بين مهاتير وعمان

مقالات رأي و تحليلات الاثنين ٢٢/مايو/٢٠١٧ ٠٤:١٤ ص
بين مهاتير وعمان

محمد بن علي البلوشي

في دول الخليج يرى الكثيرون التجربة الماليزية مثالا يحتذى به، إذ نهض هذا البلد بفوارق زمنية بينه وبين دول الخليج ودول شرق أوسطية أخرى، بحيث وصفت ماليزيا ضمن النمور الآسيوية جنبا إلى جنب مع النمور الآسيوية الأربعة وهي كوريا الجنوبية وتايوان وهونج كونج وسنغافورة، حيث تفوقت ماليزيا في إنتاج زيت النخيل والمطاط إلى جانب الصناعات الحديثة كالصناعات الثقيلة والتكنولوجيا.

للإطلاع على تجربة الجراح والطبيب الذي قاد ماليزيا نحو فريق النمور زار مهاتير محمد السلطنة بدعوة عمانية.. واستمعنا له مقتضبا عن تجربة ماليزيا ونهضتها وكيف استطاعت أن تنهض باستغلال مواردها الطبيعية والبشرية وماذا فعل مهاتير محمد وفريقه من أجل ذلك.

ماليزيا والسلطنة لم تبدآ من الصفر في سنة زمنية واحدة، فالتنمية في ماليزيا وأعني بها البنية الأساسية بدأت بسنوات طويلة منذ الاستعمار البريطاني كالطرق والمطارات والقطارات والكهرباء وحتى المصانع وإنشاء الشركات أو ما نسميه القطاع الخاص. وأول خطة خمسية في ماليزيا كما قرأت عنها بدأت في الخمسينيات من القرن الفائت.. وفي الخمسينيات كانت عمان بلا سكان.. حيث الأغلبية هاجروا إلى دول الخليج، وهناك عرفوا معنى المستشفى والمستوصف والطريق والكهرباء والمدرسة والسينما والراديو والتلفزيون والآيس كريم.
كذلك فإن ماليزيا غنية بالموارد الطبيعية أكثر من السلطنة وعدد السكان أسهم في استفادة السكان من هذه الموارد ومن ثم الاستفادة من القيمة المضافة.. السكان الأصليون وهم الملايو لا يميلون للأعمال الحرة كالتجارة والصناعة والحرف اليدوية والمهنية.. والاقتصاد يتولاه الصينيون والهنود وهم مواطنون كذلك، أما هم (الملايو) فلهم الجيش والشرطة والوظائف الحكومية. ولولا الهنود والصينيين لما استطاع مهاتير أن يبني اقتصادا منتجا في هذا البلد. كذلك فإن النفط والغاز والأراضي الصالحة للزراعة وتوفر المياه والموارد الطبيعية كلها أسهمت في استفادة السكان من هذه الموارد للعمل فيها كإنتاج زيت النخيل.. لا توجد مقارنة بين زيت النخيل الماليزي وعسل الدبس العماني.. الماليزيون طوروا الزيت من النخيل واشتهروا به عالميا وأصبح موردا اقتصاديا لهم.. ونحن في قصة الدبس العماني ضربت مكنسة العجوز النخيل وسلمنا الباقي إلى العمال الآسيويين وتصارعنا على تقسيم الأراضي الزراعية إلى مخططات سكنية ونمنا في منازلنا. فرق بين الكاكاو الماليزي وبين ضياع الليمون والمانجو العماني الذي كنا نصدره ويشتهر بجودته لصالح الليمون القادم من أقصى الكرة الأرضية من البرازيل أو من مزارع هوشي منه في فيتنام.. هم عملوا على تطوير أدواتهم ونحن غلفنا عقولنا بالشمع الأحمر.. هنا الفرق فقط.

أهم استغراب أطلقه مهاتير وتداوله الجمهور هو دخل النفط أو إنتاجه.. إنتاج السلطنة من النفط اليوم يصل إلى 950 ألف برميل تقريبا وقبل أربعين عاما مضت لم يكن هو نفس الرقم في الإنتاج.
في واقع الأمر فإن المقارنة بين السلطنة وماليزيا هي مقارنة غير عادلة فلا الظروف تتشابه ولا الموارد متوافرة وكل شيء مختلف بين البلدين.

