المدير الإقليمي لدول الخليج في البنك الدولي لـ"الشبيبة": إصلاحات الحكومة قادرة على تحفيز اقتصاد السلطنة

مؤشر الأحد ٢٨/مايو/٢٠١٧ ٠٤:٠٠ ص
المدير الإقليمي لدول الخليج في البنك الدولي لـ"الشبيبة":
إصلاحات الحكومة قادرة على تحفيز اقتصاد السلطنة

مسقط فريد قمر
يؤكد المدير الإقليمي لدول مجلس التعاون الخليجي في البنك الدولي د.نادر عبد اللطيف محمد أن حكومة السلطنة اتخذت "تدابير مواتية وفي الاتجاه الصحيح" في تحسين بيئة العمل وتمكين الأعمال التجارية في السلطنة وذلك من خلال البرنامج الوطني لتعزيز التنويع الاقتصادي "تنفيذ"، ومن خلال وضع خطط استراتيجية تهدف إلى تنويع مصادر الدخل ودعم النمو الذي يقوده القطاع الخاص.
ويتوقع في مقابلة مع "الشبيبة" عبر البريد الإلكتروني، أن تؤدي الإصلاحات المواتية للأعمال التجارية مثل قانون الملكية الأجنبية وقانون الاستثمار الأجنبي المباشر إلى زيادة فرص التجارة والاستثمار تدريجياً والبدء في تحفيز النمو.

- أعلن البنك الدولي أن السلطنة تنفذ عدداً من البرامج مع البنك الدولي، فما هي هذه البرامج؟

البنك الدولي هو بالأساس "بنك للمعرفة" في مجال التنمية الاقتصادية نظراً لخبرته الطويلة والعميقة في جميع أنحاء العالم في التصدي لمختلف التحديات الإنمائية. فالبنك يساعد في الجهود التي تبذلها بلدان كثيرة من أجل تعزيز وضع السياسات الاقتصادية وتنفيذها، وبعض البلدان تطلب المساعدة المالية للمساعدة في هذا الصدد. والسلطنة وغيرها من دول مجلس التعاون الخليجي لديها موارد مالية كافية، ولذلك فهي تطلب فقط المعرفة الاقتصادية والمشورة في مجال السياسات الاقتصادية والمساعدة الفنية من البنك الدولي. وبوصفه مؤسسة إنمائية دولية، وليس شركة خاصة، يقدم البنك الدولي هذه المساعدة بتكلفة.
وبناء على طلب من مختلف الوزارات، وبتيسير من وزارة المالية، يدعم البنك الدولي جهود الحكومة الرامية إلى تحديث الاقتصاد وتوفير فرص عمل أكثر وأفضل للمواطنين العمانيين. وفي سبيل تحقيق هذه الغاية، ساعد البنك الدولي على تحديث نظم الميزانية وتحسين كفاءة وفعالية استخدام الميزانية؛ كما ساعد في إعداد خطة التنمية التاسعة مع زيادة التركيز على النمو والتنويع، وساعد على تحديث نظم الدفع بالتعاون مع البنك المركزي. وقد ساعد البنك في تحديد المعوقات الرئيسية التي تواجه القطاع الخاص، وساعد في إعداد قانون جديد للاستثمار، وفي تحديث البيئة القانونية والتنظيمية للشراكة بين القطاعين العام والخاص.
وفيما يتعلق بالدعم المقدم في مجالات محددة، ساعدنا كذلك في جعل الاستراتيجية الجديدة لمصايد الأسماك أكثر استجابة لاحتياجات مجتمع الصيد وفي فصل صياغة السياسات عن تقديم الخدمات في قطاع النقل للسماح للقطاع الخاص بالاستثمار في هذا المجال، وساعدنا البرامج الاجتماعية على تركيز مساعدتها إذ تدعو الحاجة إليها، وكذلك على تحسين النظم التي تساعد المستفيدين من المساعدة الاجتماعية على أن يصبحوا مستقلين من خلال البحث عن فرص عمل.

