ضبط الإنفاق والتخطيط المالي السليم يجنبان المستهلك الوقوع في الأزمات

مؤشر الأربعاء ٠٩/أغسطس/٢٠١٧ ٠٤:٣٠ ص
ضبط الإنفاق والتخطيط المالي السليم يجنبان المستهلك الوقوع في الأزمات

مسقط -
يُعدّ التعامل ماليًا مع المناسبات من أهم الأمور التي تشغل بال كثير من المستهلكين، خصوصًا عند تعاقب هذه المناسبات وتصادفها في أشهر معيّنة وقريبة من بعضها البعض، مما يوقع البعض منهم في أزمات يحتاجون فيها إلى تخطيط سليم للخروج منها، بينما يلجأ البعض منهم إلى الاقتراض فيزداد الأمر سوءًا لديهم.

وهو ما يوضح أهمية التخطيط السليم مسبقًا للتعامل مع الأزمات المالية والمناسبات طوال العام.
يقول مساعد مدير دائرة الإعلام بالهيئة العامة لحماية المستهلك بدر بن ناصر الجابري: «إن الاستهلاك حاجة ضرورية للتزود بكل ما يحتاجه الإنسان من مأكل ومشرب وملبس ومستلزمات أخرى قد يكون لا غنى عنها في الحياة، يبقى أن يضع الإنسان في الحسبان التخطيط المالي الجيّد وإحكام صرف الميزانية وفق المتطلبات الضرورية الأساسية ومن ثم الكماليات والترفيه وغيرها من الأمور المعيشية. ومن أجل عمل ميزانية فعالة ومحكمة حتى نتجنب التسوّق السلبي، علينا أن نســـأل أنفســنا كمستهلكين ما هي الأمور الضـــرورية التي يجب شراؤها من أجل أن تلبي احتياجاتنا كأفراد أو كأسرة؟ كما أنه علينا تحديد الحاجات الضرورية التي لا غنى عنها ولها الأولوية وبين الأمور الثانوية التي يمكن ترحيلها أو الاستغناء عنها».

السلوكيات السلبية

ويضيف الجابري: «هناك مجموعة من السلوكيات السلبية المنتشرة في المجتمع كإدمان الشراء والصرف الباذخ والإنفاق غير الموجه إذ سادت العقلية الاستهلاكية على عقلية الترشيد والتوازن بين الدخل والمتطلبات، ولعل أبرز العوامل المؤثرة سلبًا على ميزانية الفرد أو الأسرة النزعة الاستهلاكية الخاطئة، والشراء العشوائي بالتقسيط، والاستدانة غير المنظمة وضعف الوعي الاستهلاكي. وإذا ما تطرّقنا إلى أهم المواسم التي تكون القوة الشرائية فيها كبيرة في مجتمعنا فهي معروفة كموسم (المدارس، شهر رمضان، الأعياد)، وهنا علينا أن نكون أكثر وعيًا في ضبط الإنفاق والتخطيط المالي السليم حتى نستطيع تجنب أي ضائقة مالية، خاصة أن هذه المواسم متتالية وتشكل تحديًا كبيرًا في مسألة ضبط الميزانية».
أما عن المطلوب من أجل الخروج من أي ضائقة محتملة فيقول: «عدم شراء كميات كبيرة وأخذ الأغراض والمستلزمات وفق الاحتياج فقط، مع أهمية التنبه إلى الشراء قبل هذه المواسم بفترة مناسبة، ومحاولة البحث وإيجاد بدائل للسلع مرتفعة الثمن والعزوف عن شرائها لفترة أو الشراء من متاجر أخرى. وبشكل عام علينا أن نمارس عمليات التسوّق بوعي وحرص، كما أن الترشيد في الاستهلاك ينبغي أن يكون في نفس الخط المتوازن، فمثلًا في عمليات طبخ الطعام في البيت من الجيّد معرفتنا أن تكون المقادير بقدر الاحتياج تجنبًا لرمي الطعام الزائد، وهذا ما يجب أن نمارسه في المناسبات الاجتماعية كولائم الأعراس والعزائم العامة بحيث تكون الطلبية تكفي للمدعوين دون الحاجة إلى المبالغة أضعافًا مضاعفة، كما علينا أن نستشعر المسؤولية تجاه استهلاكنا للطاقة بأنواعها والكهرباء والماء بقدر حاجتنا إليها دون إسراف، أيضًا عدم التفكير النمطي بحيث الاعتياد المستمر على «ماركات» تجارية معيّنة دون غيرها مهما ارتفع سعرها مقارنة ببدائلها المماثلة، والتخلّص من عادة الموضة وسرعة تبديل الملابس، والهواتف، وحتى السيارات بحسب تجدد الموديل، ضرورة إدراك عدم اعتبار كثير من الكماليات على أنها من الضــروريات ومقاومة التأثر النفسي بالدعاية والإعلان التي تدعو إلى التسوّق السلبي، وأخيرًا الابتعاد عن تقليد الآخرين عند عملية الشراء فلكل مستهلك ظروف خاصة».

