الأحرار من قفص الإرهاب

مقالات رأي و تحليلات الخميس ١٣/يوليو/٢٠١٧ ٠٤:١٣ ص
الأحرار من قفص الإرهاب

جمال زويد

بات من (نكَد) هذا العصر وانقلاب المفاهيم وتحوّل الموازين فيه أن مصطلح (الإرهاب) أصبح ماركة مسجلة للمسلمين، على وجه الحصر والقصر! وأن أي حادث أو جريمة أو مذبحة إذا لم يكن منفذوها وأبطالها من الأسماء الإسلامية فإنها تخرج من إطار هذا المصطلح الفضفاض الذي صار يتسع طولاً وعرضاً لكل ما هو إسلامي بينما يضيق عن غيرهم ويصدّ عن استيعابهم ويمتنع عن ضمّهم فيه! حتى لو كانت ممارساتهم أفظع وأنكى.

أبسطها أنه قد يجري حادث دهس بالسيارة (موضة هذه الأيام) في أي بقعة من أنحاء العالم، ويسقط جراءه قتلى ومصابون، حينذاك تنتظر (ماكينات) الإعلام عن تصنيف الحادث بالإرهابي أو غير ذلك حتى يتم الكشف عن هوية منفذه! فإن كان مسلماً عُدّ في مصاف الأعمال الإرهابية التي ينبغي مكافحتها وقطع جذورها، وإن كان غير مسلماً اعتبروه حادثاً عرضياً تسبّب فيه مجنون أو مختل نفسياً وجب علاجه خاصة إن كان ضحاياه من المسلمين!!

ليس ذلك فحسب، وإنما الجزّارون ومصّاصو الدماء الذين يحتلّون أراضينا ويقتاتون على ذبحنا ويرتكبون مختلف أنواع المجازر ويمارسون القتل والفتك بدم بارد حتى على نقاط التفتيش وحواجز الأمن هناك، فضلاً عن مئات الآلاف من الشهداء الذين قضوا في تلك الأراضي الفلسطينية المحتلة على مدار السنين والعقود الفائتة بعد اغتصاب وطنهم واحتلال أرضهم، ومثل عددهم من المشرّدين في فيافي الدنيا، مشرقها ومغربها، شمالها وجنوبها.
رغم بشاعة جرْم احتلال الأوطان والفتك بأهلها وتشريدهم وتدنيس مقدساتهم وحصار مدنهم، رغم ذلك فإنه لا (طاري) لهم في مصطلح الإرهاب، ولا تشملهم عباراته وقوائمه، ولا تذكرهم الأمم المتحدة، ولا توصفهم أو تصنفهم بالإرهابيين مختلف (ماكينات) الإعلام، بما فيها (الماكينات) العربية والإسلامية. والأسوأ أن هؤلاء الجلادين والجزّارين والمحتلين صاروا يعدّونهم حمائم سلام ونخشى أن يأتي اليوم الذي نعدّهم (معتدَى عليهم) وأصحاب مظلومية ينبغي رفعها عنهم!!
استذكرت هذه الأيام قصة الطفل محمد أبو خضير الذي تمرّ علينا في هذا الشهر الذكرى الثالثة لاستشهاده في جريمة فظيعة ومذهلة اهتز لها الضمير الإنساني (الحي) إذ اختطفه من أمام منزله في حي شعفاط بالقدس أحد الحاخامات -رجل دين يهودي- بمعاونة أبنائه، قاموا بتعذيبه ثم سكبوا على وجهه وجسمه البنزين وأشعلوا فيه النيران، حرقوا هذا الطفل البالغ من العمر (16) عاماً وهو حيا، ومثّلوا في جثته، بل وصوروا جريمتهم، وهم يرقصون ويضحكون، ثم رموا الجثة في أحراش دير ياسين.
رغم قساوة هذا المشهد وفداحة الجريمة إلاّ أن ردود الأفعال التي صدرت على استحياء من هنا أو هناك لم تقل أن هذا عمل إرهابي!! ورغم أن الجريمة البشعة حدثت بعد يوم واحد فقط من تحريض عضو الكنيست أيليت شكد الشارع اليهودي على قتل أطفال الفلسطينيين ووصفتهم بالثعابين الصغار، إلاّ أن أحداً لم يصف هذا العضو المحرّض بالإرهابي مثلما لم يصنف أحد الحاخام اليهودي الذي قتل وحرق الطفل بالإرهابي.
بالطبع، جريمة حرق وقتل الطفل الفلسطيني محمد أبو خضير ليست الأولى أو الأخيرة، فقد سبقها الآلاف وربما عشرات الآلاف، ما بين قتلى ومصابين ومشردين، تم احتلال واغتصاب أراضيهم، وتدنيس مقدساتهم، وتهجيرهم وتشريدهم من وطنهم، ولم يبق من آلات الفتك العسكري من طائرات وبوارج وصواريخ وأنواع مختلفة من المتفجرات والقنابل حتى المحرّمة دولياً إلاّ وكان لهم وعليهم نصيباً منها. وذلك من غير أن يرف للعالم جفن، أو يُفزع لهم ومن غير أن يجري تصنيف هؤلاء المجرمين، سفّاكي الدماء في خانة مصطلح الإرهاب الذي يجب مكافحته ومحاربته، لا لشيء سوى أن هذا المصطلح أصبح حصراً وقصراً على المسلمين دون سواهم.

سانحة:
بعد انتهاء غزوة أحد، مرّ الرسول صلى الله عليه وسلّم بدار من دور الأنصار من بني عبد الأشهل وظَفَر بالمدينة المنورة، فسمع البكاء والنوائح على قتلاهم، ثم كلّما مرّ على أحد رآهم يبكون قتيلهم، فذرفت عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فبكى، ثم قال: (ولكن حمزة لا بواكي له) وكان يقصد صلى الله عليه وسلّم عمّه حمزة بن عبدالمطلب الذي استشهد في هذه الغزوة ومُثّل بجثته لكن لم يبكيه أحد كما الآخرين. رحم الله الشهيد الطفل محمد أبو خضير، فقد اختطفه المجرمون اليهود من أمام منزله وعذبوه وقتلوه وأحرقوا جثته، فلم يبكه أحد ولم يفزع له أحد، وظلّ قاتلوه والمحرّضون على قتله أحراراً وطلقاء حتى من قفص الإرهاب.

كاتب بحريني