تحديات القطاع الخاص

- ما هي العقبات التي تواجه القطاع الخاص في السلطنة؟

قام البنك الدولي، بالشراكة مع المجلس الأعلى للتخطيط، بالمساعدة في وضع "تقييم النمو في القطاع الخاص"، استناداً إلى دراسة استقصائية للمؤسسات شملت 485 مؤسسة؛ وكذلك وضع "تقييم آفاق تنويع الصادرات" للسلطنة ويهدف كلا التقييمين إلى تغذية خطة التنمية الخمسية التاسعة ورؤية عمان 2040، ولذلك فقد استهدف التقييمان جميع قطاعات القطاع الخاص. كما تعاون البنك الدولي أيضا مع وزارة التجارة والصناعة للمساعدة في وضع قانون جديد للاستثمار الأجنبي المباشر يهدف إلى تعزيز الاستثمارات الأجنبية المباشرة الاستراتيجية، وجذبها والاحتفاظ بها ونموها في السلطنة.
وكشف مسح المؤسسات عن العوائق الرئيسية التي تواجه الشركات في السلطنة، إذ تصدّر "الحصول على الأراضي" قائمة القيود التي تواجهها الشركات. وما زالت لوائح وأنظمة العمل تشكل عائقاً رئيسياً في السلطنة، يشمل عوامل مثل حصص التعمين، والوقت، والإجراءات اللازمة للحصول على مأذونيات عمل للوافدين، وكذلك الحد الأدنى لأجور العاملين العمانيين في القطاع الخاص. وكذلك ما زالت مهارات العمل تشكل عائقاً رئيساً آخر عندما يتعلق الأمر بمستوى مهارة العاملين في القطاع الخاص. وتأتي إمكانية الحصول على التمويل في مرتبة تالية على قائمة القيود والعوائق، ويبدو أنها تشكل عائقا أشد نسبيا بالنسبة للشركات المتوسطة الحجم مقارنة بالشركات الصغيرة والكبيرة.
ويؤيد البنك الدولي تعزيز الحكومة لدور المؤسسات الوطنية في وضع الاستراتيجيات وخطط التنفيذ. ومجالات الإصلاح الأولية الخمسة التي يوصي البنك الدولي بها من أجل تعزيز القطاع الخاص هي: تحسين البيئة القانونية والتنظيمية ودعم الإصلاحات المؤسسية لتمكين نمو القطاع الخاص ومشاركته في حوار السياسات، بناء النظام الإيكولوجي لريادة الأعمال وثقافة العمل الحر، دعم تنمية الأنشطة ذات القيمة المضافة العالية، مع التركيز على الصادرات والبحث عن الاستثمار الأجنبي المباشر الذي يسعى إلى تحقيق الكفاءة، وتعزيز تنمية المهارات والإنتاجية على مستوى الشركات والابتكار، وتيسير الوصول إلى العوامل الرئيسية للإنتاج، بما في ذلك القوى العاملة والأراضي وتمويل المشاريع الصغيرة والمتوسطة.

مناخ الاستثمار

- كيف ترى مناخ الاستثمار في السلطنة؟ وكيف تقيّم الخطوات التي تتخذها الحكومة؟
إن تحسين بيئة العمل من أجل تمكين الأعمال التجارية في السلطنة هو أمر بالغ الأهمية بالنسبة للأهداف الاقتصادية الوطنية. ولمعالجة الإصلاحات في بيئة الأعمال ينبغي اتباع نهج شامل مع جدول أعمال واضح وواقعي. إن حكومة السلطنة تدرك أن توفير فرص العمل في القطاع الخاص أمر ضروري لمواجهة عجز القطاع العام عن توفير فرص عمل لعدد متزايد من الداخلين الجدد إلى سوق العمل. ولذلك فقد وضعت الحكومة خططاً استراتيجية تهدف إلى تنويع مصادر الدخل ودعم النمو الذي يقوده القطاع الخاص.
وعلاوة على ذلك، فقد أنشأت الحكومة مؤخراً البرنامج الوطني لتعزيز التنويع الاقتصادي "تنفيذ"، وهو وحدة تنفيذ وتنسيق مركزية للحكومة. ويقوم برنامج تنفيذ الآن بتنسيق ورصد تنفيذ خطط الحكومة وفقاً لمجموعة محددة من مؤشرات الأداء الرئيسية، مع مؤسسات القطاع العام ذات الصلة؛ وتوفير أماكن لإجراء حوار مستمر ومتسق مع القطاع الخاص من خلال مختبرات مواضيعية. وهذه كلها تدابير مواتية وفي الاتجاه الصحيح.

- حاولت السلطنة مؤخراً تنفيذ سلسلة من الإصلاحات الاقتصادية. هل تعتقد أنها قادرة على تحفيز الوضع الاقتصادي؟

بالتأكيد، فقد نفذت الحكومة أيضا عدداً من الإصلاحات المالية المهمة اللازمة لاحتواء العجز في الميزانية في أعقاب صدمة انخفاض أسعار النفط في العام 2014، وما زالت تثبت التزامها في هذا الصدد إذ اعتمدت مؤخراً تدابير جديدة مثل زيادة تعرفة الكهرباء وفرض ضريبة الدخل على الشركات وهو ما سيساعد على توسيع قاعدة الإيرادات غير النفطية. ورغم أن هذا التقشف في الإنفاق قد يؤثر سلباً على النمو على المدى القصير، فإن الجهود المتواصلة في ضبط أوضاع المالية العامة مهمة للحفاظ على الاستدامة المالية ودعم النمو الاقتصادي على المدى الطويل. ومن ناحية أخرى، فإن صدمة النفط تتيح أيضا فرصة للإصلاحات الهيكلية، لتعزيز النمو على المدى الطويل وتوفير فرص العمل. ومن المتوقع أن تؤدي بعض الإصلاحات المواتية للأعمال التجارية مثل السماح للملكية الأجنبية للشركات بنسبة 100% وتنفيذ قانون الاستثمار الأجنبي المباشر وتحرير القطاعات الرئيسية، إلى زيادة الاستثمار تدريجياً وتحفيز النمو الاقتصادي في المستقبل.