إعادة ترتيب الأولويات

بدوره، يقول أستاذ الاقتصاد المساعد ومدير مركز البحوث الإنسانية في جامعة السلطان قابوس د.ناصر بن راشد المعولي: «على المستهلكين إعادة النظر في نمطهم الاستهلاكي الحالي، سواء كان ذلك على مستوى استهلاكهم الشخصي أو استهلاكهم العائلي، خصوصًا في ظل الأوضاع الاقتصادية الحالية».
وأوضح المعولي أنه «يجب عليهم كذلك أن يوازنوا بين استهلاكهم وادخارهم بحيث يكونان في خطين متوازيين لا يطغى أحدهما على الآخر»، مؤكداً أن «الاستهلاك هو ثقافة تختلف من شخص لآخر، ومن وقت لآخر، فما هو ضروري اليوم قد يصبح غير ضروري في المستقبل والعكس صحيح، خصوصًا لدى الشباب».
ويؤكد المعولي ضرورة أن يقوم المســتهلك بإعادة ترتيب أولويــات الصرف لــديــه، وإعطاء الأولويــة للأشياء الضــرورية كالمسكن والغذاء والملبس، أما الكماليات فتؤجل، كما أن الفرد عليه إيجاد طرق أخرى للاستهلاك، كإيجاد موردين آخرين، والنظر في بدائل فيما يتصل بالمتعلقات الشخصية.

ما يناسبني أنا لا الآخرين

وتتحدّث المستهلكة سليمة بنت سالم العامرية قائلةً: «يبدأ التخطيط من منطلقات عدة أهمها: مدى قرب المناسبة، وما هي الأمور المطلوبة، وما هي الأمور المتوفرة، وما هي الأمور المتاحة، ثم تحديد الأولويات والبحث عن الخيارات المناسبة وتحديد الأسعار، ووضع قائمة بذلك، وبعدها تُقسّم الموارد المالية على هذا التخطيط».
وتضيف: «فِي حال نقصان المبالغ يعتمد على الخطة المرسومة مسبقًا وعليه يتم التقديم والتأخير في الاحتياجات بحسب المتوفر وغير المتوفر، وهذا يعتمد على الشخص وما هو الشيء المهم بالنسبة له، فأنا شخصيًا أقدّم الملابس على المكياج والاكسسوارات وغيرها من الكماليات؛ لأن بعض الأمور يمكن حلها والتجاوز عنها في حال توفر البديل البسيط والمتاح بدون تكاليف إضافية».
وتوضح العامرية: «شخصيًا لا ألجأ إلى الاقتراض من أجل شراء هذه الحاجيات وذلك من منطلق أن حضور هذه المناسبات يعتمد على أمور عدة أولاً، وثانياً أن بعض المناسبات لن تستغرق أكثر من 3 ساعات، وعليه لن أكلّف نفسي فوق طاقتها، بالإضافة إلى ذلك فإن السوق مفتوح والخيارات متوفرة ومتاحة، وحتما سأجد ما يتناسب مع قدرتي المالية، كما يمكن استخدام شبكة المعارف واستعارة ما يمكن استعارته بالشكل الذي يرضي ظهوري بدون تكاليف معقدة».

