«الإسلاموفوبيا» كيف تنامت في الغرب؟

مقالات رأي و تحليلات الخميس ١٠/أغسطس/٢٠١٧ ٠٤:٣٠ ص
«الإسلاموفوبيا» كيف تنامت في الغرب؟

علي ناجي الرعوي

سؤال قفز إلى ذهني بقوة وأنا استمع لمداخلة ناشط أمريكي في مجال حقوق الإنسان من على إحدى الفضائيات العالمية كان محور الحديث فيها يدور حول (علاقة الغرب بالآخر) وعلى وجه الخصوص الآخر الإسلامي إذ بدأ ذلك الناشط مداخلته من نافذة تخصصه فتطرق الى العوامل والأسباب التي جعلت من منسوب الحرية والعدالة وحقوق الإنسان منخفضا جدًا في العالم العربي والإسلامي معيدًا ذلك إلى الثقافة المتجذرة داخل المجتمعات العربية والإسلامية والتي قال إنها من تضفي على سلطة الحاكم نوعًا من القداسة الأمر الذي أسهم في شرعنة الاستبداد والتسلط في تلك المجتمعات، ودفع بالكثير من التيارات الدينية إلى تسييس الدين وأدينة السياسة وهي الثنائية التي خرجت من عباءتها التنظيمات والجماعات المتطرفة التي احترفت العنف وتكفير الآخر واستباحة دمه مستلهمة ذلك الفكر المتطرف والمتشدد من قاعدة الجهاد التي تعتبرها إحدى قواعد الدين الإسلامي وعند هذه النقطة تحديدًا وجدت أن اهتمام الرجل ينصب على مهاجمة الإسلام والمسلمين وليس على ما يؤدي إلى إعادة تجسير العلاقة بين المجتمعات الغربية ونظيراتها في الضفة الأخرى.

صحيح انها ليست المرة الأولى ولن تكون الأخيرة التي نجد فيها من يميل قاصدًا أو عن جهل إلى تلك الفكرة المجنونة والمريبة التي يقترن فيها الدين بالتطرف أو بالإرهاب فمثل هذه الأصوات أصبحت كثيرة في الغرب نتيجة الدور الذي باتت تلعبه الآلة الإعلامية الغربية والتي يعمد العديد منها إلى تصوير المسلمين بشكل عام كمجموعة من الإرهابيين الذين يؤمنون بعقيدة تحثهم على العنف لكن ما بدا لافتا في مداخلة ذلك الناشط الأمريكي هو الاعتقاد غير العقلاني الذي يقابل تطرف بعض العناصر والجماعات التي ينظر إليها على أنها دينية بتطرف مضاد لا يقل في بشاعته ودوافعه عن تطرف تلك الجماعات بل أنني كدت أصعق وأنا أستمع لذلك الناشط الأمريكي وهو يتوغل في قصة تفجيرات نيويورك في الحادي عشر من سبتمبر 2001 ويتتبع جذورها والأشخاص الذين قاموا باقترافها من أجل أن يقول: إن أمريكا أصبحت بعد ذلك اليوم أقل أمنا وأنها من ستبقى كذلك لعقود قادمة طالما استمر المسلم الأمريكي يحافظ على أن تظل لحيته متدلية على ذقنه وعمامته مكورة فوق رأسه ليظهر كنسخة من ابن لادن أو الظواهري وطالما بقيت أمريكا مفتوحة أمام هؤلاء تطارد خيوط الدخان بينما هناك من يتحين اللحظة التي يفجر فيها نفسه في إحدى الساحات المليئة بالبشر من ذوي العيون الزرقاء والبشرة البيضاء.

