مكافحة الإرهاب.. الحلقة المفقودة!

مقالات رأي و تحليلات الخميس ٢٥/مايو/٢٠١٧ ٠٤:٢٥ ص
مكافحة الإرهاب.. الحلقة المفقودة!

علي ناجي الرعوي

لم يأت خطاب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أمام قادة وممثلي أكثر من 50 دولة عربية وإسلامية في 21 مايو الجاري بالرياض حول الإرهاب ومواجهة ايديولوجيته المتطرفة بجديد يذكر عدى أن هذا الخطاب قد خلى من تلك النبرة الدرامية التي تربط بين الإسلام والإرهاب فقد اضطر الرئيس ترامب للتوقف بشكل مؤقت عن هذا الربط الذي يدخل ضمن قناعاته الشخصية تحت إلحاح بعض معاونيه لكونه الذي سيخاطب نخبة من قادة العالم الإسلامي يؤمنون بأن الإسلام هو دين ينبذ التطرف والغلو والتشدد ويدعو الى التسامح.. أما غير ذلك فإن مضمون ومحتوى الخطاب لم يخرج عن سياق الفلسفة البراغماتية الأمريكية التي تستخدم وتوظف التطرف والعنف والإرهاب الديني والاجتماعي لأهداف سياسية واقتصادية تتناقض مع مصالح الشعوب والأمم وجوهر رسالة الأديان وتتجلى حقيقة ذلك في انه وبالرغم من كل الجهود والفعاليات التي بذلت على نطاق كبح انفعال هذه الظاهرة من قبل دول العالم كافة خلال العقدين الفائتين فإن ظاهرة التطرف ظلت في تصاعد وانتشار والأخطر من ذلك هو تحولها إلى بنى مؤسسية لتبرير سياسات القهر والظلم.

خطاب ترامب في الرياض لم يختلف على الصعيد العملي كثيراً عن خطاب أوباما الشهير بجامعة القاهرة العام 2009 والذي وجهه مع بداية رئاسته إلى العالم الإسلامي فكلاهما تحدثا عن جدية واشنطن في مواجهة الإرهاب وهزيمة القاعدة وداعش وأخواتهما من التيارات المتطرفة وكلاهما بشراً بعلاقات جديدة مع العالم الإسلامي تقوم على الاحترام والمصالح المشتركة.. ومع ذلك فقد رأينا في نهاية رئاسة أوباما أن لا شيء تحقق من تلك الوعود وأن خطابه الذي بدأه بعبارة (السلام عليكم) باللغة العربية ذهب مع إدراج الرياح الأمر نفسه الذي قد يتكرر مع ترامب هذا إن لم نكتشف عما قريب أن الخلف يسير على خطى السلف وان كلاهما ينتمي إلى ذات الفلسفة البراغماتية الأمريكية بوجوهها المتعددة التي لا تتورع عن استخدام ظاهرة التطرف والإرهاب لتمرير أجندات واشنطن وتدخلاتها في شؤون الآخرين ومنحها الحق في استنزاف وابتزاز البلدان العربية والإسلامية والنيل من مقدراتها واستقرارها وإخضاعها لإملاءات السياسة الأمريكية.

