تفاؤل وتشاؤم عربي وإسرائيلي

مقالات رأي و تحليلات الثلاثاء ٢٣/مايو/٢٠١٧ ٠٥:٠٤ ص
تفاؤل وتشاؤم عربي وإسرائيلي

غازي السعدي

يخطئ من يعتقد بأن الدول العربية، وبخاصة دول الخليج بقيادة المملكة العربية السعودية، قد فقدت دورها المؤثر على دول العالم والمجتمع الدولي، فبعد تصريحات «ترامب» أثناء حملته الانتخابية، والوعود التي تحدث عنها، وخاصة بنقل السفارة الأمريكية من تل-أبيب إلى القدس، يبدو أن الرئيس الأمريكي «ترامب»، بعد دخوله البيت الأبيض، قد غير المعادلة السياسية خاصة بالنسبة للصراع الفلسطيني الإسرائيلي، الأمر الذي أدى إلى التشاؤم الذي يسود الحكومة الإسرائيلية من التصريحات الأمريكية، وردود الفعل الإسرائيلية الغاضبة عشية زيارة الرئيس ترامب للمنطقة.

لقد لعبت الدول العربية دوراً فعالاً جداً في تغيير توجهات «ترامب» المعلنة أثناء الانتخابات على النحو التالي: زيارة الملك عبدالله كحليف مركزي في المنطقة لا يقل عن إسرائيل نظراً لحدوده مع سوريا، العراق، السعودية، مصر، وضرورة إرضائه لمصالح أمريكا، ومحاربة داعش، وتوضيحه الوضع للرئيس «ترامب» بصورة لا تقبل الجدل وقبل أن يتأثر بأكاذيب «نتنياهو» والضغط السعودي: 300 بليون دولار وأثرها على الاقتصاد الأمريكي في عقلية رجل الأعمال الذي يعتبر نفسه جاء مخلّصا لأمريكا ولاقتصادها، والتنسيق الأردني السعودي.

وتعزيز مكانة أمريكا لدى 17 دولة عربية وربطها في ائتلاف (ناتو) عربي جديد يمنحها قوة تنفيذ كبيرة تعيد لأمريكا هيبتها في المنطقة، عدا عن كونها سوقاً جديدة، مثلما عرض على «ترامب». ومقدرة السعودية على ممارسة ضغوط على الفلسطينيين لإبداء المرونة.
والتلويح بإقامة علاقات مع السعودية وأثره بالنسبة لإسرائيل وحسب جريدة «هآرتس 9-5-2017»، فإن الرئيس «محمود عباس»، كان له دور مؤثر أثناء لقائه بالرئيس «ترامب»، الذي عرض أمامه تطور القضية الفلسطينية منذ عهد رئيس الحكومة الأسبق «ايهود أولمرت»، عارضاً على الرئيس الأمريكي الخرائط، لتكون نقطة انطلاق للمحادثات المقبلة بين إسرائيل والفلسطينيين، وعن محادثات السلام، والخلافات القائمة بشان الحدود، فالرئيس الفلسطيني طلب من الرئيس «ترامب» استئناف المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية المقبلة، فقد توصل الجانبان إلى اتفاق حول الحدود، ويمكننا أن نجسر الخلافات في جميع القضايا الأخرى، رافضاً أقوال «نتنياهو» الذي تحدث عن مواصلة سيطرة إسرائيل على غور الأردن والقدس الشرقية، ومواصلة البناء في المستوطنات، وهي مواقف لا يستطيع الفلسطينيون قبولها، فقد قال وزراء إسرائيليون كبار من المقربين لرئيس الوزراء «نتنياهو» -حسب «جريدة يديعوت احرونوت 11-5-2017»- أن «نتنياهو» قلق من الاهتمام المتزايد الذي يبديه الرئيس الأمريكي «دونالد ترامب» تجاه الصراع الإسرائيلي الفلسطيني ومن سعيه للتوصل إلى صفقة سلام بأي ثمن، وحسب هؤلاء الوزراء فإن «نتنياهو» سيحاول، قدر المستطاع، التهرب من احتمال تحريك عملية المفاوضات بين الإسرائيليين والفلسطينيين، ويقول المصدر بأن الجهات الإسرائيلية أبدت رغبتها بتأجيل هذه الزيارة لخشيتهم من حدوث توتر بين «نتنياهو» و»ترامب» على خلفية سعي الرئيس الأمريكي إلى استئناف المفاوضات التي لا ترغب بها الحكومة الإسرائيلية، فهي ترغب في تكريس الوضع الراهن، فيما تطرح إدارة «ترامب» التوصل لاتفاق سلام يستند إلى مبادرة السلام العربية، وانسحاب إسرائيل إلى حدود عام 1967، مقابل تطبيع العلاقات بين إسرائيل والدول العربية، التي سبق أن تحدث عنها «نتنياهو». وحسب جريدة «يديعوت احرونوت 4-5-2017»، بقلم الصحفية اورلي ازولاين فإن إسرائيل لم تستطع ضبط أنفاسها للاستقبال والحفاوة الذي حظي به الرئيس الفلسطيني «محمود عباس»، وعقد اللقاء بينه وبين الرئيس الأمريكي، في الغرفة التي تحمل اسم الرئيس الأمريكي الاسبق «روزنفلت»، الذي نال جائزة نوبل للسلام قبل مئة عام، وأن «ترامب» يحاول السير في طريقه والقيام بما لم ينجح به احد من أسلافه، بإحلال السلام بين إسرائيل والفلسطينيين، وأن الرئيس «ترامب» يريد إنجاز صفقة بين الإسرائيليين والفلسطينيين فقد سئل المتحدث باسم البيت الأبيض «شون سبيسر» بعد انتهاء لقاء «ترامب»-»عباس»، عن سر تفاؤل الرئيس «ترامب» بالسلام إلى حد بعيد، وكان الجواب بأن هذا الرئيس يختلف عن الرؤساء الآخرين فله أسلوب مختلف، لكن المضمون لم يختلف.

