ثروة إفريقيا الشبابية

مقالات رأي و تحليلات الأربعاء ٢٦/يوليو/٢٠١٧ ٠٤:٥٥ ص
ثروة إفريقيا الشبابية

كيم كير

عندما خرج طلاب جامعات جنوب إفريقيا إلى الشوارع العام 2016 كجزء من الحركة الاحتجاجية «تسقط الرسوم»، كان «تحرير المناهج من التبعية والاستعمار» من بين الاهتمامات الرئيسة للحركة. مثلت هذه البادرة حركة محورية في تاريخ جنوب إفريقيا، عندما نهض الشباب للمطالبة بتعليم جيد متاح للجميع. لكن غاب عن هذا الجدال حول الرسوم وملاءمة المناهج سؤال مهم وهو: كيف يمكن أن يسهم تغيير نظام التعليم العالي في تمكين شباب إفريقيا من قيادة التحول الاقتصادي في القارة؟

بالنسبة لإفريقيا، لم يعد السؤال الآن عن «إمكانية» تعليم الطلاب، لكن عن «ما» يتعلمونه. مما يؤسف له أنه رغم التحسن الكبير في إتاحة التعليم للطلاب في العقود الأخيرة، لم تتغير المناهج الدراسية إلا قليلا منذ الحقبة الاستعمارية، عندما كان التعليم الثانوي امتيازا نخبويا مخصصا للارتقاء بالمستقبل المهني لقلة مصطفاه. كما عانت برامج التعليم والتدريب الفني والمهني من الإهمال. واليوم يغلب على هذه المبادرات المناهج البالية وأساليب التعليم المعتمدة على الاستظهار والتي لا تستطيع إعداد الشباب لمتطلبات سوق العمل في القرن الحادي والعشرين.

