الموصل أزمة إنسانية تنظر الحل.. فهل يمكن إصلاح ما أفسده الدواعش؟

الحدث الثلاثاء ١١/يوليو/٢٠١٧ ٠٤:٥٥ ص
الموصل أزمة إنسانية تنظر الحل.. فهل يمكن إصلاح ما أفسده الدواعش؟

مسقط – محمد البيباني

بعد ثمانية أشهر من القتال الذي دمر أجزاء من الموصل وأزهق أرواح آلاف المدنيين وشرد نحو مليون نسمة، أعلن التليفزيون العراقي نبأ تحرير المدينة من قبضة داعش الفولاذية التي حجبت عنها الشمس وأذاقت أهلها لباس الخوف والجوع.

لا شك أن تلك التجربة وتداعياتها على البشر والحجر ستلقي بظلالها على مستقبل المدينة كله حيث تجاوزت جرائم التنظيم الحجر لتصل الى نفوس البشر جراء ما لاقوه من جرائم طالت أطفالهم ونسائهم.
ما لحق بالمدينة يمكن تخيله بالنظر إلى قيام التنظيم بتفجير جامع «النوري» الكبير الذي ألقى به زعيمه أبو بكر البغدادي خطبته الشهيرة في رمضان 2014، معلنًا قيام دولة الخلافة المزعومة، فهذا التنظيم الذي لم يراع حرمة مسجد كان شاهداً على إعلان دولته المزعومة، لا شك أن الأيام المقبلة ما بعد التحرير ستؤكد أنه اعتمد على اتباع سياسة الأرض المحروقة وهو ما ينبئ بمدى الخراب الذي من الممكن أن تكون المدينة قد تعرضت له.
ربما كان هذا الجانب هو الهين من خسارة المدينة عند مقارنته بما خلفته الأهوال التي عايشها مدنيو الموصل وحجم التشوهات التي نتجت عنها خاصة عند الأطفال والتي ربما ستظل تلك المدنية والعراق بأكمله يدفعون ثمنها في المستقبل. التساؤل الذي سيفرض نفسه على العراق خلال مرحلة ما بعد التحرير الوشيك هو.. هل يمكن إصلاح ما أفسده داعش في الموصل؟

شهادات حية

«بعد سنوات طويلة، وجدتني غريباً في بلد لطالما عرفته. ها أنا أقف وسط ركام بلدات وقرى شبه خالية وكأنها مدينة أشباح» جملة أطلقها مدير العلاقات الصحفية والإعلامية لدى منظمة أطباء بلا حدود في مكتبها الإقليمي في بيروت، هاني دويك والذي يعد واحداً ممن عايش تلك المأساة وتداعياتها خلال بعثته الأخيرة مع المنظمة إلى العراق، وتحديداً الموصل وضواحيها، في إطار شهادته التي نشرها موقع رصيف 22 منذ يومين، في سياق شهادته يواصل الدويك وصفه للمدينة قائلا: «بيوت مدمرة، منازل التهمتها النيران وسوّتها أرضاً، مبان فقدت هويتها، بحيث لم يعد بالإمكان معرفة ما إذا كانت أساساً مدارس أو مستشفيات أو دور عبادة قبل أن يحّل بها الدمار.
ويبرهن الدويك على حجم الدمار بالمدينة بزيارته لمستشفى المنظمة في حمام العليل جنوب الموصل التي شهدت غرفة الطوارئ معالجة أكثر من 2680 مريضاً منذ افتتاحها، إذ يقول: «أدركت حينها حجم الدمار الذي حلّ بالمنطقة، ليس فقط من ناحية البنية الأساسية التي تعدّ كارثة بحد ذاتها، وإنما أيضاً من الجانب الإنساني والنفسي للمواطن العادي الذي عاصر منذ تسعينيات القرن الماضي أشكالاً متعددة من الدمار، بدأ مع الحصار وانتهى بالعمليات العسكرية الهادفة إلى استرجاع تلك المناطق.
ومن بين شهادات كثير من المرضى الذين التقاهم ، قالت له والدة أحد الأطفال الذين يتلقون العلاج في المستشفى: «حاولنا الهرب عندما اشتدت حدة العمليات العسكرية، ولكن إحدى القذائف سقطت بجانب زوجي وطفلي، وتسببت بمقتل زوجي وبتعرّض ابني لإصابات عدة بالغة. لا أدري ماذا سيحل بنا فيما بعد ولكن ما يهمني هو أن يشفى ولدي».
ويواصل حديثه قائلا: «عند تحدثي مع أحد الأطباء العراقيين أخبرني بنبرة ساخرة: «اعتدنا ذلك. لم يعد أحد يهتم بما يحصل لنا. أحاول أن أساعد بأي طريقة ولكن ذلك غير كاف».