التنويع الاقتصادي
- كيف تقيّم برنامج التنويع الاقتصادي الذي أطلقته السلطنة؟

تواصل الحكومة التزامها بأجندة التنويع من خلال برنامج "تنفيذ" والإصلاحات الأخرى المتعلقة ببيئة الأعمال. إن تركيز السلطنة على التنويع في رؤيتها على المدى الطويل (2020 والرؤية القادمة 2040) هو إجراء في الوقت المناسب وضروري لإعداد السلطنة للتنافس مع جيرانها ذوي الأداء السريع وللاستعداد لعصر ما بعد النفط في الوقت الذي يتحرك فيه العالم نحو مزيد من مصادر الطاقة المتجددة. ونشجع السلطنة على مواصلة التركيز على الإصلاحات المواتية لقطاع الأعمال وسوق العمل والتعليم لتحفيز القطاع الخاص وتوفير فرص العمل؛ وضمان أن تخفف شبكات الضمان الاجتماعي بشكل ملائم من الأثر السلبي للإصلاح المالي؛ ومراقبة المخاطر المالية الناشئة التي قد تنشأ بسبب بيئة انخفاض أسعار النفط الحالية.

قطاع النقل وفرص العمل

- ما هو المتوقع من قطاع النقل، الذي هو جزء من تعاون السلطنة مع البنك الدولي؟

أجرى البنك الدولي في العام 2014 دراسة لوزارة النقل والاتصالات في السلطنة حددت الهياكل المؤسسية والإدارية الأكثر كفاءة لقطاع النقل. ومنذ ذلك الحين، لم يشارك البنك الدولي بشكل مباشر في قطاع النقل، ولكننا نأمل في العودة للمشاركة قريباً في هذا القطاع المهم.
إن توقعات قطاع النقل في سلطنة عمان مبينة بشكل جيد في "رؤية قطاع النقل"، والتي ندعمها بقوة. وتهدف السلطنة إلى أن تصبح إحدى الدول الرائدة في قطاع النقل والاتصالات من خلال توفير خدمات عالية الجودة ودائمة التوفر ومستدامة، مع مراعاة مسؤولياتها الاجتماعية وبخاصة السلامة على الطرق، ووضع السلطنة بين أكبر عشر دول في الأداء اللوجستي على مستوى العالم، بحلول العام 2040. إن الدور الذي يجب أن يلعبه قطاع النقل من أجل تحقيق استراتيجية السلطنة اللوجستية لعام 2040 هو ربما أهم إسهامات قطاع النقل في أجندة النمو والتنويع الاقتصادي في السلطنة.

