الأيام الأخيرة من رمضان

مقالات رأي و تحليلات الأربعاء ٢١/يونيو/٢٠١٧ ٠٤:٣٥ ص
الأيام الأخيرة من رمضان

أحمد المرشد

ونحن نعيش هذه الأيام الأخيرة من رمضان المبارك علينا أن نتدبر المعاني الكامنة والدروس المستفادة من تفسير الآية الكريمة (يَتِيماً ذَا مَقْرَبَةٍ أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ) سورة البلد. ونعلم جميعا أن المقصود بقوله تعالى: «يتيما ذا مقربة» أي أنه توجد قرابة بينك وبين اليتيم، حتى تجتمع له صدقة وصلة، وبما أن ثمة اختلافات كثيرة بين «القربى والقرابة والمقربة»، فإن المقربة تقع في منزلة وسط بين القرابة التي تتضمن النسب وبين القربى التي قد تعني النسب وصلة الرحم. ولهذا يشير معنى قول الله تعالى: «ذا متربَة» في اللغة العربية، إلى الفقر الشديد والمسكنة، لكثرة عيال أو غلبة دين أو سوء معيشة، وهو ما يتطلب منا الإسراع بالصدقات في هذا الشهر حتي نسد جوع ونروي ظمأ الجوعى والعطشى من فقراء المسلمين في كل أنحاء الأرض.

إن المولى زرع فينا صفاته ولكن بقدر معلوم طبعا، فرحم المرأة سمي هكذا من اسم الله الرحمن، إذ تعيش النطفة والجنين في مكان آمن يتوفر لها سبل الحياة لحين خروجه إلى هذه الدنيا. وهكذا وهب المولى عز وجل بعضنا الكرم والجود، والرحمة والتسامح، والحكمة والعقل، فكل البشر بهم من صفات الله ويجب حسن استغلالها والعمل بها وتكريسها في أسرهم ومجتمعاتهم وبلدانهم، حتى يعم الخير والسلام والطمأنينة في كل ربوع المعمورة بإذن الله. إلا أن العيب في البشر الذين يتقاتلون ويتشاحنون ويتخاصمون ويكنزون الذهب والفضة، في حين أمرنا الله ببذل الغالي والنفيس لوجهه الكريم، وما قللت الصدقة من مال أبدا فيضاعفها الله ما يشاء. وعندما سن الله عز وجل لنا شهر رمضان أمرنا بالتقوى والتصدق حتى ختم لنا الشهر الفضيل بزكاة الفطر وكانت علينا فريضة لا يقبل صيامنا إلى بسدادها وإلا ضاع صيامنا هباء. كما وهبنا العاطي الوهاب بل وأنعم علينا كمسلمين بهذا الشهر الفضيل ليضاعف لنا فيه الأجر والثواب في كل الأعمال، فحثنا أولا على العبادة والطاعة، ثم يغفر لنا ويرحمنا، وليكون البذل والجود والتواصل والتراحم سمات ظاهرة في المجتمع في الشهر المبارك ووسائل لتهذيب النفس وتربيتها على الجوع والعطش في سبيل الله، وعلى اتخاذ الزهد منهج حياة، وعلى التسامح، ليسود الحب بين الجميع.

ولا أعلم وأنا أتحدث عن هذا الشهر الفضيل، يجرني قلمي جرا للحديث عن وحدة العرب والمسلمين، وأمثلتنا كثيرة في تاريخنا الإسلامي وكم من حروب انتصر فيها المسلمون وهم صائمون ولعل أحدثها حرب أكتوبر المجيدة التي حقق فيها المصريون نصرهم الكبير على الجيش الإسرائيلي وكانت صيحة «الله أكبر» عابرة لقناة السويس ومن علامات النصر المبين، ونتذكر كيف اتحد العرب على كلمة سواء، وتوحدت رؤاهم فكان النصر للعرب أجمعين، فالنصر يأتي عندما تتوحد كلمة المسلمين تحت راية واحدة، وما ينجم عن هذه الرؤية الواحدة من تضامن العرب والمسلمين وتعاونهم جميعا في تحقيق مصالحهم من خلال التنسيق لمواجهة التحديات كافة، وبحيث تتبلور الرؤى الجماعية لتتحدى أي نذر سيئة قد تأتي من هنا أو هناك.

من هنا، يكون الاتحاد عبارة عن طرح الخلافات كافة على مائدة الحوار والبحث والمناقشة لتجاوز تلك الخلافات بأسلوب منطقي حتى لا تصاب الأمم بالضرر، فميزة الاتحاد يجب أن تجب نذر الخلافات. فنحن نعيش في الوقت الراهن عصر التجاذبات والأحلاف، ويجب النأي عنها، وعدم الانخراط في أزمات إقليمية تفرضها علينا أطراف خارجية، وكفى ما تعرضنا له من فرقة كادت تقضي علينا. ويكفينا نحن معشر العرب والمسلمين أن الإسلام يجمعنا ولغتنا واحدة وهي لغة القرآن الكريم، هذا القرآن الذي اشتمل على النصوص كافّة التي تبين لنا جميعا كيف نكون يدا واحدا. ومن نعم المولى عز وجل علينا، أن لدينا الكثير من الروايات التي تبعث فينا الأمل إذا أخذنا بوحدة القيادة ووحدة الكلمة، فالأمة الإسلامية يشهد لها التاريخ كيف كانت قوية وعصية على الخضوع لأي قوى أجنبية طالما اتفقت على كلمة واحدة، وكانت قيادتها موحدة وحكمت بين الناس بالعدل.

وحري بنا في الشهر الفضيل ونحن أمة محمد أن نسترشد بما أرشدنا به رسولنا الكريم من أن المسلم للمسلم كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى، هذا في وقت نواجه فيه أزمات ومخاطر عاتية تتطلب جميعا ضرورة استلهام الحديث النبوي لكي تستمر وحدة المسلمين ولم الشمل العربي والإسلامي. ولدينا أيضا من القصص الكثير عندما انتشرت الفرقة والخلافات بين المسلمين فتمزقت الأمة وصارت دويلات متنازعة، وتفرقت كلمتهم وتعددت راياتهم، وصار لكل إقليم من بلاد الإسلام إمام وقائد. فرأينا للأسف أوضاعا لم تكن موجودة أيام قوة الإسلام وفتوحاته الضخمة، ورأينا للأسف أيضا أن الفقهاء ومعهم الأئمة اجتهدوا في البحث عن مسألة تعدد أئمة المسلمين وأمراء المؤمنين.
ودعائي إلى الله عز وجل أن ينولنا إياها وليكن سيد المرسلين شفيعا لنا لنجزى خير الجزاء على صيامنا وقيامنا.
عن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة.
يقول الصيام: أي رب إني منعته الطعام والشهوات بالنهار فشفعني فيه ويقول القرآن رب منعته النوم بالليل فشفعني فيه. فيشفعان.

كاتب ومحلل سياسي بحريني