صدمات نفسية

صحيفة «الجارديان» البريطانية من جانبها علقت على الأضرار النفسية لأطفال المدينة قائلة: «إن أطفال الموصل الذين عاشوا في ظل حكم تنظيم داعش الإرهابي سيكونون الأكثر تضرراً نفسياً بعد حرمانهم لسنوات من إظهار عاطفتهم واللعب ورؤيتهم للكثير من أعمال العنف.

ويرى الخبراء، أن الأطفال يتأثرون بشكل كبير عند تعرضهم لمواقف تتسم بالعنف، إذ تظهر عليهم أعراض ما يعرف بـ»الإجهاد السام» - وهو شكل حاد من الصدمات النفسية التي يمكن أن تسبب أضراراً مدى الحياة.

واستند البحث الذي أجرته منظمة «إنقاذ الطفولة»، إلى مناقشات أجريت مع 65 طفلاً هربوا إلى مخيم حمام العليل للنازحين، جنوب المدينة المضطربة الموصل.

وأظهر جميع الأطفال الذين قابلهم العاملون في المؤسسة الخيرية علامات على الإجهاد السام، وعانى 90٪ منهم من فقدان أحد أفراد أسرته، وأكد غالبيتهم رؤيتهم لكوابيس. كما بدا جميعهم أكثر بطأ من الأطفال في عمرهم فيما يتعلق فهم التعليمات، واتسم سلوكهم بـ»الروبوتية»، إذ كانوا غير قادرين على اللعب أو إظهار العاطفة.

وفر مئات المدنيين من الموصل الشهر الفائت، إذ وصلت المعركة ضد داعش إلى نقطة تحول. وقد هرب أكثر من 860 ألف شخص إلى المنطقة الشرقية المحررة من الموصل منذ بدء الحرب في ديسمبر الفائت لاستعادة المدينة من مقاتلي داعش إلا أن حوالي 100 ألف شخص ظلوا في المدينة القديمة، إذ استخدمهم المقاتلون كدروع بشرية.

خسائر الحجر .. كارثية

أظهرت صور التقطتها أقمار صناعية ونشرتها الأمم المتحدة الخميس الفائت أن الهجوم لاستعادة مدينة الموصل العراقية من تنظيم داعش، ألحق أضراراً بآلاف المباني في المدينة القديمة ودمر قرابة 500 مبنى.
وقال قادة إن القوات العراقية بدعم من الولايات المتحدة دفعت تنظيم داعش، للتقهقر إلى جيب من الأرض مساحته 250 متراً مربعاً على طول نهر دجلة مما دفع المتشددين لزيادة الهجمات الانتحارية.
وتشير الأمم المتحدة إلى أن المعارك التي استمرت لأكثر من ثمانية أشهر تسببت في تشريد 900 ألف من السكان، نحو نصف عدد سكان المدينة قبل الحرب، وفي مقتل آلاف من المدنيين.
وتقول الأمم المتحدة إن الدمار أكبر من المتوقع بكثير ومن المرجح أن يتكلف إصلاحه بلايين الدولارات.
وأظهرت صور التقطت قبل أسبوع من بدء الهجوم يوم 18 يونيو أضرارا بنحو 2589 مبنى بينما دمر 153. وقصف الجيش العراقي والتحالف بقيادة واشنطن المدينة لشهور في ضربات جوية ومدفعية قبل بدء العملية البرية في أكتوبر. كما أن هناك احتمالاً بأن يكون التنظيم دمر بعض المباني.
ووفقا للصور التي وثقها معهد الأمم المتحدة للتدريب والبحث فبعد خمسة أيام ومع اشتداد القصف تضرر 1451 مبنى بينها 43 منزلاً مدمراً.
وفي الأيام الاثنى عشر الأولى للقتال داخل المدينة القديمة التي نشر التنظيم فيها عشرات الانتحاريين تضرر 1496 مبنى ودمر 294، ومن المتوقع أن تكون هناك أضرار أخرى قبل نهاية القتال.
وزرعت داعش، متفجرات في جامع النوري الكبير وسوته بالأرض قبل أسبوع. وقالت الأمم المتحدة إن المدينة القديمة وحي 17 يوليو ومناطق حول مطار الموصل هي الأكثر تضررا في المدينة.
وحول تكلفة إعادة الإعمار قال منسق الشؤون الإنسانية للأمم المتحدة في العراق، إن إعادة البنية التحتية الأساسية في الموصل بعد الحملة العراقية التي تدعمها أمريكا ضد «داعش»، ستتكلف أكثر من بليون دولار.