نزاعات (العرب) في الأمم المتحدة!

مقالات رأي و تحليلات الخميس ١٣/يوليو/٢٠١٧ ٠٤:١٣ ص
نزاعات (العرب) 
في الأمم المتحدة!

علي ناجي الرعوي

يتزايد عدد مبعوثي الأمين العام للأمم المتحدة إلى المنطقة العربية بتزايد بؤر التوتر والصراع في هذه المنطقة ليصل عدد هؤلاء في الوقت الراهن إلى 19 مبعوثا أمميا يتوزعون على تسعة بلدان عربية تشهد أربعة منها على الأقل أبشع الحروب العنيفة والصدامات المسلحة التي تعد هي الأخطر على مستوى الإقليم ومع أن هذا العدد الكبير من المبعوثين الأمميين يمثل نذير شؤم وشاهد على أن معظم الحروب والنزاعات والأزمات أصبحت من نصيب العرب ومن بعدهم تأتي الدول الأفريقية المنكوبة بالتدخلات الخارجية فإنه أيضا من يبعث على السخرية والتندر إذا ما علمنا أنه لم يسبق للأمم المتحدة وأن نجحت في حل أي نزاع في هذه المنطقة وأن تلك المنظمة الدولية لم تعد أكثر من حائط مبكي يلجا إليه العرب لتسجيل المواقف الشاكية طلبا للإنصاف، رغم قناعتهم أنهم ومنذ اغتيال مبعوث الأمم المتحدة إلى فلسطين الكونت فولك برنادت عام 1948 وحتى الآن لم يحصلوا على أي قدر من الإنصاف من هذه المنظمة التي لم تنتصر يوما لقضية عربية أو بادرت لحل أي نزاع من نزاعات المنطقة بشكل عادل بل على العكس من ذلك فهي ظلت تتعامل مع القضايا العربية من منظور يخالف تماما مزاعم الحياد والنزاهة التي تدعيها الأمر الذي جعل من كل مواقفها وأفعالها متسقة في المجمل مع لعبة الكبار الذين يتبادلون الأدوار بما يخدم أهدافهم ومصالحهم على حساب مصالح العرب وحقهم في السيادة والعيش الكريم.

وهنا قد يتساءل البعض: إذا ما كانت هذه المنظمة الدولية غير مكترثة بحفظ الأمن والسلام في المنطقة العربية فما الجدوى إذن من إرسالها لعشرات المبعوثين والوسطاء إلى البلدان الملتهبة بالتوترات والحروب طالما وأن مهمة هؤلاء محكومة سلفا بما يقرره أصحاب الحل والربط في الدول الكبرى وليس ما يتوصل إليه رسل الأمم المتحدة والتي تظهر في تعاطيها مع القضايا العربية تحديدا منزوعة الصلاحيات ومكبلة بتسلط الدول الكبرى؟ ومثل هذا التساؤل وإن كان قد بقي معلقا دون إجابة حتى اليوم فإنه من بات يؤرق مسؤولو الأمم المتحدة الذين يشعرون أمامه بالإحراج إذ إنه يصعب على أي منهم تبرير لماذا فشلت الأمم المتحدة ودبلوماسيوها في حل أي من النزاعات والحروب المتصاعدة في المنطقة العربية رغم غزارة ضحاياها البشرية وما أدت إليه من كوارث إنسانية نشرت الخراب والدمار في كل ركن وزاوية من ديارها، وهي من نلمس بعض مظاهرها اليوم من خلال معدلات البطالة والفقر التي وصلت في بلد كاليمن إلى ما تحت الخط المتعارف عليه ليغدو الجوع يتهدد حياة 80 % من سكان ذلك البلد الذي تفتك به حرب داخلية وأخرى خارجية ناهيك عن وباء الكوليرا المتفشي في معظم محافظاته.

