أفريقيا الشعبية والإمبراطورية الصينية

مقالات رأي و تحليلات الثلاثاء ٢٥/يوليو/٢٠١٧ ٠٤:٥٠ ص
أفريقيا الشعبية والإمبراطورية الصينية

هانا رايدر

قبل بضعة أشهر، غطى سؤال عريض غلاف مجلة نيويورك تايمز: «هل أصبحت الصين قوة استعمارية جديدة في العالم؟» إن فكرة كون الصين مستعمرة القرن الحادي والعشرين ليست جديدة: فقد ظل المعلقون يناقشون الأمر لمدة عشر سنوات. لكن هذا الادعاء ليس منطقيا، بل هو مهين لكل من جرب أو حتى درس الاستعمار.

فالاستعمار الذي وصفه جوزيف كونراد في كتاب «قلب الظلام»، وولتر رودني في «كيف عملت أوروبا على إضعاف أفريقيا»، و»الأفارقة» لفرانز فانون، و»الأقنعة البيضاء» كان ماكرا وقويا. نعم، كانت هناك علاقات تجارية واستثمارية قوية بين المستعمر والبلدان المستعمَرة، ولكن كانت هناك دائما هيمنة صريحة، كما هو واضح في وسائل الاستعمار مثل حظر التجول، والقيود المفروضة على التحرك على أساس لون البشرة.