ارتفاع الدخل

ويوضح المستهلك عامر بن عبدالله المحرزي أن الطفرة الاقتصــادية التي تعيشها المنطقة ككل، والسلطنة أيضًا، وفي ظل توافر احتياطيات كبيرة من النفط، وتدفق الاستثمارات من كل حــدبٍ وصــوب، أدت إلى ارتفاع معــدّلات الدخل للفرد أضعافًا مضاعفة، حتى أضحى المواطن الخليجي بشكل عام يُصنّف ضمن الأعلى دخلًا في العالم.
ويضيف: «كنتيجة حتمية لتلك الزيادات في المداخيل، رافق ذلك ارتفاع في معدلات الإنفاق والاستهلاك فأصبح الفرد يُنفق ليس في ضروريات الحياة كالمأكل والمشرب والسكن، بل تعدّاه للإنفاق فيما كان يُرى بأنه كماليات ورفاهية كالدفع الشهري لخدمات الإنترنت، والسفر، وتوفير وسائل الرفاهية سواءً للفرد أو للأسرة ككل والذي يراه البعض ضرورة من ضروريات الحياة لا ككماليات، وذلك التغيّر في المفاهيم لم يصاحبه تغيّر حقيقي في عقليات المستهلكين، فالمُستهلِكون صاروا من حيث لا يدرون مُستهلَكين ماديًا ومعنويًا، فغاب التخطيط السليم الذي هو أساس كل نجاح، وصار «يخبط خبط عشواء»، تائهًا بين ضروريات حياته وكمالياتها، ويظهر ذلك بوضوح في المناسبات خصوصًا».
ويرى المحرزي أن المرء عليه أن يخطط جيدًا كيف يقتني حاجياته في المناسبات، ففي الغالب تكون المناسبات، سواءً الشخصية منها كالأعراس وحفلات الميلاد، أو العامة كالأعياد الدينية وغيرها، مجدولة بشكل يسهُل فيه على المرء معرفة أوقاتها، وعليه فإنه يستطيع أن يشتري ما يحتاجه قبل المناسبة بمدة كي يتسنى له تحديد ما يحتاجه بشكل ضروري وبين الثانوي من الحاجيات، وكذلك توفير المبالغ اللازمة من مدخوله بشكل ملائم بحيث لا يضغط على ميزانيته ككل، ناهيك عن أن ذلك يتيح له الاختيار فيما هو معروض بشكل كافٍ.
وبالرغم من ذلك التخطيط، قد تجري الرياح بما لا تشتهي السفن، ففي هذه الحالة ينبغي على المُستهلِك أن يُقدّم ما هو ضروري وأساسي عمّا سواه، وألا يلجأ للاقتراض مُسايرةً لما يفرضه عليه المجتمع، ومَن فعل ذلك فلن يكون إلا ضحيةً لنفسه فقط، فما يحتاجه غيرك قد لا تحتاجه أنت، وما هو ضرورة عندك قد يكون مجرّد كماليات عند غيرك.
ويختم المحرزي قائلًا: «إن الاستهلاك ثقافة، وعلى المرء أن يعي ذلك، وفي ضوء معرفته تلك ينبغي أن يعرف ما يُنفق وما يدّخر، بيد أن تلك المعرفة قد لا تعصم المرء عن الوقوع فيما لا يبتغيه الواحد منا كتراكم الديون، وتزايد متطلبات الحياة وغيرها، بل إن المعرفة بذلك يجب أن يصحبها تطبيق عملي كي يحمي المرء نفسه».

خيارات متعددة

يشاركنا المستهلك صالح بن سعيد السيفي، رأيه قائلًا إنه يضع لنفسه خيارات متعددة للصنف الذي يريد شراءه، إذ يبحث عن أماكن البيع في المجمّعات أو المحلات ويسجّل الأسعار مع ملاحظة الجودة، والاهتمام بنوعية المنتج وجودته، ويضيف السيفي أنه يتنازل أحيانًا عن بعض الميزات ما دامت الأمور شكلية، موضحًا أنه اعتاد على اقتطاع جزء من دخله شهريًا ولا يلجأ له إلا عند الضرورة القصوى.
ويؤكد صالح أنه لا يلجأ للاقتراض، فلو نقص لديه مبلغ سيحاول التفاهم مع البائع لتسديده على دفعات.
وينصح السيفي المستهلكين باقتطاع جزء من دخلهم شهريًا، وعدم الاستهانة بهذا المبلغ وإن قل، كما ينصحهم بعدم الاستعجال في الشراء فأحيانًا تكون الرغبة عابرة نتيجة تقليد أو وسوسة داخلية لا أكثر ومع مرور الزمن سيحس الشخص أنه لا حاجة له بذلك وأن الخير في عدم شرائه، بالإضافة إلى سؤال أهل الخبرة، وعلى المستهلك عند الشراء أن يحدد الهدف، ويتذكر هل هو مضطر إلى الشراء فعلًا؟ قبل حسم القرار.