لكن حجم المشكلة يتعدى المكونات التقليدية للمناهج مثل الرياضيات، والعلوم، واللغة، إذ إن هناك أيضا نقصا في المهارات «الناعمة» المهمة، مثل التواصل، والعمل الجماعي، وحل المشاكل. وهذه المهارات، رغم إهمالها، هي التي تمكن الشباب من أن يكونوا متعلمين دائمين قادرين على التكيف مع كل الظروف. ويوجد ترابط وثيق بين إتقان المهارات الناعمة وتحسن النتائج في المدرسة، والعمل، والحياة. لكن حتى وقت قريب لم يكن التدريب على المهارات الناعمة مدمجا في أنظمة التعليم الرسمية في القارة.
لحسن الحظ أن هذا الوضع يتغير الآن، فنجد أن أنظمة التعليم والتدريب الفني والمهني عبر القارة تغير نفسها لتزويد عقول إفريقيا الشابة بالمهارات التي يحتاجونها لتحقيق التحول من الدراسة إلى الوظيفة، ولكي يصبحوا مواطنين أكثر انخراطا وتأثيرا في شؤون بلادهم.
تأتي هذه التعديلات في توقيت حساس ومهم لإفريقيا، إذ يغلب على دول كثيرة ظاهرة وجود عائد ديموغرافي من معدلات الخصوبة المتراجعة والإنتاجية المتزايدة. وتعني هذه التغيرات على الأخص فرصة أكبر للشباب الذين يستعدون لدخول سوق العمل. لكن ينبغي للشباب أن يمتلكوا ما يتطلبه أي نظام اقتصادي حديث من مهارات وتعليم، إن أرادوا النجاح في عملهم.
قمنا في مؤسسة ماستر كارد، حيث أعمل مديرة لبرامج التعليم والتعلم، بوضع برنامج عمل -يسمى المهارات المتطلَّبة- لمساعدة التربويين الأفارقة في إنعاش وتجديد مناهجهم للاستفادة بشكل أكثر فعالية من المقومات الاقتصادية المتمثلة في الشباب.
ويعد مشروع أكازي كانوزي لتوفير أسباب العيش للشباب، وهي مبادرة تمولها الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية وضعها مركز تطوير التعليم في بوسطن، من أنجح الجهود الجارية حاليا على هذا الصعيد، إذ يبلور مشروع أكازي كانوزي مدى قدرة مبادرة صغيرة على تحفيز عملية إصلاح أوسع لقطاع التعليم من خلال توثيق الروابط مع أرباب الأعمال المحليين للمساعدة في إتاحة وظائف للمبتدئين وفرص تدريب في المجالات المهنية والحرفية. وقد أسهم التركيز على جوانب التطوير الذاتي، والتواصل مع الآخرين، والتدريب على القيادة في ضمان إعداد الطلاب جيدا لدخول سوق العمل عند التخرج.
وبالفعل تحركت وزارة التربية والتعليم في رواندا لدمج عناصر البرنامج في مناهج التعليم والتدريب الفني والمهني في أنحاء البلاد. كما قامت الحكومة بدمج منهج أكازي كانوزي في المناهج القومية لتزويد طلاب التعليم والتدريب الفني والمهني في مرحلة التعليم الثانوي بالمهارات الناعمة التي يحتاجونها لتحقيق النجاح. كذلك ستعكس الامتحانات القومية في العام الدراسي 2018-2019 المنهج الجديد القائم على الكفاءات.
منذ العام 2009 وحتى الآن، أسهمت دورات التدريب المقامة ضمن مشروع أكازي كانوزي في إعداد ما يزيد عن 37 ألف شاب للعمل، كما تمكن أكثر من 65 % من المشاركين في الجولة الأولى من التدريب من الالتحاق بوظائف بعد ستة أشهر فقط من التخرج. وبناء على نجاح أسلوب دمج المهارات الناعمة في المناهج الدراسية في رواندا، تعتزم مؤسسة ماستر كارد ومركز تطوير التعليم إطلاق برنامج مماثل في السنغال في وقت لاحق من هذا العام.
تبرز دراسات الحالة المتعلقة ببرنامج عمل المهارات المتطلَّبة ستة مكونات أساسية لنجاح أي مبادرة للتدريب على المهارات. تشمل هذه المكونات: بيئة سياسات تمكينية، تقدم فيها الحكومة الدعم وتضع الأهداف الواضحة لإصلاح قطاع التعليم، والتأييد المعلن والواضح من قِبَل الشخصيات السياسية القوية لهذه التغييرات، والمشاركة الواسعة من قبل الأطراف المعنية، خاصة في مراحل تخطيط وتنفيذ الإصلاح، وتفكيك مركزية السلطات بالنسبة للتعليم، والمرونة من جانب المانحين، والقدرة على قياس تأثير التغييرات على توظيف الشباب وريادتهم في مجال الأعمال.
لن يكون هناك تغيير دون تحديات، ولا شك أن عملية تكييف نماذج التدريب المهاري لمواءمة الأنظمة التعليمية المتباينة بشكل هائل في إفريقيا ستستغرق وقتا. كما سيكون من الصعب ضمان وصول نماذج التدريب المكثف لكل الشباب، بما في ذلك هؤلاء الذين انقطعت صلتهم بالمدارس. وتظهر التجربة الرواندية أن إعادة تخطيط وصياغة المناهج تتطلب تعاونا وثيقا مع السلطات المعنية بالتعليم وتنمية القوى العاملة، إضافة إلى المسؤولين الحكوميين، والمعلمين، والقائمين على الإدارة في المدارس. كما يتطلب المحتوى الجديد للمناهج تطوير مواد جديدة للتعليم والتعلم.
كذلك يتطلب تحقيق النطاق المستهدف تبني نهج مختلف تماما في تدريب المعلمين عن المعمول به حاليا في معظم النظم الدراسية في إفريقيا، إذ يجب أن تتجاوز الدورات التدريبية الأساليب التقليدية القائمة على تدريبات المرة الواحدة غير المتواصلة بتقديم الدعم المستمر للمعلمين. كما تتطلب أساليب التربية الجديدة الإشراف والممارسة المستمرة، خاصة في البدايات، فلن يجدي النموذج «التسلسلي» الذي كان متبعا قديما لتدريب المعلمين.
بوسع الحكومات الأفريقية، مدعومة من المجتمع الدولي، أن تساعد في عملية تحول الطلاب من المدرسة إلى العمل بالاعتماد على منهج يعلي من شأن المهارات الناعمة. لو نُفذ هذا بشكل جيد، ستضمن هذه التغييرات تأهيل الشباب لقيادة إفريقيا نحو الرخاء مستقبلا. يستحق الأفارقة نظاما تعليميا يستشرف المستقبل، بدلا من ذلك النظام الذي ما زال جذوره غائرة في أعماق الماضي. ولن يرضى شباب القارة بأقل من ذلك، وما فعله طلاب جنوب إفريقيا العام الماضي لهو خير دليل على هذا.

نائبة مدير برنامج التعليم والتعلم

بمؤسسة ماستر كارد