وفي البلدان التي شهدت مثل هذا الاستعمار -بما في ذلك بلدي الأم، كينيا- خلف الاستعمار آثارا ما زالت قائمة إلى اليوم. لذلك عندما ندعي أن الصين قوة استعمارية فذلك يعني التقليل من الفظائع الحقيقية التي واجهتها بسبب الدول المستعمِرة، وواجهها أقاربي الذين احتجزتهم السلطات الاستعمارية البريطانية.
وبغض النظر عن عملية المقارنة، فإن هذا النهج في التعاطي مع الصين ليس مفيدا، إذ إن التسليم أن الصين «بلد مستعمر» أو «مستفيد» لا يساعدنا على فهم الطبيعة الحقيقية لعلاقة هذا البلد مع القارة الأفريقية، ناهيك عن علاقتها مع مناطق أخرى مثل منطقة البحر الكاريبي. ونظرا لديناميكيات القوى غير المتوازنة، فإن استيعاب هذه العلاقة أمر بالغ الأهمية.
لقد عملت مؤخرا مع شركة بوتيك للاستشارات الصينية أفريكا أداديفيسيال لاستكشاف كيف تعمل الجهات الصينية الفاعلة في بعض البلدان الأفريقية الرئيسية، معتمدا المقارنة بين البلدين. والنتيجة هي أن هناك ثلاث ملاحظات بارزة.
أولا، وجدنا أن الشركات الصينية المملوكة من طرف الدولة والخاصة، والإدارات الحكومية، والمنظمات غير الحكومية تفضل القيام بأعمال تجارية في البلدان الأفريقية التي أضفت الطابع الرسمي على علاقاتها مع الصين. هذه ليست الطريقة التي يعمل بها الاستعمار عادة، بالنسبة لأولئك الذين ما زالوا يصرون على هذه المقارنة.
وكثيرا ما يعبر عن هذا من خلال مذكرات تفاهم، والتي تشكل «بوابة» للجهات الفاعلة الصينية. فعلى سبيل المثال، جلبت كينيا، التي وقعت ما لا يقل عن 17 مذكرة من هذا النوع مع الجهات الحكومية الصينية، عددا كبيرا من الشركات الصينية والمنظمات غير الحكومية للقيام بأنشطة مثل إدارة المناطق الاقتصادية الخاصة وقيادة مشاريع البنية الأساسية والمشاريع الزراعية الكبيرة. وبالمقارنة، فكون تنزانيا وموزمبيق لم توقع سوى أقل من عشر اتفاقيات من هذا القبيل، جلب هذان البلدان نشاطا صينيا أقل.
ثانيا، إن الجهات الصينية الفاعلة لا تقصي البلدان التي لديها حكومات تدافع عن مصالح مواطنيها، وهذا ما يناقض ما تقوم به البلدان المستعمِرة. فعلى سبيل المثال، فإن الشركات الصينية ليست فقط على استعداد للانخراط في البنية الأساسية وغيرها للبلدان الأفريقية التي لديها قوانين عمل محلية قوية، بل إنها تعمل أيضا على توظيف المزيد من العمال المحليين، مقارنة بالقوى العاملة الصينية. وقد أظهر البحث الذي أجراه ماكنزي مؤخرا حول أكثر من 1000 شركة صينية في ثمانية بلدان أفريقية أن ما يقرب من 90 في المئة من موظفيها من السكان المحليين.
ويمكن أن يكون لذلك أثر قوي على البلد المضيف. فإيجاد فرص عمل ناتجة عن مشاريع البناء والاستثمار في الصناعات التحويلية أمر بالغ الأهمية، لاسيما في بلدان مثل جنوب أفريقيا وناميبيا وسانت لوسيا، إذ يبحث أكثر من 40 % من الشباب عن عمل. ثم إن التحول نحو توظيف المزيد من اليد العاملة المحلية شيء مهم بشكل خاص، ففي العام 2015، بلغت نسبة العمال الصينيين المهاجرين في القارة الأفريقية 40 %. ثالثا، كشف البحث الذي قمت به عن التعقيد الحقيقي الذي يرافق قرار الصين بالاستثمار في أفريقيا. فمثل أي مستثمر آخر، تركز الجهات الصينية الفاعلة في أفريقيا على تحقيق أقصى قدر من العائدات وهذا يعني السعي إلى تحقيق اقتصادات سريعة النمو. وكما بينت التقارير الأخيرة لجامعة جون هوبكنز، فإن الاستثمارات الصينية في تنزانيا وغانا وكينيا تنمو بمعدلات سنوية تتجاوز 6 %.
ولكن، على عكس العديد من المستثمرين الآخرين، أبانت الجهات الصينية الفاعلة على استعدادها للقيام بمجازفات اقتصادية وسياسية. ولنتأمل نموذج جنوب أفريقيا التي لديها «شراكة إستراتيجية شاملة» مع الصين. فمنذ العام 2003 على الأقل، صنفت جنوب أفريقيا بشكل منتظم من بين البلدان الخمسة الأولى التي تتلقى استثمارات خارجية مباشرة من الصين، مع استمرار مؤشر التنمية الصناعية الصيني في الارتفاع، حتى مع تراجع النمو الاقتصادي في جنوب أفريقيا.
وبالإضافة، فقد أصبحت أنغولا وجمهورية الكونغو الديمقراطية وزيمبابوي، ذات بيئة سياسية صعبة، والتي تتبوأ أسفل مؤشرات القدرة التنافسية العالمية، وجهات رئيسية ليس فقط لقروض، وإنما أيضا لاستثمارات صينية كبيرة غير مالية على طول العقد الفائت.
وكون الصين ليست بلدا مستعمِرا، فإن الحكومات الأفريقية وغير الأفريقية تتحمل مسؤولية جعل علاقاتها مع الصين تتقاطع مع مصالحها وأهدافها الإنمائية. ونظرا للبصمة العالمية المتنامية للصين، لم يعد من المناسب اتباع نهج عشوائي.
وسأقترح أربع خطوات حاسمة أولا، يجب على كل حكومة أن تعد «خطة الصين» بتفصيل، محددة بوضوح ما يريده المواطنون من الشراكات الصينية. ويمكن لهذه الخطط أيضا أن تدعم -على سبيل المثال- دراسات لاستكشاف علاقات الصين مع البلدان المجاورة أو غيرها من البلدان النامية. ثانيا، يجب على كل بلد أن يبحث عن الجهات الصينية الفاعلة التي قد تساعده على تنفيذ خطة الصين. ويمكن لمنظمات مثل مجلس الأعمال الصيني الأفريقي وغيره أن يساعد في تيسير عمليات البحث والاجتماعات التمهيدية. ثالثا، ينبغي للبلدان أن تتفاوض بشأن مذكرات التفاهم والعقود، وينبغي للبلدان الأفريقية أن تدرك أن لديها بالفعل القدرة للمفاوضة مع الصين، وبصفة أكثر من العديد من البلدان النامية الأخرى. وأخيرا، على الحكومات أن تستعين بمساعدة الكيانات المحلية، مثل المنظمات غير الحكومية، في رصد واستعراض نتائج أنشطة الصين، مثل تلك المتعلقة بمعايير العمل أو بالأداء البيئي. وما زال هناك ما يقارب 389 مليون أفريقي يعيشون تحت عتبة الفقر أي أكثر من نصف مجموع فقراء العالم. يمكن أن تساعد مشاركة الصين في أفريقيا في تقليص هذا العدد، شريطة أن تعمل الدول الأفريقية على إدارة علاقاتها مع الصين بشكل استراتيجي وضامن لمصالحها الخاصة، وبالتالي إيجاد ترتيبات متبادلة مفيدة للطرفين مع العملاق الآسيوي. ورغم أن الصين ليست بلدا مستعمِرا، فإنه من الخطأ أن نفترض أن بصمة الصين المتنامية عالميا دون مخاطر.

الرئيسة السابقة للسياسات والشراكات

لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي في الصين