- ما الذي يمكن للسلطنة القيام به لدعم توفير فرص العمل؟
تشير نتائج التقييمات التي أجراها البنك الدولي إلى ضرورة اتباع نهج جديد لتخفيف تنظيمات ولوائح العمل، وفتح سوق العمل للاستجابة لمطالب القطاع الخاص، ودعم السياسات الذكية على المستوى الكلي وتقديم حوافز موجهة نحو السوق للمواطنين العمانيين. وسيساعد ذلك على جذب المواهب ذات المهارات العالية والعاملين ذوي الخبرة الذين تحتاج إليهم الصناعات المتنامية. هناك توجه مؤخراً في اقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي نحو تكافؤ الفرص من خلال تطبيق ممارسات التوطين (التعمين في السلطنة) في القوى العاملة من خلال فرض ضرائب، ورسوم إضافية على القوى العاملة الوافدة. ورغم أن هذه الأمور ستوجد مثبطات لتوظيف القوى العاملة الوافدة، فإنها ستوجد تشوهات في السوق وعدم كفاءة اقتصادية في وقت لاحق. نحن نرى بضرورة تقييم الآثار الاقتصادية الكاملة لهذه التدابير بعناية قبل وضع السياسات. وقد وجد التقييم أنه سيكون من مصلحة السلطنة إلغاء نظام نسبة التعمين الصارم أو تخفيفه لأنه على ما يبدو غير فعال. ويمكن للحكومة بدلا من ذلك أن تضع حوافز سياسات ذكية على المستوى الكلي.
ونحن نشجع الحكومة على دراسة التدابير التالية:
- تقليص الفجوة في الأجور بين القطاعين العام والخاص من خلال ربط مؤشر الزيادة في الأجور بمؤشر التضخم أو مؤشرات أخرى، وإدخال زيادات في الأجور على أساس الأداء، والحد من المزايا والحوافز في القطاع العام (الإجازات وساعات العمل وما إلى ذلك).
- إزالة الحواجز التنظيمية لضمان فتح سوق العمل لجذب المواهب ذات المهارات العالية اللازمة للصناعات المتنامية.
- إلغاء الإعانات المالية في الاقتصاد (العمال الوافدون يتمتعون بإعانات شاملة من الأغذية إلى الطاقة والكهرباء وما إلى ذلك). وسيؤدي خفض هذه الإعانات إلى تحقيق نتائج أفضل على المديين المتوسط والطويل.
- الابتعاد عن أنظمة الحصص التي لم تنجح والتي أضافت تكاليف زائدة إلى شركات القطاع الخاص، وتحسين استخدام الحوافز لتوفير المزيد من فرص العمل في القطاع الخاص. على سبيل المثال، في المملكة العربية السعودية يتم استخدام الرسوم المحصلة من القوى العاملة الوافدة من خلال صندوق تنمية الموارد البشرية الذي يمكنه استخدام بعض هذه العائدات لتوفير حوافز للقطاع الخاص (على غرار الكويت) أو إطلاق تجارب لتنشيط السوق.
- تغيير العقد الاجتماعي في الأجلين المتوسط والطويل. فيجب تغيير تصور استحقاق وظائف القطاع العام، ويجب تشجيع الناس على الانتقال إلى القطاع الخاص. كما يجب أن تسير إعانات البطالة الذكية أو غيرها من أشكال شبكة الضمان الاجتماعي المعززة جنبا إلى جنب مع نهاية ضمان الوظائف في القطاع العام.
- تغيير النظرة إلى العمال الأجانب. إن أي زيادة في عدد العمال الأجانب تؤدي إلى توفير فرص عمل بشكل غير مباشر في أجزاء أخرى من الاقتصاد (الخدمات الصحية والخدمات المالية والخدمات القانونية وخدمات التجزئة والسياحة والإسكان وخدمات النقل). لذلك، فإن كان هناك شركة يعمل بها نسبة 100% عمال وافدون وتضيف قيمة (وكذلك ضرائب) فإنها ستوفر فرص عمل غير مباشرة في القطاعات التي يعمل فيها المواطنون بالأساس.

التوقعات الاقتصادية

- في ظل احتمال أن تظل أسعار النفط على حالها في المستقبل المنظور، كيف تنظرون إلى آفاق الاقتصاد الخليجي بشكل عام واقتصاد عمان بشكل خاص؟

من المتوقع أن تؤدي التخفيضات في الإنتاج التي تفرضها منظمة أوبك إلى تقييد النمو الإجمالي لدول مجلس التعاون الخليجي في العام 2017. ومع ذلك فإنه من المتوقع أن يتعافى الاقتصاد غير النفطي تدريجياً مع تحسن الإيرادات من الانتعاش الطفيف في أسعار النفط مما يتيح المجال لمزيد من توسع السياسة المالية، ومع ارتفاع الودائع الذي يزيد من القدرة التمويلية للإقراض المصرفي. ومع ذلك فإن مدى الانتعاش سيعتمد على قدرة كل بلد على الاستفادة من الظروف المحسنة من خلال التنفيذ الناجح لبرامج التنويع والإصلاح المتواصل لمناخ الأعمال التجارية.
وفي ضوء التزام السلطنة المستمر بالتقشف، من المتوقع حدوث تباطؤ آخر في النمو الاقتصادي في العام 2017. ومن المتوقع أن ينخفض إنتاج النفط نتيجة لاتفاق أوبك مما سيؤثر بشدة على حجم الصادرات. ولكن على المدى المتوسط، من المتوقع أن ينتعش النمو تدريجيا ليصل إلى حوالي 3% بحلول العام 2019، إذ إن انتعاش أسعار النفط يحسن الثقة ويشجع الاستثمار. ومن المتوقع أن تؤدي الإصلاحات المواتية للأعمال التجارية مثل قانون الملكية الأجنبية وقانون الاستثمار الأجنبي المباشر ورفع العقوبات المفروضة على إيران إلى زيادة فرص التجارة والاستثمار تدريجيا والبدء في تحفيز النمو. ولكن من المهم هنا أن نشير إلى أن الانتعاش الناجح للنمو الاقتصادي في اللازم لتأمين فرص العمل في السلطنة يتوقف على تنفيذ إصلاحات التنويع في الوقت المناسب.