تغيير الخطاب حول هايتي

مقالات رأي و تحليلات الخميس ٢٥/مايو/٢٠١٧ ٠٤:٢٥ ص
تغيير الخطاب حول هايتي

بيورن لومبورج

من الصعب تحديد أولويات بدائل الإنفاق في كل بلد. إلا أنه يشكل تحديا خاصا في هايتي، إذ إن الحكومة المنتخبة حديثا، بعد سنوات من السياسة المتقلبة، تسعى جاهدة لتوسيع الاقتصاد وتحسين ظروف العيش في الوقت الذي تواجه فيه العواقب المتبقية لزلزال العام 2010 المدمر.

كل حكومة لديها موارد محدودة، لكن هايتي لديها ميزانية سنوية تبلغ 2 بليون دولار فقط، مع تخصيص المانحين الأجانب بليون دولار آخر. وبغية وضع هذا العدد في السياق، تبلغ الميزانية السنوية لبلدين من نفس الحجم، وهما الجمهورية التشيكية والسويد، 74 بليون دولار و 250 بليون دولار على التوالي.

إن القصة الأكثر شيوعا التي نسمعها عن هايتي هي أنها إحدى البلدان الفقيرة جدا - «أفقر بلد في النصف الغربي للكرة الأرضية»، مع ضعف البنية الأساسية والمشاكل الصحية التي تشمل أعلى معدلات وفيات الرضع والأطفال دون سن الخامسة والأمهات في المنطقة.
ومع ذلك، فإن التركيز على المشاكل لا يساعدنا في معرفة المجال الذي يمكن للمانحين أو حكومة هايتي أن يُحدثوا فيه أكبر إصلاح أو تغيير. وهناك مشروع بحثي جديد، «هايتي بريوريس»، بتمويل من الحكومة الكندية ويقوده مركز دراسات، إذ قام مركز «إجماع كوبنهاغن» بشيء مماثل، من خلال توليد بيانات عن أقوى الفرص لتعزيز الازدهار والصحة للأجيال.
وقد كلفت هايتي بريوريس 45 ورقة بحثية حول التكلفة والفوائد قام بها اقتصاديون (ثلثهم من موظفي الدولة في هايتي). واعتمد كل فريق من الباحثين نهجاً موحداً ودرس مقترحات متنوعة مثل ربط المزارعين بالسوق الدولية للكربون وتحسين إنتاج الأرز وإنشاء نظم للإنذار بالفيضانات وأوجد إجازة أبوة مدفوعة الأجر من أجل إدماج أكبر عدد النساء في القوى العاملة الرسمية وتعليم الأطفال الصغار بلغتهم الأم «الكريول» بدلا من الفرنسية.
ونظرت لجنة بارزة من ثلاثة خبراء اقتصاديين شهيرين من هايتي وخبير اقتصادي حائز على جائزة نوبل في الولايات المتحدة في جميع المقترحات المحددة البالغ عددها 85 مقترحاً، وأجرت مقابلات مع مؤلفي البحوث قبل إصدار قائمة ذات أولوية، والتي قاموا بعرضها على الرئيس جوفينيل مويس. في قائمة العشرة الأوائل هناك ستة مقترحات تستفيد من المدة القصيرة قبل وبعد الولادة عندما يحصل أكبر تغيير في حياة الطفل.
الوصول إلى التحفيز التعليمي في سن مبكر جدا يمكن أن يهيئ الظروف للنجاح لاحقا للشخص. وأظهر الباحث الاقتصادي أتونو رباني أن سنتين من دورات اللعب التي يقودها المعلم ستكلف حوالي 157 دولارا للتلميذ الواحد. وتشير تجربة بحثية مشهورة وطويلة الأجل في جامايكا إلى أن مثل هذا المشروع سيؤدي على الأرجح إلى زيادة بنسبة 35٪ في الأرباح المستقبلية. ومن شأن كل دولار يُنفق أن يولد عائدا بقيمة 17 دولار إلى هايتي.
ومن أجل تحقيق فوائد قصيرة الأجل، فإن من شأن رفع تغطية التحصين للرضع إلى 90٪ بحلول العام 2020 أن يحمي أكثر من 16.000 حياة طفل على مدى السنوات الخمس المقبلة، وفقا لبحث أجراه ماغدين فلور روزير بالدي من وزارة التخطيط في هايتي. ومن شأن ذلك أن يكلف 36 مليون دولار فقط على مدى خمس سنوات، مما يحقق فوائد تبلغ 13 دولار على كل دولار يُنفق.