في مكتب رئيس الوزراء «نتيناهو» هناك قلق لعدم معرفتهم ما الذي يريده «ترامب» وما هي استراتيجيته حول الموضوع الإسرائيلي الفلسطيني، الأمر الذي أدى إلى استعجال بعض الوزراء لتطبيق القانون الإسرائيلي على الضفة الغربية، شطب الخط الأخضر، وضم الضفة الغربية لإسرائيل، ولكن ليس سكانها لحرمانهم من المساواة والحقوق المدنية.
كتب الصحفي «حامي شلاف» في جريدة «هآرتس 14-5-2017»، في تحليل له بأن رئيس الحكومة «نتنياهو» في موقف لا يحسد عليه في هذه الأيام، يمكن تخيل أنه يستيقظ في الليل مغرقاً بالعرق، بعد أن ضايقته تغريده مهينة جديدة من الرئيس «ترامب» جاء فيها: «اعتقدت أن «نتنياهو» رجل المهمات الصعبة، بيد أنني أحبطت من كونه فاشلاً»، فهذا الكابوس ما زال متواصلاً حتى الآن، والوزير «نفتالي بينت» رئيس حزب البيت اليهودي طالب «نتنياهو» الإعلان عن إلغاء خطاب بار ايلان، الذي أعلن فيه عن حل الدولتين وأدخل إسرائيل في ورطة، حسب الوزرين مطالباً بضم الأراضي الفلسطينية لإسرائيل.
إن الصفقة العسكرية بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية، والتي تتجاوز مائة بليون دولار، بما يعنيه ذلك لصاحب صفقات كـ «ترامب»، قد غير من مواقف «ترامب» الذي سبق وأعلن عنها، فالضغوط العربية من جهة، والمصالح الأمريكية من الجهة الأخرى كان لها وقع إيجابي على الرئيس الأمريكي، ويبدو أن الرئيس الفلسطيني «أبو مازن» يعرف الكثير مما سيطرحه الرئيس «ترامب»، فقد كان «أبو مازن» صريحاً مع «ترامب» إذ قال له إنه لن يقبل بما هو أقل من حل الدولتين بأية صورة من الصور، وفي أي إطار شريطة أن لا تخرج عن تطلعات الفلسطينيين.
ففي الوقت الذي احتفل به اليمين الإسرائيلي بفوز «ترامب»، وقعت إسرائيل في أزمة دبلوماسية مع الولايات المتحدة، فهناك خلاف أمريكي-إسرائيلي حول حائط البراق، وممثلون عن الرئيس الأمريكي يقولون بأن حائط البراق جزء من الضفة الغربية، ومسؤول في طاقم الرئيس الأمريكي قال للإسرائيليين إن الحائط الغربي لا يخصكم، وأن لا سيادة إسرائيلية على حائط البراق.
«نتنياهو» يريد أن يُلقي كلمة أثناء زيارة الرئيس الأمريكي إلى قلعة المتسادا، إلى جانب الرئيس «ترامب» خلال هذه الزيارة، إلا أن رغبته هذه رفضت من الجانب الأمريكي، كما أن طلب «نتنياهو» من الطاقم الأمريكي برغبته بمرافقة الرئيس الأمريكي لدى زيارته لحائط البراق رفض، لأن الحائط ليس تحت السيادة الإسرائيلية، بل هي منطقة متنازع عليها و»ترامب» قد يكون أول رئيس أمريكي يزور حائط البراق، من المعروف بوقاحة «نتنياهو» التي لا حدود لها، لكن يبدو أن وزير المواصلات والاستخبارات «إسرائيل كاتس» ينافسه بالوقاحة، ففي مقابلة إذاعية مع هذا الوزير، قال بأن إسرائيل ستطرح أجندة للنقاش على الرئيس الأمريكي «ترامب» أهمها المطالبة باعتراف الولايات المتحدة بسيادة إسرائيل على هضبة الجولان، ومن المعروف بأن هذا الوزير أعلن عن منافسته لـ «نتنياهو» على رئاسة الحكومة الإسرائيلية في الانتخابات المقبلة.