أوقد شمعة في الظلام...

مقالات رأي و تحليلات الثلاثاء ٢٣/مايو/٢٠١٧ ٠٥:١٢ ص
أوقد شمعة في الظلام...

علي بن راشد المطاعني

تمر دول الخليج، والسلطنة منها، بعسورات اقتصادية بسبب تذبذب أسعار النفط المحرك الرئيس للاقتصاد الخليجي والرافد للميزانيات.

وإذا جاز لنا التعبير واعتبرناها أزمة فإنها ليست الأولى، فقد مررنا بأزمات سابقة وتجاوزناها، ولم يتوقف طريق النهضة المباركة الحافلة بالإنجازات، بل استمرت النهضة لتنجز ما قامت من أجله من نقل حياة المواطن العُماني من شظف العيش الذي كان يرزح تحت وطأته لعقود من الزمان مضت، إلى تأمين الحياة الكريمة له، إلى ربما «الرفاهية» التي نخشى أن نتنازل عن جزء منها الآن من أجل مصلحة الوطن بعد أن اعتدنا على رغد العيش، ويظل البعض يعلن عن امتعاضه وفي جنح الظلام بدلا من أن يفكر بإيجابية وموضوعية في الكيفية التي يوقد بها شمعة أمل تسهم في الخروج من الدامس إلى ضياء جديد.

لا أعرف إلى متى سنظل نجلد ذواتنا ليل نهار، وكأننا لم نقدم جهدا خرافيا شهد له القاصي والداني بشأن التنمية في البلاد، وكأن هذه النهضة العظيمة لم تصنع ذلك الفارق الهائل في حياة المواطن باعتبارها الحد الفاصل ما بين الماضي والحاضر.

فالمتابع لبعض النقاشات والحوارات في مواقع التواصل الاجتماعي وبخاصة في جروبات الواتساب يصاب بالإحباط ويرى أن الدنيا قد أظلمت في وجوهنا من شدة السوداوية التي يبثها البعض بغير تيقن وبغير يقين. وعندما نقرأ ما بين السطور، نجد أن هذا الشخص أو ذاك يرتكز في نظرته المحبطة أو السوداوية على أمور خاصة به وحده ولا يجوز تعميمها لتمثل رأيا عاما ينسحب على المجتمع بأسرة، فالبعض لم يكتب الله له التوفيق والسداد في مشروع ما قام به، والآخر لديه حساسية خاصة به أيضا من مناصب بعينها يشغلها شخص بعينه، أو قد يرى نفسه أحق بتلك الوظيفة من ذلك المسؤول الذي وجد نفسه مجبرا على التعامل معه بحكم روتين العمل.

ولا يمكن غض الطرف عن حقيقة أن الحسد والتحاسد المذموم في القرآن الكريم موجود لا يزال في بعض الصدور ولن يموت إلا بقيام الساعة، وذلك في إطار الصراع الأزلي ما بين الخير والشر، وبما أن الله عز وجل وهو الكريم واللطيف وعندما يجزل عطاءه على عبد من عباده فإننا وفي المقابل وفورا نجد أن هناك غاضبين على هذا العطاء الإلهي والعياذ بالله، هم لم يصلوا بعد للقناعة الجوهرية والقائلة إن أموال الله لا تنفد، كل ما على العبد أن يفعله هو أن يتمسك بتلابيب التقوى في محاولة للوصول إلى قمة سنام الإيمان ولا نقول الإسلام بالطبع، وإذا ما وصل سيجد عطاء الله حاضرا وكاملا، وبناء عليه ليس هناك ما يبرر هكذا سلوك ما بقي الأمر كله بيد الرحمن الرحيم.إن ضرورات المرحلة تفرض علينا حتمية التعامل الإيجابي والقائم على حسن النوايا وحسن الظن كما يحب ربنا ويرضى، ذلك وحده كفيل بتبديد عتمة الظلام الذي يخيم على أفكارنا وعواطفنا، وعبر ذلك يمكننا رؤية بصيص ضياء هناك عند نهاية النفق، وعندها سترتفع المعنويات وتتطلع الهامات وتنطلق أسارير الوجوه استبشارا بيسر لا محالة آت بعد سني العسر.فالمولى عز وجل أكد في محكم كتابه (إن مع العسر يسرا) وفي ظل الأزمات والابتلاءات التي مر بها الكرام صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم من خوف وجوع ونقص في الأموال والأنفس والثمرات فكان أن لاذوا بتلابيب الصبر الجميل، فأفلحوا واجتازوا محنة الاختبار، فلنا في أولئك الأخيار الأسوة الحسنة والإلهام الذي يتعين علينا استلهامه في هذا المنعطف المهم من عمر الوطن.

إن مقتضيات المرحلة الراهنة وكيفية التعاطي معها توجب علينا التحرك بمسؤولية تجاه هذا الوطن أولا، والتعاضد في بلورة جهد مشترك نستطيع عبره ومن خلاله تجاوز الأزمة والقفز فوق خنادقها، مبتعدين عن آفة انتهاك حقوق الآخرين بغير وجه حق، وتحميل الأبرياء نتائج إخفاقاتنا، واضعين نصب أعيننا تجارب لدول أخرى سادت بينهم روح السلبية المدمرة فكان أن عصفت بهم بعد أن أحالتهم إلى رماد.

فبدلا من تعميم السوداوية يجب علينا أن نوقد شمعة بدلا من لعن الظلام، ورفع الطاقة الإيجابية، عبر البصيص في النقاط المضيئة في بلادنا، فالخيرات كثيرة والأعمال أكثر، ونحتاج لسبر أغوارها والولوج لرحابها متسلحين بالمزيد من العزم ومتدثرين بإرادة لا تلين وليس بإطلاق خيالات المنى وتباريح التمني.

بالطبع التحديات كثيرة وتتزايد يوما بعد آخر وهذا واقع لا يمكن تجاهله أو إغفاله، فالكثير من الأمم والشعوب مرت بمحن وبتجارب مريرة، فواجهتها بعزائم لا تلين وبإرادة صبر لا غبار عليها، وهذا ما ينبغي أن يكون، إذ ليس هناك مخرج آخر أصلا.

نأمل أن نوقد الشموع بدل أن نلعن الظلام، فذلك لن يفيد ولن يخلف غير الإحباط والانكفاء المذل على الذات المكبلة تماما بسلاسل العجز والكسل والقنوط.