وبالمثل، أقر الفريق زيادة الرعاية الصحية للأمهات والمواليد الجدد. وبتكلفة 23.5 مليون دولار في السنة، فإن هذا التدخل سيخفض وفيات الأمهات بنسبة 65 في المائة وينقذ أكثر من 5000 طفل، وينفق كل دولار 18 دولاراً في شكل إعانات اجتماعية.
وأيدت اللجنة، بوصفه ثاني أعلى أولوية لها، الاستثمار في الحد من آفة نقص المغذيات الدقيقة «الخفية». كما اقترح ستيفن فوستي من جامعة كاليفورنيا، ديفيس والمؤلفين المشاركين إضافة الحديد وحمض الفوليك إلى دقيق القمح عندما يتم طحنه أو وضعه في أكياس. هذا «التحصين» شائع في العديد من البلدان، ويمكن تكييفه لإضافة المغذيات الدقيقة إلى أي غذاء أساسي.
وسيكون لهذا البرنامج أكبر أثر بالنسبة للنساء الحوامل والأطفال الصغار. إن إنفاق حوالي 5 ملايين دولار على مدى عشر سنوات لتحصين 95 % من دقيق القمح سيمنع سنويا 140 حالة وفاة بسبب عيوب الأنبوب العصبي وسينقد أكثر من 250.000 حالة بسبب فقر الدم.
وتكشف نتائج الفريق عن فوائد قوية ودائمة للاستثمارات التي تركز على السنوات الأولى والأكثر أهمية بالنسبة للطفل. لكن أن يتمكن هؤلاء الأطفال يوما ما من المساهمة بشكل مفيد في هايتي يتطلب تحسين ظروف ممارسة الأعمال التجارية. كثير من الناس يعتقدون أن أكبر حاجز أمام الاقتصاد هو عدم وجود الكهرباء الأساسي. والاقتراح الرفيع المستوى الذي قدمه الفريق البارز هو إصلاح المرافق العامة، وبالخصوص مؤسسة الكهرباء بهايتي.
إن الإصلاح أمر لا مفر منه. وتتطلب مؤسسة الكهرباء الدولية إعانة سنوية قدرها 200 مليون دولار، أو عُشُر ميزانية هايتي بأكملها. حوالي 70 % من الكهرباء المنتجة يتم فقدانها أو سرقتها. ولا يحصل سوى أقل من ثلث الأسر على الكهرباء، ولمدة من 5 إلى 15 ساعة في اليوم فقط، مما يترك الكثيرين في الظلام ويجبر الشركات على شراء مولدات ديزل الباهظة الثمن.
ويستهلك المواطن الهايتي العادي 39 كيلوواط ساعة سنويا - حوالي 10 % من متوسط الاستهلاك في غانا، وأقل مما هو مطلوب لتشغيل ثلاجة أمريكية متوسطة لمدة شهر واحد. وكشف خوان بيلت، بهمن كاشي، وجاي ماكينون من تحليلات الحجر الجيري أن إصلاح الكهرباء يمكن أن يتطلب نحو 33.3 مليون دولار.
واستناداً إلى الدروس المستفادة من الإصلاحات في أفغانستان وتجربتهم في هايتي، يقترح بيلت وكاشي وماكينون تغيير الإطار المؤسسي والتنظيمي لقطاع الطاقة، وإضفاء الطابع المؤسسي على كهرباء هايتي، ووضع تعريفات تعكس التكاليف. وإذا نجحت المرحلة الثانية من الإصلاح، فستوفر صناديق استثمار محدودة لمواصلة تحسين تقديم الخدمات والكفاءة المالية.
وستكون النتيجة عبارة عن انخفاض كبير في خسائر الكهرباء - والكهرباء الأساسي. فكل دولار ينفق سيولد 22 دولار من المزايا الاجتماعية. وكما لاحظ كيزنر فاريل، الخبير الاقتصادي الهايتي، إن استنزاف الميزانية البالغ 200 مليون دولار «يمكن أن ينفق على نحو أفضل في مجالات مثل الصحة والتعليم، لتحقيق المزيد من أجل هايتي».
وهذا هو الهدف من جميع الاستثمارات التي أبرزها مشروع البحث «هايتي بريوريس». ويوفر البحث للمنظمات غير الحكومية والمسؤولين الحكوميين الذخائر الفكرية للدعوة للحصول على مزيد من التمويل للحلول الفعالة، ويوفر للمانحين والمسؤولين المنتخبين ثروة من البيانات يمكن الاعتماد عليها لاتخاذ قرارات صعبة. إن إعطاء الأولوية للمشاكل، ومن ثم فإن التركيز على الحلول الأكثر فعالية من شأنه أن يعود بالنفع على كل بلد.

بيورن لومبورج هو مدير مركز إجماع كوبنهاجن

وأستاذ زائر في كلية الأعمال في كوبنهاجن.