وأمام هذا الخطاب سيبقى الغرب يتساءل لأعوام طويلة عن سبب التطرف الديني وعندما يعجز عن إجابة مقنعة سيوجه الاتهام إلينا عموما دون إدراك أو وعي من أنه إذا ما كان العالم الإسلامي متهما بسبب تشدد بعض أبنائه وقراءتهم المتشددة للتفسيرات الدينية ولذلك فإن أمريكا متهمة بأفعالها اللاأخلاقية في العديد من البلدان العربية والإسلامية فهي ومنذ انهيار الاتحاد السوفيتي وسقوط الجدار الفاصل بين الشرق والغرب اتجهت إلى اعتبار المتطرفين العدو البديل وهو النهج الذي سرعان ما وجد قابلية لدى بعض المفكرين الاستراتيجيين كفوكاياما وهانتجتون وغيرهما من الكتاب والمفكرين الذين خرجوا ليحذروا من خطر الحضارة الإسلامية الناشزة التي قد يصعب تطويعها ولاسيما إذا ما اتفقت أو تقاربت مع الحضارة الكونفوشيوسية (الصينية) وشيئا فشيئا أخذت تلك التحذيرات تحتل الصدارة في الصحافة الغربية التي اتجهت هي الأخرى إلى تضخيم الخطر الأخضر الديني على العالم الغربي بعد سقوط الخطر الأحمر الروسي وهو ما جرى توظيفه من قبل الإدارات المتعاقبة على البيت الأبيض لأهداف ترتبط بالهيمنة الأمريكية على منطقة الشرق الأوسط فكانت حرب الخليج الأولى بين العراق وإيران والتي استمرت ثماني سنوات كاملة ثم حرب الخليج الثانية والتي دفعت فيها واشنطن صدام حسين إلى اجتياح الكويت مما أتاح لها غزو العراق والسيطرة على المنطقة لتأتي أحداث 11 سبتمبر 2001 لتمنح الولايات المتحدة الغطاء للهيمنة على مقدرات المنطقة بأكملها وسيذكر التاريخ بأنه ومن ذلك اليوم كانت بداية النهاية لعصر مشرق من التسامح في أمريكا والغرب عموما.. إذ لم تعد أمريكا التي كانت متقدمة على بقية مناطق العالم في تطبيق قيم التسامح قولًا وفعلًا تحمل تلك السمة فقد صعد تيار اليمين المتطرف الذي انحرف ببوصلتها لتتخلى عن مسؤولياتها في الدفاع عن مبادئ الليبرالية الوسطية لتتحول من أرض للتسامح والانفتاح الحضاري إلى أرض يتجاذبها الانغلاق ورفض الآخر لتغدو تلك القلعة المزدهرة والواثقة من نفسها بعد 16 عاما من تفجيرات نيويورك أشبه بقلعة مرتبكة ومأزومة وتخاف من المسلمين الذين كانوا حلفاء لها في مواجهة الايديولوجية الاشتراكية وحربها مع السوفييت في أفغانستان.

لن نتهم أمريكا ونبرئ أنفسنا فنحن أيضا مخطئون لكننا في العالم العربي والإسلامي جلدنا انفسنا بما يكفي فلا شيء صار يجمع فرقاء الشرق الأوسط سوى التوحد في مكافحة الإرهاب فهذا الأخير جعل من أضعف الدول في المنطقة وأكثرها فقرا ترصد الميزانيات لتطوير قدراتها الأمنية في مواجهة من تتهمهم من أبنائها بالتطرف والتشدد الديني مع ذلك فهي من لا زالت تلاحقها تهمة الإرهاب وأنها من أطلقت هذا المارد من قمقمه رغم معرفة الجميع أن الفاعل الحقيقي هو الظلم الذي تعاني منه شعوب هذه المنطقة فكما دمر العراق دمرت سوريا واليمن وليبيا والصومال وغيرها من البلدان لتظهر منطقة الشرق الأوسط الآن تتخبط في صراعات وحروب وأزمات مستمرة تحت سمع وبصر الولايات والمتحدة وكذا الدول الكبرى في الغرب التي تقابل كل ذلك بعدم الاكتراث الى درجة صار هناك من لم يستبعد أن تكون هذه اللعبة مؤامرة غربية على العالم العربي والإسلامي.

ليس غريبا إذن والواقع هكذا أن تتصاعد الإسلاموفوبيا والسياسات العنصرية في الغرب ضد المسلمين والتي رأينا بعض مشاهدها ماثلة في تلك الإجراءات التي اتخذت حيال الهاربين من جحيم الحرب في سوريا وكذا قرارات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بمنع رعايا بعض الدول الإسلامية من دخول الولايات المتحدة لكن الغريب حقا هو أن تصبح تلك الإسلاموفوبيا حالة من حالات الخوف المصطنع الذي يدعم التطرف ويعمم التعصب وتأييد العنف على غرار الحرب الكونية على الإرهاب والتي وبدلا من أن تقود إلى اجتثاث الإرهاب عملت على تعميمه وانتشاره وتوسيع رقعته بما جعل من تلك الحرب حربا بلا نهاية وبلا أفق وبلا نتائج واضحة.

كاتب يمني