حرص الأمين العام الجديد للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريس في اليوم الأول لتوليه منصبه مطلع العام الجاري أن يزيل تلك الصورة القاتمة التي علقت في أذهان العرب عن هذه المنظمة بتأكيده على أنه الذي سيجعل من العام 2017 عاما للسلام في منطقة الشرق الأوسط، لكنه وبمجرد أن جلس على كرسيه داخل المبنى الأزرق المكون من 39 طابقا والمطل على نهر الشرق في مدينة نيويورك نسى أو تناسى ما وعد به لينغمس في ممارسة مهماته الروتينية من ذلك المبنى الذي يبدو وكأنه برج بابل العصر الحديث وفق سيرة أسلافه والدور المرسوم له من الدول الكبرى حتى أن هناك من رأى فيه نسخة ثانية من الكوري بان كي مون الذي لم يترك في عهده شيء سوى الدموع والإعراب عن القلق، إذ كان الجميع يتوقع من الأمين العام الجديد القيام في الأشهر الأولى لولايته بمراجعة وتقييم مدى النجاح والفشل في عمل المبعوثين السياسيين السابقين واللاحقين الذين تم إرسالهم إلى المنطقة العربية بهدف حل النزاعات الملتهبة فيها إلا أنهم جميعا قد فشلوا في المهمات التي كلفوا بها، إذ كان من اللافت أن جل من أرسلتهم الأمم المتحدة على مدى العقود الفائتة للمساعدة في حل النزاعات في المنطقة العربية وبينهم عدد غير قليل من السياسيين المخضرمين قد توارثوا ذلك الفشل واحدا بعد الآخر أكان ذلك على نطاق النزاع العربي الإسرائيلي أو النزاعات الأخرى كالنزاع في الصحراء الغربية والمستمر منذ العام 1975 أو على نطاق الصراع في السودان والصومال وما ترتب عن الاجتياح الأمريكي للعراق وصولا إلى الحروب المستعرة الآن في سوريا واليمن وليبيا، ويصبح الأمر أكثر مدعاة للاستغراب أن يكون الإنجاز الوحيد والمشترك الذي حققه ذلك الجيش من مبعوثي الأمم المتحدة جعل جميع المتصارعين في هذه المنطقة والذين لا يتفقون على شيء أبدا يتوافقون على توجيه اللوم للأمم المتحدة وتحميلها مسؤولية كل المحن التي أحاقت ببلدانهم وشعوبهم.
بديهي أن لهذا الفشل أسبابا جوهرية، وأحد أهم أسباب فشل الأمم المتحدة ومؤسساتها في المنطقة العربية يعود إلى أن جميع الموظفين والدبلوماسيين الكبار الذين يعملون في هذه المنظمة يجري انتقاؤهم على أساس ولائهم للسياسات الغربية ولاسيما ولاؤهم لسياسات الدول الكبرى وعلى وجه الخصوص للولايات المتحدة ومن الطبيعي أنه وبسبب هذا الولاء يمعن ممثلو الأمم المتحدة في مقاربة حل الأزمات من منظور مصالح تلك الدول مما يقود بالضرورة إلى تبني مواقف غير واقعية أو منحازة تتحول معها الأمم المتحدة من وسيط في أي نزاع إلى طرف فيه وهو ما سبق أن نبه إليه مبعوث الأمم المتحدة إلى اليمن جمال بنعمر إلا أنه وبسبب تطرقه لخطورة هذا المنحى أمام مجلس الأمن فإنه من فقد منصبه وعاد إلى المواقع الخلفية واستبدل بمبعوث آخر هو الموريتاني إسماعيل ولد الشيخ والذي جعل من اليمن عبرة لغيرها من دول المنطقة.
لقد اندثر العرب بالمعنى السياسي وفقدوا موقعهم المؤثر في السياسة الدولية ولأنهم قبلوا أن يكونوا مفعولا به وليس فاعلا وتابعين وليس متبوعين فلن يجدوا إنصافا من الأمم المتحدة أو غيرها، وإذا ما استمروا بهذا الحال فإن الآتي سيكون أعظم خصوصا إذا ما انحصر خيارهم على النحو القائم اليوم بين الاستقواء على بعضهم البعض وبين التنافس البليد في معركة المواجهة مع الدواعش الآتين من الجاهلية الأولى والذين يسعون إلى تجريد هذه الأمة من هويتها ونقاء عقيدتها وموروثها الحضاري والإنساني بإيعاز من بعض الأطراف الدولية التي تسعى إلى إلحاق المزيد من الأذى بالعرب والمسلمين وكأن هذه الأمة لم يكفها ما تعانيه من قهر ومهانة.

كاتب يمني