدير – وربما حَسَد – الكثير من دول العالم في هذا العصر الذي لا يُعترف فيه إلاّ بالكيانات والتجمعات القويّة. زاد من تقدير واحترام الآخرين لمنظومة مجلس التعاون الخليجي أن المنطقة العربية وعموم الشرق الأوسط شهدت قيام مؤسسات وتحالفات واتحادات مماثلة لكن لم يُكتب لها البقاء والصمود فيما استمرّت هذه المنظومة الخليجية في شموخها وعزّتها كل هذه العقود.

ولذلك؛ اكتسبت المقابلة التي نشرتها خلال هذا الأسبوع جريدة السياسة الكويتية مع صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة رئيس الوزراء البحريني اهتماماً كبيراً يليق مع الحكمة التي يتصف بها عادة الكبار أمثاله وتتناسب مع مكانته ضمن القادة والمؤسسين والرعاة لهذه المسيرة الخليجية والمعاصرين لجميع المحطات والمفاصل التي مرّت بها.

وتناقل الكثيرون في مختلف دول الخليج ما ورد في تلك المقابلة في إعلامهم ووسائل تواصلهم بكل الحبّ والتقدير، ليس لصراحتها وشفافيتها فحسب، وإنما أيضاً لأنها حمِلتْ رسائل تطمينية – ربما كانت شحيحة - في ظل الخلاف الحالي من قائد محبّ ومخلص وحريص، من رجل يعرف الكل منزلته في جميع المستويات الخليجية، الشعبية قبل الرسمية. ولعلّ من أهم تلك الرسائل المفرحة التي ذكرها سمو رئيس الوزراء البحريني هو أن منظومة مجلس التعاون ستبقى وستستمر، وعلينا أن نحافظ عليها و»نعضّ عليها بالنواجذ» وابتهل سموّه إلى الله أن «يزيل الغمّة ليعود الوئام بين الأشقاء».
وهذا البُعد الذي أفرحنا وبشّر عموم الخليجيين بمستقبل مجلس التعاون بعد أن طالت سحابة الصيف التي غطّته وأفزعتهم حول نهاية هذا المجلس وتفككه؛ إنما يعبّر – هذا البُعْد - عن رؤية حاضرة نحسب أن كل القادة الخليجيين ومعهم شعوبهم يتصفون بها ويرمون لتحقيقها وندعو المولى عزّ وجل ألاّ يأتي عيد الأضحى المبارك إلاّ وقد زالت هذه الغمّة والتئم الصف الخليجي.
حريّ بنا أن نستذكر في ظل الوضع الراهن أن دولنا الخليجية بحكمة وإدارة قادتها وثبات أبنائها قد تجاوزت ما هو أصعب منها من محن وأحداث كانت محطات فاصلة، وأزمات فارقة، غاية في قسوتها وشدّة ظروفها ،لكنه تم اجتيازها والمرور منها إلى برّ أمان وسلام واستقرار لم يكن من المتصوّر تجاوزها وبقاء وحدتنا وتلاحمنا إبّان حدوثها لولا أن هذا هو ما حصل في واقع الأمر.
أزمات سياسية وعسكرية واقتصادية كثيرة، ليس من باب الحصر؛ لكن نشبت في ضفاف هذه المنطقة الأثيرة حرب طاحنة في العام 1980 بين العراق وإيران واستمرّت ثمان سنوات، حتى العام 1988م. حصدت مئات الآلاف من الضحايا ونشرت خراباً وهلعاً وخوفاً، لا يمكن نسيان دوي مدافعها وقنابلها وهدير طائراتها وصواريخها. ثم أعقبها في العام 1990 الغزو العراقي الغاشم لدولة الكويت الشقيقة الذي أظهر حجم تكاتف وتلاحم قادة وشعوب الخليج مع بعضها في صورة ملحميّة عبّر عنها أحسن تعبير الملك الراحل فهد بن عبدالعزيز رحمه الله وتغمده بواسع رحمته وأسكنه فسيح جناته في قولته الشهيرة «يا نروح مع بعض أو نبقى مع بعض» في موقف سعودي وخليجي صارم لاستعادة الكويت وتحريرها لا يقلّ في حزمه عن الموقف التاريخي للملك الراحل عبدالله بن عبدالعزيز رحمه الله وتغمده بواسع رحمته وأسكنه فسيح جناته ومعه بقية القادة الخليجيين بدخول قوات درع الجزيرة في البحرين في العام 2011.

من يستطيع أن يقنعنا أن ما يمرّ به خليجنا العربي الآن أسوأ من تلك الأزمات والحروب التي استطعنا بفضل الله تعالى ثم ببصيرة القادة وحسن تدبيرهم ورؤيتهم للمستقبل وبتكاتف الشعوب؛ تخطّيها لا لشيء سوى أن الجميع كان يعضّ بالنواجذ على وحدتنا الخليجية وتماسكها وعدم التفريط بها، مثلما عبّر عن ذلك رئيس وزراء البحرين صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة.

كاتب بحريني