المساعدات الأمريكية

مقالات رأي و تحليلات الثلاثاء ٢٥/يوليو/٢٠١٧ ٠٤:٥٠ ص

بيتر سنجر

عندما يُسأل الأمريكيون عن النسبة المئوية من إنفاق حكومة الولايات المتحدة التي تذهب للمساعدات الخارجية، تأتي الإجابة المتوسطة 25 %. غير أن النسبة الصحيحة هي 1 %. لا عجب إذن أن يصدق العديد من الناس الرئيس دونالد ترامب عندما يبرر خفض المساعدات على أساس أن الدول الأخرى يتعين عليها أن تضاعف جهودها لأنها لا تدفع حصتها العادلة.

الحقيقة هي أن الولايات المتحدة هي التي لا تدفع حصتها العادلة. فقبل فترة طويلة، دعت الأمم المتحدة الدول الغنية إلى زيادة مساعداتها الخارجية إلى 0.7 % من إجمالي دخلها الوطني (الذي يختلف بالطبع تمام الاختلاف عن إجمالي الإنفاق الحكومي). وفي العام 2016، وفقا لأرقام منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، حققت ذلك المستوى كل من الإمارات العربية المتحدة، والنرويج، ولوكسمبورج، والسويد، والدنمارك، وتركيا، والمملكة المتحدة، وألمانيا. وفي المقابل، لم تتجاوز المساعدات الأمريكية الرسمية 0.18 % من إجمالي الدخل الوطني، أو ما يعادل 18 سنتا لكل 100 دولار مكتسبة.

