الحرب الطويلة في أفغانستان

مقالات رأي و تحليلات الثلاثاء ٢٠/يونيو/٢٠١٧ ٠٤:٣٠ ص
الحرب الطويلة في أفغانستان

غراسيانا ديل كاستيلو

مع هيمنة الأزمة السورية على عناوين الأخبار، يولي عدد قليل من الناس الاهتمام بالحرب الأطول في أمريكا ففي الواقع في الأشهر الأولى من إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالكاد ذكرت الحرب في أفغانستان رغم وجود اثنين من ضباط الجيش ذوي الخبرة وهما وزير الدفاع جيم ماتيس ومستشار الأمن القومي هربرت ريموند ماكماستر في مناصب رئيسية وهذا يجب أن يتغير. إن الوضع في أفغانستان بعد خمسة عشر عاما من التدخل الفاشل خرج عن نطاق السيطرة وتعد حكومة الوحدة التي ظهرت بعد الانتخابات الرئاسية المتنازع عليها العام 2014 فاشلة والظروف الأمنية في تدهور سريع وفي الوقت نفسه هناك ارتفاع في إنتاج الأفيون، إذ تحتل أفغانستان حاليا المرتبة الثانية في العالم في مجال غسل الأموال (بعد إيران) وتستمر تدفقات اللاجئين الأفغان دون انقطاع في أوروبا وأماكن أخرى. لقد أدت الحرب في أفغانستان إلى خسائر هائلة، إذ تشمل الوفيات حتى الآن ما يقرب من 3500 جندي من قوات التحالف (حوالي 70 % منهم من القوات الأمريكية)، ونفس العدد من المقاولين وحوالي 100 ألف أفغاني (بما في ذلك قوات الأمن ومقاتلي المعارضة والمدنيين)، وقد أنفقت الولايات المتحدة منذ العام 2002 أكثر من 780 بليون دولار على الحرب أي ما يعادل تقريبا ميزانية الشؤون الخارجية الأمريكية بأكملها لأكثر من عقدين وستضيف النفقات الإضافية من خارج الميزانية بما في ذلك مدفوعات العجز والتعويض لأسر الجنود الذين سقطوا مئات البلايين من الدولارات إلى التكلفة الإجمالية للحرب.

كان من المفترض أن تنتهي الحرب في أفغانستان منذ فترة طويلة فالقوات الأمريكية لم تدخل البلاد لإعادة إعمارها أو إنشاء ديمقراطية ولكن هناك سلسلة من الأخطاء -وهي سياسات مدنية خاطئة وأولويات ليست في محلها من جانب الحكومة والجهات المانحة لها- عززت التجنيد بالنسبة للمجموعات التي يفترض أن تهزمها الولايات المتحدة الأمريكية بما في ذلك تنظيم القاعدة وحركة طالبان الأفغانية ومؤخرا داعش.