جميعنا في قارب واحد

ويقول الصحفي الزميل علي بن راشد المطاعني إن التعاطي مع الأزمات المالية التي تلم بالأمم والشعوب ليست معنية بها فقط الحكومات إزاء ضبط الإنفاق وتقليل الاستهلاك الجاري وغيره من ترتيب الأولويات، وإنما يتعلق كذلك بالفرد، إذ عليه ألا يقف متفرجًا على الأوضاع الدائرة حوله، مندهشًا حينًا ومتبرمًا تارة أخرى، وغير عابئ إجمالًا بانعكاسات كل ذلك عليه وعلى مجتمعه الصغير (الأسرة) وعلى مجتمعه الكبير إذ هو وبالمنطق عضو فاعل فيه.
والتعاطي السلبي في مطلق الأحوال غير مرحّب به والمتمثل في المتابعة السطحية على شاشات التلفزة، وعبر مواقع التواصل الاجتماعي، ومن خلال التغريد الذي لا يمس صلب القضية، بل يتمحور غالبًا حول كيل اللوم للحكومات كأقصى جهد يمكن بذله.
المطلوب من المواطن في هذه الظروف الاستثنائية أن يكون فاعلًا وإيجابيًا وعمليًا عبر خطوات تتسق مع ما ذهبت إليه الحكومة باعتبارنا جميعًا في قارب واحد وسط الأمواج العاتيات، وذلك عبر طرح برنامج لأولويات الاستهلاك الأسري وترتيب وإعادة هيكلة كشوفات الاحتياجات الفعلية إضافة للحد من استنزاف الخدمات التي كلّفت الدولة مبالغ طائلة، كل ذلك في إطار تأكيد ذلك المعنى النبيل والقائل بأن المواطن هو جزء لا يتجزأ من الأزمة، ولن يكون أبدًا غير ذلك.
بذلك فإن المواطن يسهم مع الدولة في توفير الحياة الكريمة له ولأسرته، عبر إيقاف نهم الإنفاق رغم صعوبة حدوث ذلك بغتة، فللضرورة أحكام، ولتكن ضربة البداية من خلال الحد قدر الممكن والمستطاع من استنزاف الخدمات مثل المياه والكهرباء والاتصالات وغيرها من المناحي الضرورية التي يكون الحد من الإنفاق فيها قاسيًا وهذا أمر نتفهمه تمامًا.
ولا يخفى علينا جميعًا تنامي السلوكيات الاستهلاكية المتجهة كليًا نحو دوائر الترف في المناسبات كالأعياد والأفراح والأتراح إذ الإسراف فيها متفق عليه بأنه قد فاق حدود التصوّر وبغض النظر عن واقع الأزمات الاقتصادية التي تعصف بالمنطقة.
إن مسؤوليات الأسر في التعاطي مع الأزمات المالية يمتد تلقائيًا لربات البيوت اللاتي عليهن مسؤوليات كبيرة في توجيه شراء السلع والبضائع وبالكميات التي تفي الحاجة الفعلية للأسرة، ونبذ تلك العادات المتمثلة في رمي فضلات الطعام في مكبات النفايات. وبالطبع فإن الكل يدرك أن الأزمة المالية في أي دولة من دول العالم لها جوانب إيجابية مثلما لها انعكاسات سلبية، ولعل من أهم مكاسب الأزمات هو بلورة اتجاهات إيجابية في التكيّف مع الأزمات والإسهام في الحد من تفاقم تأثيراتها.