السلطنة كبنية أساسية وبشرية كانت صفرا قبل السبعين ولا تقارن أبدا بماليزيا أو حتى دول الخليج الأخرى.. البلد -السلطنة- كان معدوما وشعبه مهاجرا ولديه ظروف سياسية داخلية غاية في الصعوبة وممزق ومنقسم ويعاني سكانه من الفقر المدقع إلى الجهل والأمية والأمراض.. ما لم ربما يقل لـ د. مهاتير أن أول جامعة في عمان افتتحت عام 1986 فقط، بينما سبقتنا دول الخليج في الجامعات منذ الخمسينيات والتعليم العام فيها منذ الأربعينيات ونعني بها المدارس المنتشرة. وليست مدرستين فقط في مسقط وصلالة. ومالم يقل لـ د. مهاتير أن البلد لم تكن بها مستشفيات ولم يعرف سكانه العلاج الحديث إلا قبل 45 عاما فقط ولم تكن به مدارس أو كهرباء ولم يعرف سكانه استخدام معجون الأسنان أو حتى دورات المياه إلا حديثا.

صرفت الإيرادات النفطية على بناء بنية أساسية فكانت الأولوية لبناء دولة حتى أصبحت هذه البنية شاهدة للعيان من بنية الطرق التي تربط بين محافظات البلاد ومد الطرق والمياه الصالحة للشرب والكهرباء إلى قمم الجبال إلى بناء الموانئ إلى بنية تعليمية وبناء نظام تعليمي من الصفر إلى بناء بنية صحية إلى التنمية البشرية وبناء مرافق حكومية. إلى بناء منظومة عسكرية لتأسيس دولة حديثة إلى جهاز حكومي إداري لتسيير الدولة. إلى مواطنين يعتبرون مهمة إزالة الأذى من الطريق من واجب الدولة وليس من واجبهم.

عمان وماليزيا لا تتشابهان في الظروف.. ظروفهما مختلفة تماما.. ومواردهما مختلفة والموارد الماليزية أكثر من عمان، كما أن الظروف والتقاليد الاجتماعية والثقافة السكانية مختلفة، فلا يمكن لنا أن نغفل أنه بدون الطاقة الوطنية لن نبني اقتصادا حيويا وتقدما..وبالرغم من مرور السنوات فإن البنية الأساسية للبلاد ما زالت تمتص الأموال والمقدرات.. وما زالت عوائد النفط هي العمود الفقري للميزانية لتقديم الخدمات إلى المواطنين من تعليم وصحة ومواجهة متطلبات التوسع السكاني إلى صرف الرواتب على الموظفين الحكوميين.

عدد سكان ماليزيا يقترب من 30 مليون نسمة وهؤلاء لم يكونوا عبئا ضاغطا على التنمية فهم يعملون ضمن بيئة زراعية وضمن بيئة إنتاجية لكن بريطانيا ولمواجهة نقص الخبرة المهنية لدى الملايو جلبت الصينيين والهنود للعمل في الشركات وفي المناجم والمزارع ومن ثم عاد بعضهم إلى بلدانهم وبقي آخرون وأصبحوا مواطنين.

أهم ما في التجربة الماليزية توافر إرادة وطنية متناسقة من وجود شعب يقبل على العمل ويعمل في كل المجالات ويشق طريقه دون انتظار عكاز صغير من الحكومة لتوظيفه في مؤسساتها وإن لم تكن بحاجة إليه لـ»تحليل» الراتب الشهري له.

إن كنا نطمح أن نصبح مثل ماليزيا علينا أن نعمل وأن نتخلى عن وهم التوظيف الحكومي، فالحكومات لا تنتج الأموال ولا تنتج قيمة مضافة بقدر ما ينتجها القطاع الخاص بقوته البشرية الإنتاجية.. لدينا معاهد تدريب مهني حكومية تقدم تعليما وتدريبا مؤسسيا مجانيا ولا نعلم أين تذهب مخرجاتها.. لا تنمية أو تقدما اقتصاديا أو مجتمعا منتجا يصنع مثل ماليزيا دون بشر إلا إن أردنا أن نستورد كائنات فضائية لتحقق حلمنا أن نصبح كماليزيا. أما التنظير وتناسي الوقائع فذلك كله تسطيح وتبسيط لمشكلة عميقة فينا.. من عدم رغبة السكان الانخراط في الأعمال المهنية والحرفية والصناعية مما يجعل البلد تعتمد على الآخرين.. وهذا هو الحال في مصانعنا وشركاتنا.. فمتى تدق ساعة العمل الحقيقية؟