لقد كان الهدف من «بناء الأمة» واستراتيجية مكافحة التمرد التي رافقت زيادة الرئيس الأمريكي باراك أوباما للقوات في العام 2010 هو تحويل مسار الحرب وبدلا من ذلك، عندما غادرت القوات الأمريكية والقوات المتحالفة مناطق كان من المفترض أنه قد تم تطهيرها، سرعان ما عادت حركة طالبان وغيرها من الجماعات المتطرفة.
وتعكس الزيادة البالغة 43 في المئة في إنتاج الأفيون في العام الفائت فقط القوة المتزايدة لهذه المجموعات التي تستخدم الإيرادات من تهريب المخدرات لتمويل عملياتها ومن بين التدفقات السنوية العالمية التي تتراوح بين 430 و 450 طنا من الهيروين والمورفين فإن نحو 380 طنا يتم إنتاجها باستخدام الأفيون الأفغاني.
وقد سمح في الوقت نفسه لأفغانستان أن تقع في فخ المساعدات فقد صرفت الولايات المتحدة نحو 110 بلايين دولار لإعادة الإعمار الأفغاني (وإذا قمنا بتعديل هذا المبلغ لغايات التضخم سنجد أنه يعادل مبلغ 12.5 بليون دولار والذي يمثل تكلفة خطة مارشال لإعادة الإعمار في أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية)، وخصص ما يقرب من 70 بليون دولار من تلك الأموال لإنشاء وتمويل قوات الأمن الأفغانية وذهب مبلغ 40 بليون دولار إلى المصروفات غير العسكرية.
إن أفغانستان مع ذلك ورغم كل هذا الإنفاق لن تكون قادرة على الوقوف على قدميها لعقود مقبلة، وفي الفترة من العام 2002 إلى العام 2015 بلغ الناتج المحلي الإجمالي التراكمي للبلد 170 بليون دولار فقط، أما في العام 2016 فقد بلغ إجمالي الناتج المحلي 17 بليون دولار فقط أو 525 دولار للفرد الواحد، وبلغت المساعدات غير العسكرية من الولايات المتحدة وغيرها 50 % من الناتج المحلي الإجمالي في المتوسط كل عام منذ العام 2002، إذ تم تسليم هذه المساعدات بشكل مستمر من خلال نفس الوسائل غير الفعالة وحتى لو كان المفتش العام الأمريكي الخاص لإعادة إعمار أفغانستان وآخرين قد سلطوا مرارا وتكرارا الضوء على فداحة مشكلة تبذير الأموال والاحتيال وسوء المعاملة.
وبما أن إدارة ترامب تغير أولويات الولايات المتحدة في مجال السياسة الخارجية، يجب أن تكون الأولوية هي وضع إستراتيجية أكثر فعالية للعمليات الأمريكية في أفغانستان وبعد وضع هذه الاستراتيجية فقط يجب على الإدارة تلبية طلبات الجيش الأمريكي بإرسال المزيد من القوات.
لحسن الحظ فإن كل من ماتيس وماكمستر يعرفان أن مجرد إغداق المزيد من الأموال والقوات في أفغانستان لن يفي بالغرض وفي الواقع، شدد كلاهما على ضرورة دعم عمليات مكافحة التمرد بسياسات فعالة، بحيث لا توجد أعداء جدد وتؤجج الحاجة إلى «المزيد من الذخائر» وقد قام كبار الضباط المتقاعدون من جميع أسلحة القوات المسلحة الأمريكية بتطوير هذا المنطق وذلك بإخبار قادة الكونجرس أن مكافحة الإرهاب تتطلب معالجة أسبابه، مثل الافتقار إلى الفرص وانعدام الأمن والظلم واليأس.
سيحتاج القادة الأمريكيون إلى الانخراط في إعادة تفكير جذري وذلك لإيجاد سياسات أكثر فعالية من حيث التكلفة ومتكاملة وشاملة يستفيد منها معظم الأفغان وليس فقط القلة المميزون. وهناك مقترحات مختلفة مطروحة على الطاولة بما في ذلك مقترح لي شخصيا وهو إنشاء «مناطق إعادة الإعمار» واحدة تستهدف الإنتاج المحلي وأخرى تستهدف الصادرات والتي تدعم الانتعاش الاقتصادي.
ويمكن أن تساعد «مناطق إعادة الإعمار» أفغانستان الغنية بالموارد على الاستعاضة عن المعونة بالاستثمارات الأجنبية المباشرة وعائدات التصدير وسيعمل المستثمرون الأجانب من أجل دعم المجتمعات المحلية، مما يجعلهم ينتجون الأغذية والخدمات للاستهلاك المحلي، بدلا من تشريدهم، كما هو الحال في كثير من الأحيان وفي المقابل يتوجب على المجتمعات المحلية حماية «مناطق إعادة الإعمار» بحيث يمكن للمستثمرين الإنتاج للتصدير في خطر أمني أقل. وبعد خمسة عشر عاما من الصراع، يبدو أن إنهاء الحرب في أفغانستان لم يعد أمرا ملحا ولكن الحقيقة هي أنه أكثر إلحاحا من أي وقت مضى وليس فقط للحد من تدفقات اللاجئين إلى أوروبا وأماكن أخرى ولكن أيضا لتقويض جهود الإرهابيين للتجنيد علما أنه من خلال تشجيع «الاستثمار الذي له تأثير» من قبل أولئك الذين يسعون لتحقيق مكاسب اقتصادية وتقدم اجتماعي ومن خلال الدفع قدما بالمشاريع التي تعود بالفائدة على المستثمرين الأجانب والمجتمعات المحلية على حد سواء فإن إدارة ترامب قد تكون قادرة على عمل ذلك.

مؤلفة طرف مذنب: المجتمع الدولي في أفغانستان وهي عضو في مجلس العلاقات الخارجية الأمريكية