لا أعرف إلى أي مدى كان الرئيس ترامب مقتنعا بما قاله في خطابه أمام قادة العالم الإسلامي بالرياض سيما وهو من أعاد في ذلك الخطاب الكرة إلى ملعب أولئك القادة بتذكيرهم أن 90 % من ضحايا الإرهاب مسلمون ومعظم من يعتنقون الفكر المتطرف ويقاتلون مع تنظيم الدولة (داعش) في العراق وسوريا هم من أبناء هذه المنطقة لكن ما ازعم معرفته أن هذا الخطاب يأتي بعد أربعة شهور من توليه منصبه وأنه من أراد من وراء الخطاب ومضمونه وتوقيته إعادة جزء من شعبيته الداخلية التي تهاوت مؤخراً بصورة غير مسبوقـــة نتيجة خضوع بعض مساعديه للتحقيق علاوة على ما يتعرض له من اتهام بضعف الدراية بمسئوليـــات الرئاســة وطريقة ممارساتها وحدودها وبالتالي فقد كان اللقاء مع قادة العالم الإسلامي بالرياض فرصة له ليعلن من خلاله وبمناسبته عن الصفقات التي عقدها مع قـــادة المملكة والمخطط الوصـــول بها الى 350 بليون دولار وهو ما يعني أن الرئيس ترامب كان يرغـــب من خلال ذلك الخطاب في أن يرى ناخبوه أنه الذي يفي بوعـــوده الانتخابية فيما يتعلق بإيجاد فرص عمل جديدة في الداخل الأمريكي وانه قادر أكثر من غيره على توسيع دائرة المصالح الأمريكية وجعل بلاده جديرة بإدارة النظام الدولي برمته فضلا عن تحميل الدول العربية والإسلامية كلفة الحرب على الإرهاب وإعفاء بلاده من هذه الكلفة.
ليس خافيا أن كل ما سبق وثيق الصلة بعنصر كان مفقودا أيام إدارة الرئيس السابق باراك أوباما والذي كان يتجه الى تقليص الوجود الأمريكي في منطقة الشرق الأوسط فيما أن الرئيس ترامب يسعى منذ اليوم الأول لوصوله إلى البيت الأبيض إلى إعادة واشنطن كلاعب مباشر في أحداث المنطقة بتوجه إيديولوجي تصادمي وقد برز هذا النهج واضحاً ومكشوفاً ضمن خطابه بالقمة الأمريكية العربية الإسلامية بالرياض إذ أنه وفي الوقت الذي بدا فيه الرئيس ترامب مشدوداً إلى حد كبير لفكرة تكوين تحالف سياسي وعسكري يكون عنوانه (مواجهة الإرهاب) فإنه الذي أشار في ذات الوقت إلى أن الخطر الحقيقي يتمثل اليوم في إيران و تمدد نفوذها وهو ما يدل على أن هناك مسعى أمريكيا لتهويل التهديد الإيراني من اجل تعبئة دول المنطقة ضد طهران واعتبارها رأس الإرهاب وذلك يعني أننا إزاء مصيدة جديدة تنصب لدول المنطقة من شأنها أن تغرقها في صراع لا يراد من ورائه بالأساس ضرب إيران بل استثمار هذا الصراع وتوظيفه من اجل ابتلاع ما تبقى من ثروات المنطقة.

مهما اختلفت القراءات حول طبيعة استراتيجية الرئيس ترامب للتصدي لظاهرة التطرف والإرهاب العابرة للحدود فإن مثل هذه الاستراتيجية لن تفضى إلى نتائج ملموسة ولن تكون سوى محطة أخرى من محطات الفشل الأمريكي الذريع في التعاطي مع معضلة الإرهاب وفي إيجاد حل حقيقي وجــذري لأسبابـــه فاي استراتيجية لا تأخذ بعين الاعتبــار كل عناصر المشكلة فإنها التي ستحكم على نفسها بالفشل الحتمي ويقينا أن استراتيجيـــة ترامب والتي عرض بعض خطوطها في قمة الرياض انتهجت ذات المقاربـــة التـــي سبق وان جاءت في خطتي بوش الابـــن ومـــن بعده أوباما واللتين اعتمدتا على الخيـــار العسكـــري لتصبح هذه المواجهة شيئا فشيئا حرب بلا نهاية وهو ما كان متوقعا بالنظر إلى أن تلكما الاستراتيجيتن لمكافحة الإرهاب ظلتا بعيدتان عن القضايا البنيوية التي تغذي التطرف ومن ذلك استمرار التوترات والحـــروب فــي عـــدد من بلدان المنطقة دون حل بالتلازم مع تفشي حالة الفقر والحرمان والتي أسهمت هي الأخرى في تصاعد العنف كطريقة وحيدة للهروب من تلك الأزمات.

كان نعومي تشوماسكي واضحاً وعميقاً وهو يتحدث للنخب الحاكمة في الغرب عن الأضرار الكبيرة والمدمرة لخيار استخدام العمل العسكري في محاربة الإرهاب أو في السعي لتحقيق أمن الدول الغربية داعياً إلى إيجاد استراتيجية تراعي ظروف ومشكلات المجتمعات التي يأتي أو ينمو فيها الإرهاب ما قاله تشوماسكي كان بالتأكيد قبل الأحداث الأخيرة التي شهدتها بريطانيا والتي كشفت عن أن المواطن في الغرب لا يستطيع أن يتحمل أخطاء استراتيجيات لا تعمل على محاصرة الإرهاب بقدر ما تؤدي إلى تفشيه وتكاثره وخروجه عن السيطرة.