الوفاق البحريني

مقالات رأي و تحليلات الخميس ٢٠/يوليو/٢٠١٧ ٠٤:٥٥ ص
الوفاق البحريني

جمال زويد

أمام حالة التشظي والانقسام التي تعاني منها غالب دول عالمنا العربي والإسلامي، وما ينتج عنها من ظلال سوداء تغشى الحاضر وتهدّد المستقبل، وتكاد تنبيء بالمزيد من القتامة التي تنهك ما تبقى من جماليّات تعتز بها البلدان من مثل اللحمة أو الوحدة الوطنية والروابط المجتمعية والأرحام والعلاقات المشتركة أو ما شابه ذلك من قيم تواصل وتراحم كانت مثل (المداميك) التي يصعب التفكير -مجرّد التفكير- في يوم ما أنها ستصيبها عوامل الخلاف وتشتغل فيها معاول تفتّ من معاضدها أو تقضي عليها. لم يكن يخطر على البال أبداً أنها ستُمسّ فيحلّ أو يظهر بديلاً لها مصطلحات لم نكن نعرفها أو لم تكن في وارد تداول الأجداد والآباء مثل الآن.

إذ تنامت -مثلاً- حمّى الطأفنة وانتشرت كما النار في الهشيم، وفي مناحي ومجالات متعددة ومتنوعة. وأصبحت كالمرض العضال الذي يحذر منه ويتحدث عنه الجميع، ويتناولون أخطاره ويستعرضون التهديدات الآنية والمستقبلية من استشرائه على الأمن والاستقرار، والمخاوف من تصاعد الفرز الناشئ عنه على السلم الاجتماعي. تختلف حدّته من بلد إلى آخر، لكنه -بلا شك- خطر داهم يقلق الزعماء والساسة والعلماء وأهل الفكر ورجال الاقتصاد وغيرهم ممن نسمع منهم خطورة تفاقم هذا الأمر من غير أن نرى مشاريع وبرامج وخطط تسهم في تقليص الفجوة الآخذة في الاتساع أو على -الأقل- توقف تمدّدها وتقلل من زيادة حدّتها.

وأمام كلّ ذلك، فإن البناء أفضل من استمرار الهدم، والأفعال يجب أن تتقدّم على الأقوال، والإنجاز يسبق اللطم والبكاء. ولا يكفي وصف الظاهرة أو التحذير منها من دون أن يتحّول هذا الخوف والتحذير إلى بدائل عملية، تجمع المفرّق، وتلمّ الشتات. فالحاجة إلى ذلك أكثر من ماسّة إن أردنا رسم مستقبل آمن لمجتمعاتنا في خضمّ هذه الأمواج المتلاطمة من المخاطر والتهديدات.
وفي هذا الصدد، فإنه لا بد من الإشادة بمبادرة رائعة تصبّ في هذا الاتجاه، اتجاه البناء والإنجاز، قادها مؤخراً جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفه عاهل مملكة البحرين تتعلق بإصدار قانون موحد لأحكام الأسرة يجمع أحكام المذهبين اللذين ينتمي إليهما أهل البحرين مع الاحتفاظ بخصوصية كل مذهب في المسائل الخلافية بينهما.
في الأصل، إن تقنين عموم هذه الأحكام هي مسألة في غاية الأهمية، وغالباً ما تثير لغطاً وجدلاً واسعاً، وذلك لحساسيتها وتعلّقها بقضايا شرعية تخص الزواج والأصول وحفظ الأنساب وما إلى ذلك من أمور تجعل الاقتراب منها يكتسب بعض الصعوبة والتردّد. رغم أن المنفعة والأصوب هو أن تكون حركة التقاضي في هذه المسائل المهمة وفقاً لأطر مكتوبة وواضحة للمتقاضين أمام المحاكم الشرعية بدلاً من تركها لنصوص متفرقة واجتهادات متبعثرة وتقديرات قد تخطئ وتصيب في ظل متغيرات لا تحتمل أن تبقى معها مثل هذه الأمور غير مكتوبة أو من دون تقنين.
وتكتسب المبادرة الفاضلة التي قادها ملك البحرين أهميتها في كونها تجمع أحكاماً مهمّة وبالغة الحساسية لجناحي مجتمع واحد أراد جلالته برؤية ثاقبة أن يصنع بينهما شيئاً ملموساً ومشروعاً رائداً لحفظ وحدة الوطن وسلمه الاجتماعي، ويجنب أهله وأجياله مخاطر وعواقب ليست خافية، وأن يقدّم برهاناً ودليلاً على إمكانية إزالة الفواصل وهدْم الحواجز، وأن يقدّم جلالته نموذجاً لبرامج يمكنها أن تنير الشموع في أجواء غالباً ما تكتفي أن تلعن الظلام.
وحتى يضمن جلالة الملك نجاح مبادرته شكّل -ابتداء- لجنة شرعية لصياغة مشروع هذا القانون الموحد وإعداد كل مواده، ضمّت هذه اللجنة علماء وقضاة من المذهبين لضمان التأكيد على الالتزام التام بأحكام الشريعة الإسلامية وعدم خروج أي نص على إطارها الغرّاء.

في الأسبوع الفائت، وبعدما أصبح مشروع هذه المبادرة الملكية جاهزاً بعد صياغته من اللجنة الشرعية المكلّفة ملكياً، تم عرضه على السلطة التشريعية التي اعتمدته كما هو تمهيداً لإصداره وبدء العمل به كمشروع رائد نحسب أنه يصبّ في صالح الوحدة الوطنية، يستحق الاستدلال به والاحتذاء به، وقبل ذلك الإشادة به.

بقي أن نشير إلى أن القانون الذي يُتوقع صدوره في الأيام القليلة المقبلة قد شمِل في مادته الثانية ما يضمن توافقه التام مع أحكام الشريعة الإسلامية، إذ نصّت على: «لا يتم تعديل هذا القانون إلاّ بعد موافقة لجنة من ذوي الاختصاص الشرعي من القضاة وفقهاء الشريعة الإسلامية المتخصصين في الفقه في المذهبين، على أن يكون نصفهم من قضاة المحاكم الشرعية، ويصدر بتشكيلها أمر ملكي».

كاتب بحريني