إعادة الحقيقة في العراق

مقالات رأي و تحليلات الاثنين ٢٤/يوليو/٢٠١٧ ٠٥:٠٠ ص
إعادة الحقيقة في العراق

مات سميث

بعدما كان رائداً في البحوث والدراسات والعلوم، يحاول العراق اليوم، إعادة النظر بقدراته وإمكاناته العلمية. سوف نرى مجموعة من الشباب الذين يتطلعون إلى استعادة مسيرة النهضة العلمية في العراق.

التقى مجموعة من الشباب العراقي الراديكالي في أحد مقاهي بغداد للمرة الأولى عام 2011 للنقاش حول كيفية تنفيذ خطتهم على أرض الواقع. معتقدات أولئك الشباب كانت كثيرا ما تُعتبر بغيضة بالنسبة للمجتمع العراقي التقليدي، ومع ذلك، اتفق 15 من الأصدقاء على نشر فكرتهم بين الأقلية المُستنيرة في البلاد.

ربما يكون عملهم شاقاً وخطراً، ولن يحصلوا على الأموال مقابل ذلك، ولكنهم سوف يحققون بعض الإنجازات الملحوظة في غضون السنوات الست المقبلة، فمعا، أصبح لديهم أكثر من 270,000 شخص يسعون إلى تحقيق الهدف ذاته: المعرفة والفهم العلمي.
كان عمر مريواني، صاحب الـ28 عاما، حاضرا في تلك الليلة شديدة الحرارة من صيف العام 2011، إذ أطلق هو وأصدقاؤه الجُدُد منصة «العلوم الحقيقية»، وهي قاعدة بيانات مجانية لنشر المقالات العلمية عبر شبكة الإنترنت. الآن، هناك قرابة 1,800 مقال على الموقع الإلكتروني للمجموعة، من بينهم 400 مقال تمثل الكتابات الأصلية للأعضاء، بينما بقية المقالات تمثل الكتابات الشهيرة التي يترجمها الأعضاء إلى العربية من اللغتين الإنجليزية والفرنسية.
يقول سعيد مريواني، الذي يعمل مهندس برمجيات بدوام كامل: «يُطلق علينا العلوم الحقيقية، لأننا ضد العلوم الزائفة».
تهتم المجموعة بتغطية المواضيع مثل الفيزياء، وعلم النفس، والأحياء، والطب، والطب النفسي، وعلوم اللغات.
يدير مريواني صفحة العلوم الحقيقية على فيسبوك، وكذلك الموقع الإلكتروني، وهو كذلك المشرف على بوابة المنظمة الشقيقة، المشروع العراقي للترجمة (ITP). تأسس المشروع العراقي للترجمة (ITP) في العام 2013، وهو مشابه لمشروع العلوم الحقيقية من حيث التأثير، ولكنه يغطي نطاقاً أوسع من المواضيع غير العلمية عبر ترجمة المقالات من اللغات الأخرى بدلًا من تأليفها. يضُم الموقع أكثر من 5,000 من المقالات المُترجمة إلى اللغة العربية.
يقول مريواني: «كانت بداية منصة العلوم الحقيقية عبر ترجمة المقالات فقط، ثم بدأنا باستعراض المواضيع الجديدة على مجتمعاتنا مثل الإيمان بالعين الشريرة، والسحر، أو ادعاء البعض بمعالجة الأمراض فقط عن طريق اللمس أو قراءة القرآن».

سعياً لمحاربة الجهل

يعمل الفريقان على محاربة الجهل المعتمد على الشعوذة والسحر المتنامي بين العراقيين. يبيع المئات من ممارسي السحر الجرعات والتمائم لعلاج المشكلات الصحية، والمالية، والعاطفية، وكذلك إلقاء اللعنات على الأعداء وفق تقرير صادر عن صحيفة العربي الجديد في العام 2015. هناك كذلك عدد لا يُحصى من القنوات العربية التي تُصدِّر مثل هذا الهراء.
تتنامى الخرافات بينما تنهار البنية التعليمية في العراق منذ قرابة 30 عاما بسبب الحروب، والعقوبات، والاحتلال، والصراعات الداخلية.
في الماضي، كان النظام التعليمي في العراق الأفضل في الشرق الأوسط، لكن بحلول العام 2005 نُهِبَّت 84 % من المؤسسات التعليمية في البلاد، أو أُحرِقَّت، أو دُمِرَّت وفق تقارير الأمم المتحدة. وأوضح تقرير صدر عام 2010 عن منظمة اليونسكو أنه من بين كل 5 عراقيين، هناك أُمّي واحد، بينما في المناطق الريفية، تُجيد أقل من نصف النساء القراءة. و27.5 % فقط من العراقيين أكملوا المرحلة الثانوية، التي تنتهي عند سن 14 عاما.
يقول جلجامش نبيل، وهو متطوع في المشروع العراقي للترجمة ويبلغ من العمر 28 عامًا: «يميل البعض إلى تصديق الخرافات بدلًا من النظريات العلمية». إن تحدثنا عن الخلق ونظرية التطور، يميل البعض إلى رفض كافة الدلائل التي تدعم نظرية التطور والإيمان بالخلق دون تقديم أدلة ملموسة».
انضم نبيل المولود في بغداد إلى المجموعة في العام 2014، بعدما قرأ الأعضاء مقالاته حول حضارة بلاد ما بين النهرين. في البداية، أُطلق على المشروع «أنا عراقي.. أنا أقرأ»، وهو اقتباس ذكي عن مقولة ديكارت «أنا أفكر... إذن أنا موجود»، والمقولة العربية القديمة التي نصها: «مصر تكتب ولبنان تطبع والعراق تقرأ».
بدأ الأمر كحملة لحث العراقيين على القراءة، قبل أن تتطور الفكرة لتصبح المشروع العراقي للترجمة (ITP).
يقول نبيل: «نعتقد أن المحتوى العربي عبر شبكة الإنترنت غير كافٍ». هناك العديد من المواضيع التي لا يتم التعرُض إليها، حتى في المناهج التعليمية بالمدارس والجامعات. نرغب في عرض وجهات النظر الأخرى على هذا الجزء من العالم، مثل التطور، وغيرها من الأمور التي لا يُمكن مناقشتها بعلانية وبحرية».
الآن مع 133,000 من المتابعين وقرابة 80 من المتطوعين، نتج عن المشروع العراقي للترجمة (ITP) ترجمة 50 من الأفلام الوثائقية، وكذلك إصدار مجلة إلكترونية مجانية. يعد المشروع بمثابة مهنة للعديد من الأعضاء، إذ يخصص البعض بين 3 إلى 4 ساعات يوميا لترجمة المقالات ومتابعة الحسابات المختلفة عبر منصات التواصل الاجتماعي وكذلك الموقع الإلكتروني. كذلك يعتمد المشروع على سخاء الأعضاء لسداد مقابل استضافة الموقع الإلكتروني.