بالأرقام المطلقة، ما زالت الولايات المتحدة تنفق أكثر من أي من الدول التي حققت الهدف على المساعدات الخارجية. لكن ألمانيا، برغم أن حجم اقتصادها أقل من ربع حجم اقتصاد الولايات المتحدة، كانت متخلفة بأقل من 9 بلايين دولار. وإذا جرى تنفيذ تخفيضات ترامب المقترحة -في حين حافظت ألمانيا على مستوى إنفاقها عل المساعدات- فلن تظل الولايات المتحدة المانح الأكبر، حتى بالأرقام المطلقة.
والمقارنة مهمة أيضا مع المملكة المتحدة، التي من الواضح أنها ليست على نفس القدر من الثراء مثل الولايات المتحدة -نصيب الفرد في ناتجها المحلي الإجمالي أقل بنحو 31 %. ومع ذلك، قبل بضع سنوات، حققت المملكة المتحدة بدعم من الحزبين الرئيسيين المستوى الموصى به 0.7 %- أكثر من ثلاثة أضعاف النسبة من إجمالي الدخل الوطني التي تنفقها الولايات المتحدة. ومنذ ذلك الحين حافظت على ذلك المستوى.
وليست كل المساعدات الأمريكية موجهة إلى أولئك الأكثر احتياجا. فالدول الثلاث التي تتلقى الحصص الأكبر في مساعدات التنمية الأمريكية هي أفغانستان، والأردن، وباكستان. ومن الواضح أن هذه الاختيارات تستند إلى ما تعتبره الولايات المتحدة مصالح جيوسياسية، وليس مدى شدة احتياج الدول إلى المساعدات الإنمائية.
الواقع أن أولئك الذين يدركون ماذا يعني خفض المساعدات الأمريكية لبعض من أفقر الناس في العالَم يشعرون بالانزعاج الشديد إزاء هذا الاحتمال. كان أليكس ثاير، الذي أدار برامج مساعدات حكومية أمريكية قيمتها بلايين عدة من الدولارات قبل أن يصبح المدير التنفيذي لمعهد التنمية وراء البحار في لندن، في زيارة إلى عيادة صحية في بيوكوي في أوغندا، عندما بلغته الأنباء عن ميزانية ترامب المقترحة، والتي تعني تخفيضات عميقة لمثل هذه المرافق.
الواقع أن عيادة بيوكوي، التي تعالج 33 ألف شخص، تتدبر أمورها بالاستعانة بميزانية شهرية لا تتجاوز 150 دولارا أمريكيا. وفي يوم زيارة ثاير، استقبلت العيادة أربعين حالة إصابة مؤكدة بالملاريا، وتظل الملاريا القاتل الرئيسي في المنطقة، رغم حقيقة مفادها أن علاجها ممكن بنحو ثلاثة دولارات.
إن التناقض الصارخ بين تكلفة علاج المرض ومنع الوفاة في أوغندا والولايات المتحدة يجعل من تخفيضات ترامب المقترحة للإنفاق على المساعدات -وخاصة على البرامج الصحية العالمية- دليل على تجاهل عميق لحياة ورفاهة البشر خارج حدود الولايات المتحدة. وعندما ينظر المرء في النسبة المنخفضة من إجمالي الدخل التي تخصصها الولايات المتحدة للمساعدات الخارجية، يُصبِح قرار ترامب أكثر إثارة للخزي والخجل.
يُقال لنا في بعض الأحيان إننا لا ينبغي لنا أن نعطي المساعدات لأنها توجد نوعا من الاتكالية. ولكن من الواضح أن تخفيضات ترامب المقترحة للمساعدات من شأنها أن تتسبب في وفاة أعداد كبيرة من البشر، وأن تدفع أعدادا أكبر إلى مواجهة قدر أكبر من المعاناة بسبب ما كان في الإمكان منعه من مرض وعجز من خلال تحسين الرعاية الصحية.
لاستخدام حجة إيجاد الاتكالية لتبرير خفض المساعدات، نحتاج إلى أدلة دامغة، وليس فقط على أن بعض برامج المساعدات أوجدت نوعا من الاتكالية، بل إن برامج محددة في مجال الصحة العالمية التي تأثرت سلبا بالتخفيضات توجد الاتكالية حقا. وفي غياب مثل هذه الأدلة، فإن هذه الفرضية غير المثبتة ليست سببا كافيا لترك الناس يموتون أو زيادة معاناة بعض الناس.
وتصلح أوغندا مثالا لدولة تتلقى قدرا كبيرا من المساعدات، وفي الوقت نفسه تحقق تقدما اقتصاديا سريعا، على عكس الفرضية القائلة إن المساعدات توجد الاتكالية. فقد انخفض عدد الأوغنديين الذين يعيشون في فقر مدقع، وفقا لتقارير البنك الدولي، من 53 % في العام 2006 إلى 34 % في العام 2013. والواقع أن العديد من الدول الأفريقية تتقاسم العبء على نحو متزايد، من خلال تجميع قدر أكبر من عائداتها وإنفاقه على بنود مثل الصحة والتعليم. كما تحظى هذه الجهود الرامية إلى زيادة الموارد بدعم المانحين، بما في ذلك الولايات المتحدة. ولكن بموجب ميزانية ترامب المقترحة، تزول حصة الولايات المتحدة في هذا الدعم.
ستوفر التخفيضات الأمريكية المقترحة لبرامج الصحة العالمية للحكومة نحو 2.3 بليون دولار. وإذا ما علمنا أن إجمالي الإنفاق الحكومي الفيدرالي المقدر للعام 2017 يبلغ نحو 4 تريليونات دولار، فإن هذا يعادل نحو دولار واحد في مقابل كل 2000 دولار من المحتمل أن تنفقها حكومة الولايات المتحدة. وعلى اعتبار الجانب الخاص بفعل الخير، فإن برامج الصحة العالمية هذه ربما تقدم أفضل قيمة بين أي برامج للحكومة الفيدرالية. وكل تخفيضات المساعدات، لبرامج الصحة العالمية وغيرها من البرامج، فضلا عن الجهود الدبلوماسية وعمليات حفظ السلام، تعادل 19 بليون دولار، أي أقل من 0.5 % من إنفاق الحكومة الفيدرالية.
هناك من الدلائل ما يشير إلى أن بعض الجمهوريين في الكونجرس الأمريكي يعتزمون مقاومة التخفيضات العميقة التي يقترحها ترامب لبرامج المساعدات الأمريكية. ونأمل أن يفعلوا هذا حقا. ذلك أن المساعدات الخارجية -وخاصة المساعدات التي تنقذ الأرواح وتخفف من معاناة البشر- لا يجب أن تكون قضية حزبية أبدا.

أستاذ أخلاق الطب الحيوي في
جامعة برينستون الأمريكية