التعامل بجدية مع النمو في منطقة اليورو

مقالات رأي و تحليلات الثلاثاء ٢٣/مايو/٢٠١٧ ٠٥:٠٩ ص
التعامل بجدية مع 

النمو في منطقة اليورو

لندن ــ جيم أونيل

كنت خارج عالَم التمويل الدولي والتنبؤ الاقتصادي منذ أكثر من أربع سنوات، ولكن الكثير مما تعلمت خلال سنوات عملي الثلاثين بدوام كامل في الميدان ما زال يؤثر على الكيفية التي أنظر بها إلى العالَم. ويتلخص أحد الدروس التي تعلمتها في قياس الأداء الاقتصادي والمالي لأي كيان من خلال مقارنته بإمكانات ذلك الكيان الكامنة وتقييم السوق لأدائه. ويقودنا تطبيق هذا النهج على الاقتصادات الكبرى إلى بعض الملاحظات ــ والاحتمالات ــ المدهشة.

فبادئ ذي بدء، خلافا للاعتقاد الشائع، لم يكن النمو العالمي مخيبا للآمال بشكل خاص حتى اللحظة الراهنة من العقد الحالي. فمنذ العام 2010 وحتى العام 2016، ارتفع الناتج العالمي بمعدل 3.4% سنويا في المتوسط، وفقا لتقارير صندوق النقد الدولي. وربما يكون هذا المعدل أقل من المتوسط في الفترة 2000-2010، ولكنه أعلى من معدل النمو في ثمانينيات وتسعينيات القرن العشرين، وهي السنوات التي لا يُنظَر إليها عادة على أنها كانت مخيبة للآمال اقتصادياً.

ويقدم لنا تحليل أداء بلدان بعينها المزيد من الأفكار والرؤى. فعلى الرغم من الصدمة السياسية الكبيرة، كان أداء الولايات المتحدة والمملكة المتحدة متماشيا مع التوقعات. كما كان نمو الصين والهند واليابان قريبا من إمكاناتها. وفي مصادفة نادرة، لم يتمكن أي اقتصاد كبير من تجاوز إمكاناته بشكل كبير.
غير أن منطقة اليورو منيت بخيبة أمل حقيقية.
في منطقة اليورو، إن مجرد تصور فكرة اقتراب النمو الاقتصادي هناك من الانطلاق ربما يكون كافياً، على الأقل حتى وقت قريب، لإحالة المرء إلى متخصص في الصحة العقلية. ولكن في حياتي القديمة، كنت لأشجع المحللين على إنفاق المزيد من الوقت في النظر في هذا الاحتمال، لأنه لو صحت هذه الفكرة الغريبة فربما يصبح من الممكن جني قدر كبير من المال في الأسواق المقيمة بسخاء اليوم.
والواقع أن احتمال ارتفاع النمو في منطقة اليورو ربما يكون مجنونا جزئيا فقط. فمن المنظور الدوري، نستطيع أن نعتبر أداء منطقة اليورو طيبا في الوقت الحالي سواء وفقا لمقاييس المنطقة أو مقارنة باقتصادات أخرى. ففي الربع الأول من هذا العام، كان النمو في منطقة اليورو أكثر قوة من النمو في الولايات المتحدة أو المملكة المتحدة، وقد أظهرت أغلب الدول الأكبر في منطقة اليورو نموا نسبيا أقوى لبعض الوقت.
ومع هذا، تظل التوقعات البنيوية الطويلة الأمد لمنطقة اليورو غير ملهمة. إذ تبدو آفاق الدافعين الرئيسيين للنمو في الأمد البعيد ــ حجم ونمو السكان في سن العمل والإنتاجية ــ قاتمة في دول منطقة اليورو الأكبر حجما، وحتى ألمانيا صاحبة الاقتصاد الوحيد الذي كان أداؤه على ما يرام من المنظور الدوري باعتراف أغلب المراقبين.
وإذا تمكن رئيس فرنسا الجديد إيمانويل ماكرون من الحصول على الدعم الكافي في الجمعية الوطنية في انتخابات يونيو، فربما يستطيع أن يفعل شيئا حيال خفض الإنفاق الحكومي الهيكلي في فرنسا، في حين يواصل خفض الضرائب وتحسين مرونة سوق العمل. وربما يكون إصلاح سوق العمل بشكل خاص أمرا بالغ الأهمية، ليس لفرنسا فحسب، بل وأيضا لإقناع المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، إذا عادت إلى السلطة في سبتمبر، بالتحرك نحو قدر أكبر من التكامل، بما في ذلك إنشاء منصب وزير مالية لمنطقة اليورو، وهو ما يدعو إليه ماكرون.
ربما يكون كل هذا رهانا بعيد الاحتمال، ولكنه ليس أبعد احتمالا مما كان قبل بضعة أشهر. وفي ضوء تقييمات السوق، ربما يكون الأمر الأكثر إثارة للاهتمام من التركيز على العديد من القضايا الأخرى التي تثير هوس المحللين هو استكشاف مثل هذه الاحتمالات.
واستغراقا في هذا السيناريو، ربما يكون بوسعنا أن نحلم حتى بتوقعات متفائلة بشأن الميزان التجاري في المملكة المتحدة، حيث يعمل سعر الصرف التنافسي على تحسين الطلب بشكل كبير في سوقها الرئيسية، منطقة اليورو. وربما يعوض هذا عن التحديات التي تنشأ بفِعل انتهاء القدرة على الوصول إلى السوق الموحدة. وبهذا، ربما بلغ الوهم منتهاه. ولكن لا أحد يستطيع أن يجزم عن يقين.

رئيس جولدمان ساكس لإدارة الأصول