الانفتاح على الأفكار الجديدة

رغم ردود الفعل المعادية في كثير من الأحيان، يعتقد أعضاء المجموعتين أن عملهم يساعد في انفتاح عقول القُرَّاء على الأفكار الجديدة، بصرف النظر عن كون تلك الأفكار تتعلق بالمعتقدات الراسخة.
يقول نبيل، خريج كلية الطب الذي يعمل الآن كصحفي ومترجم في إسطنبول: «كان أحد الأعضاء يجادلني حول العلمانية على صفحتي الشخصية «بلاد ما بين النهرين Mesopotamia وكان دومًا يعارض منشوراتي وأفكاري. ولكن تغير رأيه بعد ذلك، وانضم إلى فريقنا وبدأ في نشر المواضيع حول العلمانية وهو الآن يحارب مع الجيش ضد داعش».
هناك أكثر من 40 عضوا في فريق العلوم الحقيقية من مصر، وسوريا، والمغرب. غالبياتهم يكتبون المقالات، والنصف الآخر يعمل على ترجمتها، والبعض يقوم بالأمرين معا. مريواني من بين الأعضاء الأكثر إنتاجية، إذ له قرابة 160 مقالا. هو أيضا رئيس التحرير المشرف على التدقيق اللغوي وتدقيق الحقائق، ويخصص من وقته بين ساعة إلى ساعتين يوميا للمجموعة.
هناك تقريبا 150,000 من متابعي المجموعة على فيسبوك، لذا تعد شبكات التواصل الاجتماعية الوسيلة الأكثر فعالية لنشر المقالات. يُنشر للمجموعة كذلك مجلة إلكترونية ونشرة إخبارية دورية، وكذلك منشورات على تويتر.
يقول مريواني: «محرك البحث جوجل من القنوات الأكثر أهمية، فهناك العديد من المقالات باللغة العربية تظهر في نتائج البحث الأولى في جوجل».
يستخدم بعض الكُتَّاب اسما مستعارا خوفا من الانتقام والثأر منهم، رغم أن الغالبية يستخدمون أسماءهم الحقيقية.
ورغم الاغتيال المُمَنهج للأكاديميين العراقيين، إذ قتل قرابة 300 منهم بين عامي 2003 و2007 كما جاء بتقرير صحيفة «يو إس إيه توداي» الأمريكية، يقول مريواني: «نتلقى تهديدات حقيقية من الكثيرين عندما نقوم بكتابة هذه المقالات، فهم يتهموننا بالإلحاد، ويهددوننا بشتى الطرق المباشرة وغير المباشرة، أولئك العلمانيون الذين يكتبون هذه المقالات لا يمثلون تهديدا حقيقيا للقوى المتطرفة في الشرق الأوسط، فهم يواجهون صراعاتهم الخاصة، نحن لا نمثل الخطر الأكبر بالنسبة إليهم، وليس عليهم القلق إزاءنا».
يأمل فريقا العلوم الحقيقية والمشروع العراقي للترجمة في توسعة أنشطتهما عبر الأعضاء المشتركين والتقدير المتبادل للأعمال التي يقوم بها كلٌ منهما، رغم مشاعر العدائية التي تكنّها المؤسسات التعليمية العراقية لهذه الأنشطة.
يضيف مريواني، الذي كتب حوالي 20 من المقالات غير العلمية لصالح المشروع العراقي للترجمة (ITP): «كان الأمر بمثابة الحلم عندما وجدت أشخاصاً يشاركونني الاهتمامات نفسها». نحن قريبون للغاية من بعضنا البعض، لأننا أصدقاء، ونلتقي باستمرار عندما نكون في بغداد».