القرار الخليجي الأهم

مقالات رأي و تحليلات الأربعاء ٢١/يونيو/٢٠١٧ ٠٤:٣٥ ص
القرار الخليجي الأهم

فريد أحمد حسن

أيام معدودات وينتهي شهر رمضان المبارك الذي وفق الله سبحانه وتعالى عباده المسلمين صيامه وقيامه وسيحتفلون بالعيد الذي يتمنى كل أهل الخليج العربي أن يصير هذه المرة عيدين، فالكل يأمل أن تنتهي الأزمة الطارئة على دول مجلس التعاون قبل أن يثبت هلال شوال وتعود المياه إلى مجاريها كي يواصل الجميع معا مشوار البناء والتنمية ولتتمكن هذه الدول من تأكيد نقش بصمتها في سجل الحضارة الإنسانية وفي سجل الدول المسالمة والمحبة للسلام لتوفر مثالا تقتدي به دول العالم عنوانه أنه لا توجد مشكلة عصية على الحل ولا ينبغي لأي مشكلة أن تطول وأنه لا يمكن لهذه الســـبحة الخليجــية أن تكر أيا كانت الأسباب ومهما كانت الظروف.

ليس بعيدا على الله سبحانه وتعالى تحقيق هذه الأمنية، ولعل العيد يصير بالفعل عيدين وتنتهي هذه الأزمة الغريبة على دول المجلس والتي يمكن -لو لم يتم السيطرة عليها سريعا ويترك للعقل والحكمة التعامل معها- أن تحيل المنطقة برمتها إلى جحيم، لهذا فإن الجميع يقدر الدور الذي تقوم به دولة الكويت والسلطنة لوضع حد لتفاقم المشكلة تمهيدا لإيجاد حل نهائي لها كي لا تكون كما القنبلة الموقوتة التي لا يعرف أحد متى تنفجر وتدمر كل ما في محيطها.

لعل الخطوة التي ينبغي اتخاذها بشكل عاجل كي لا تتفاقم المشكلة وتتعقد أكثر هي إصدار دول التعاون قرارا بـ «تضييق الحرية على الإعلام والإعلاميين» الذين من الطبيعي أن يدافع كل منهم عن وطنه والبلاد التي يعيش فيها لو لم يكن من أهلها، خصوصا بعدما تطورت الأمور ووصلت إلى حد تراشق العقلاء والمتزنين بالاتهامات فيما بينهم، فالإعلام الذي يمكنه أن يخدم ويكون سببا في حل أي مشكلة يمكنه أيضا أن يخذل ويكون سببا في تعقيدها وتوسيعها إن لم يتم التحكم فيه، لهذا فإن الحكمة تقتضي اتخاذ مثل هذا القرار الآن. والأمر نفسه فيما يخص الناشطين في وسائل التواصل الاجتماعي خصوصا وأن أغلبهم يجدف من دون أن يمتلك معلومات دقيقة أو صحيحة ولا يمتلك القدرة على التحليل لكن يمكنه أن يشعل فتنة وحربا لا تبقي ولا تذر، ذلك أنه في مشكلة كالتي تعيشها دول التعاون اليوم يمكن للكلمة أن تبرئ الجرح ويمكنها أن تزيده نزفا وألما.

هاتان الخطوتان مهمتان في هذه المرحلة ولا مفر من التعجيل بهما، على أن ترفدا بخطوة ثالثة هي حصر الأمر في يد قادة دول التعاون وحكوماتهم، ليس فقط لأنهم الأقدر على التوصل إلى حل للمشكلة واتخاذ القرارات وإنما لأنهم أيضا يمتلكون المعلومات التي لا يمتلكها الآخرون أو لا يمتلكون إلا جزءا منها، والتي تعينهم على اتخاذ القرارات المناسبة.

في المشاكل الكبيرة يكون الكلام العادي جارحا، وفي وضع كهذا الذي صارت فيه دول التعاون يكون بصر ذوي العلاقة بالمشكلة كما الحديد، لهذا فإن من الطبيعي أن يتحسس الجميع من كل كلمة تقال أو تكتب أو تقدم من خلال صورة أو رسم كاريكاتيري ويسهل على الجميع تصنيفها في باب السالب والمؤذي وقراءتها قراءة خاطئة، لذا فإن الأفضل والمهم هو الدفع في اتجاه التوقف عن التراشق الإعلامي ومنع استغلال العامة لوسائل التواصل الاجتماعي التي وإن كانت تعمل على تفريغ شحنة الغضب التي تسيطر على النفوس إلا أنها تتسبب في توسيع الفجوة بين أبناء الدول ذات العلاقة بالمشكلة والذين هم في كل الأحوال أبناء وطن واحد فيتسببون في فتح جرح يصعب التئامه سريعا.

مهم في هذه العجالة الإشارة إلى التغطية المتوازنة للإعلام العماني وطريقة متابعته لتطورات هذا الحدث الغريب على أهل الخليج العربي، إذ التزم هذا الإعلام بتوجيهات صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم -حفظه الله- في مثل هذه الحالات وحرص على أن يظهر حياديته وفي نفس الوقت يحاول أن يشارك في إطفاء نار المشكلة بدلا عن إذكائها، فمن تابع ويتابع التغطية الإعلامية العمانية لهذا الحدث يلاحظ كل هذا بسهولة ويتمنى لو أن الإعلام الخليجي كله يكون مثله في مثل هذه الظروف. وهذا يشمل أيضا الناشطين في وسائل التواصل الاجتماعي والمواقع الإلكترونية، إذ لم يتم رصد أي تغريدة يمكن أن تزيد النار اشتعالا أو تؤثر سلبا على العلاقة بين أبناء دول مجلس التعاون، بل على العكس، فقد بدا أن الجميع حريص على أن يكون له دور موجب فيسهم ولو بالكلمة في رأب الصدع وتهدئة النفوس وتطييب الخواطر.

ولأن من الصعب على إعلام الدول المتخاصمة ومستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي من أبنائها أن يتناولوا الأمر بالطريقة نفسها التي يتناول فيها الإعلام العماني ورواد تلك الوسائل من العمانيين كونهم على الحياد ويحرصون أن يشغلوا هذه المساحة دائما، لذا فإن الأفضل هو إلزام ذلك الإعلام ومستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي بالتوقف عن الذي يقومون به الآن وأن يكونوا بدلا عن ذلك «محضر خير» فيسهموا في حل المشكلة بدل أن يصير لهم دور في تعقيدها وتوسيع رقعة الخلاف بين أبناء منظومة التعاون.
وبالتأكيد لا يمكن اعتبار مثل هذه الخطوة -لو اتخذت- تكميما للأفواه وتضييقا على الحريات، إذ لا علاقة لمثل هذا القرار بكل هذا ولا يمكن اعتبار ما يمكن أن يندرج تحت باب كف الأذى وحفظ «السبحة» تضييقا على الحريات وربطا لها.

كاتب بحريني