الاستقرار المهني والإنتاجية يتحققان بعدالة الأجور

مؤشر الخميس ٢٠/يوليو/٢٠١٧ ٠٤:٣٥ ص
الاستقرار المهني والإنتاجية يتحققان بعدالة الأجور

د. محمد رياض حمزة

خَلُصَت الدراسات التي تناولت العلاقة بين أجر العامل وإنتاجيته أن رضا العامل عن أجره أهم العوامل المؤثرة على دقة أدائه في عمله وإنتاجيته، ففي المؤسسات والشركات الإنتاجية الصناعية والخدمية الناجحة التي واصلت قوة وجودها في السوق وحققت أسهمها المزيد من الأرباح، تلك التي كسبت رضا العاملين فيها عن أجورهم. وكثيراً ما تتعرّض الشركات للتعطل بسبب الاحتجاجات على تدني مستوى الأجور وبقدر ما ارتبط سلّم الأجور بالتحصيل الدراسي (الشهادة الأكاديمية)، فإن الشركات الأكثر نجاحاً تلك التي أقرنت أجور العاملين فيها ليس فقط بالتخصص الدراسي للعامل أو الموظف وإنما بالجهد والأداء الذي يحقق إنتاجية أعلى وقيمة مضافة وربحاً أكبر، وبذلك تكون قد أعطت للخبرة وللأداء الأولوية في التقييم وقدمتها على الشهادة الأكاديمية.

القوى العاملة التي تُمْنَح أجوراً متدنية لا تتناسب مع الجهد الذي تبذله وتكون مرغمة على قبول أجرها بسبب الحاجة لن تعمل إلّا بالقدر الذي لا يخل بديمومتها في عملها. وإن توفرت فرصة عمل بأجر أعلى في شركة أخرى فإن القوى العاملة ستترك العمل للالتحاق بالشركة أو المنشأة التي تدفع أجراً أعلى. كما أن ولاء القوى العاملة المرغمة على العمل يكون ضعيفاً، لذلك فإن معظم الشركات التي لا تكسب رضا العاملين فيها عن أجورها تعاني من عدم استقرار العمل (دوران العمل).
ويعتبر ارتفاع معدل دوران العمل مؤشراً على عدم رضا العاملين عن مستوى الرواتب والأجور لذلك يقرر بعضهم ترك العمل والبحث في مكان آخر عن رواتب وأجور ذات مستوى أفضل، وفي حالات أخرى تكون قرارات ترك العمل مرتبطة بعدم الرضا عن السياسة المطبقة لإدارة الرواتب والأجور والفرص المتاحة للتطور الوظيفي، وقد تتسبب عوامل أخرى في ارتفاع معدل دوران العمل كبيئة العمل غير الآمنة أو غير الصحية أو موقع العمل النائي، ولكن تأثير هذه العوامل مقتصر بدرجة كبيرة على القوى العاملة غير الماهرة، أما القوى العاملة الماهرة والمحترفة فالتأثير الأكبر في قراراتها في ترك العمل يعود إلى عدم رضاها عن إدارة الرواتب والأجور والفرص المتاحة للتطور الوظيفي، وبما أن هذه النوعية ذات أهمية كبيرة للشركات لما تمتلكه من مهارة وتأهيل وخبرة مؤثرة في أداء وإنتاجية الشركة فإن ذلك يجعل إدارة الرواتب والأجور تحمل الأهمية والتأثير نفسه؛ لأن إدارتها الجيّدة هي سبب محافظة الشركة على مصدر ثروتها الحقيقي المتمثل في رأس المال البشري، فدون القوى العاملة الماهرة والمؤهلة تتراجع الأعمال بصورة حادة وهذا ما تتجنب الوقوع فيه الشركات المنظمة فتحرص على إدارة الرواتب والأجور بمهنية عالية جداً لعلمها الجيّد بحجم التأثير الذي تتركه في قرارات ترك العمل.
وهناك نوعان من الخسائر الناتجة عن ارتفاع معدل دوران العمل: خسائر مباشرة مثل تكاليف ترك العمل وما يتطلبه من مصاريف لتدريب البديل وتكاليف إحلال تارك العمل، وما يتطلبه من صرف على إجراءات التعيين الطويلة خاصة للمؤهلات والمهارات العالية وكذلك تكاليف المرحلة الانتقالية التي يتم فيها التأقلم مع غياب العامل المتمكن من العمل وانتقال مسؤوليته إلى موظف جديد، وهناك خسائر غير مباشرة مثل الخسائر في الإنتاج بسبب تكرار أخطاء العمل لنقص المهارة والتدريب وانخفاض مستوى الأداء وتكاليف ساعات العمل الإضافي غير الضرورية، فقط لاعتبارات نقص الكفاءة، وكذلك انخفاض الروح المعنوية وما يترتب عليها من آثار جانبية في الإنتاجية أمور كثيرة لو حسبت تكاليفها بدقة لفاجأت نتائجها المسؤولين في هذه الشركات ولما ترددوا يوماً واحداً في تصحيح الطريقة التي تدار فيها الرواتب والأجور في سبيل تجنب هذه الخسائر.
عندما يرتفع معدل دوران العمل تترتب على ذلك خسائر أخرى بخلاف الخسائر المادية التي أشرنا إليها آنفاً يأتي في مقدمتها تحوّل هذه الكفاءات للعمل لدى الشركات المنافسة، وكل شركة أياً كان مستوى حجمها تعلم جيداً مدى الضرر الذي يمكن أن يصيبها من جراء هذا الانتقال، فالخسائر لا تقف عند خسارة المؤهلات والمهارات التي يتمتع بها هؤلاء العاملون، بل قد تمتد إلى خسائر أشد تأثيراً نتيجة للانكشاف الذي يطول الأسرار المهنية والخطط الإستراتيجية التي شارك الموظفون في إعدادها أو اطلعوا عليها بحكم وظائفهم، فتجتمع على الشركة خسارتان: خسارة الكفاءات وخسارة أسرار العمل، وهاتان الخسارتان لا تقدران بثمن لعظم تأثيرهما في الشركة.