بين هدر الطعام واستثماره عربياً

مقالات رأي و تحليلات الاثنين ٢٢/مايو/٢٠١٧ ٠٤:٠٩ ص
بين هدر الطعام واستثماره عربياً

باميلا كسرواني

إن حجم النفايات الغذائية التي يتم جمعها يومياً في مقالب القمامة بدبي بلغ نحو 1000 طن؛ ولا تقتصر فضلات الطعام على المنازل السكنية بل تشمل أيضاً شركات التموين والمدارس والفنادق. وفي المتوسط، تصل كمية المواد الغذائية التي تُرمى في القمامة سنوياً إلى حوالي 365 طناً، أي ما نسبته 5.12 % من إجمالي النفايات التي تقدر بحوالي 2.92 مليون طن.

نفايات غذائية وعضوية كانت تُهدر سنوياً في العالم وفي المنطقة العربية بشكل خاص إلى أن تنبّهت الدول والشركات إلى ضرورة اتخاذ الخطوات اللازمة من أجل الاستفادة منها بطريقة مبتكرة في محاولة لحماية البيئة وتوليد الطاقة المتجددة في آن واحد.

ففي زمن تُستنزف فيه الطاقة التقليدية ولا أحد ينكر تأثيرها السلبي على البيئة، تظهر قضية إعادة تدوير النفايات كحلّ أساسي لتنشْيط العجلة الاقتصادية وتوفير الطاقة. وتعمل الدول العربية على العديد من المشاريع لاستخراج الطاقة من النفايات لتَركب قطار المستقبل البيئي المستدام والواعد.
تتواصل جهود إمارة دبي لتحقيق اقتصاد أخضر. ويخبرنا إيفانو إيانيلي، الرئيس التنفيذي لشركة «كربون دبي» أن «دبي رائدة في المنطقة لاسيما مع هدف خفض الكربون بنسبة 16% الذي حدده المجلس الأعلى للطاقة في دبي. إلا أن الإمارات العربية المتحدة، بشكل عام، قامت بتحول محوريّ نحو التأييد السريع لاتفاقيات باريس وتنفيذ استراتيجيات لدعمها، مثل استراتيجية الطاقة النظيفة في جميع أنحاء الدولة. ويتيح النسيج الاجتماعي والاقتصادي للبلاد أن يكون التغيير متماشياً مع الكفاءة والتميز التجاري، وبالتالي يجعل السعي إلى تحقيق اقتصاد أخضر أكثر جدوى من أي مكان آخر في العالم.
وحرصاً على تحقيق هذه الأهداف، تستثمر دبي في مختلف أنواع الطاقة المتجددة وتبحث في تنويع مصادرها. وتشكل النفايات، من ضمنها الغذائية والعضوية، قطاعاً جديداً تعمل على الاستفادة منه. مؤخراً، أنهت بلدية دبي إعداد مخطط شامل للتعامل مع النفايات من نقطتين أساسيتين، الأولى هي تقليل النفايات إلى الحد الأدنى والثانية هي إعادة الاستخدام. ويشمل ذلك إعادة تدوير النفايات وخاصة النفايات العضوية وتحويل النفايات إلى طاقة بحيث لا يتبقى في النهاية أكثر من 2 % منها يمكن طمرها بشكل آمن وبحيث يتم توفير مساحة 98 % من الأراضي التي كان يمكن أن تضيع لو تم استخدامها مكبات عادية لطمر النفايات. وحتى الآن، نجحت البلدية في التقليل من حجم النفايات، من 11 ألف و500 طن يومياً قبل أربع سنوات إلى نحو 5532 طناً اليوم. كما نجحت البلدية بإعادة استخدام 1 % منها حالياً وتأمل أن تصل، بحلول سنة 2030، إلى نسبة صفر في طمر النفايات.
ليس الوقود الحيوي وليد اليوم بل بدأ استخدامه منذ أن اكتشف الإنسان النار. تطورّت استعمالاته وطرق إنتاجه مع مرور السنوات. وإذا كانت المزروعات والبقايا الحيوانية أهم مصادره إلا أنه بات بالإمكان إنتاجه بفضل تحلّل نفايات المنازل والمخلفات الغذائية.
كيف ذلك؟ تحتوي فضلات الطعام على نسبة كبيرة من المياه والقليل من الأجزاء الصلبة، ما يجعلها مثالية للتخمير حتى لو أنّ استجابتها لعملية التخمير تختلف من طعام إلى آخر. ولذلك، قبل معالجة فضلات الطعام في المختبر يتم ضبط درجة الحموضة عبر وضع هذه المواد في حاويات تخزين مختلفة حيث تتحول إلى كائنات دقيقة جدًا. تقوم هذه الأخيرة بإنتاج غاز الميثان في غضون أيام قليلة. ولا بد من الإشارة إلى أن عملية التخمير يجب أن تتمّ في ظروف ينعدم فيها الهواء ودرجات حرارة ملائمة للعمليات الحيوية التي تحدثها البكتيريا الموجودة في مفاعل الغاز الحيوي.
إلا أن شركة «كربون دبي» كانت أعلنت مؤخراً عن مشروع تجريبي لتحويل مخلفات الطعام إلى وقود حيوي بفضل نموذج جديد. ومع هذا البرنامج، يمكن أن تتحول النفايات إلى فرصة عمل وإنتاج، حيث يتوقع تحول النفايات الرطبة في محطات معالجة صغيرة محلية من خلال تكنولوجيا العزل الساخنة التي تزيل ما يصل إلى 60 % من الرطوبة إلى مادة يمكن استخدامها كمصدر للوقود وبيعها في الأسواق المفتوحة.
وفي هذا الصدد، يطلعنا إيانيلي: «أجرت «كربون دبي» الكثير من البحوث في مجال إدارة النفايات في عام 2016 ووضعت تصوراً للابتكارات المحتملة التي سيتم اختبارها هذا العام. نستخدم، بشكل أساسي، مهاراتنا وكفاءاتنا في العلوم السلوكية لإعادة تصميم سلسلة قيمة إدارة النفايات. هذه المقاربة ستوفر حوافز ملموسة لتجنب هدر النفايات فضلاً عن تعزيز مبادرات إعادة التدوير فوراً».
ويضيف: «تُمثل النفايات الغذائية في المتوسط 40 % من تركيبة النفايات في دولة الإمارات العربية المتحدة. وعلى هذا النحو، يجب أن تعكس الاستراتيجية المحددة المسؤولية والإدارة السليمة. وبدلاً من الوقود الحيوي الذي يتم توليده بسهولة من مصادر أخرى مثل زيوت الطهي المستخدمة، نقوم بتجريب التقنيات التي من شأنها إزالة الرطوبة وتحويل نفايات الطعام إلى «وقود مشتق من النفايات» يستبدل الوقود المولَّد من الفحم ويستخدم لاحقاً في مجموعة متنوعة من الصناعات».
يعتمد مشروع «كربون دبي» على اللامركزية في إدارة النفايات إذ ستجري عمليات المعالجة في مختلف أنحاء المدينة وليس في المطامر الاعتيادية، في خطوة لتخفيف الحاجة إلى شحن القمامة لمسافات طويلة للفرز والتخلص منها.
ولا شك في أن تقليص كميات النفايات التي يتم طمرها سيقلل مـن انبعاثات غاز الميثان وغاز الكاربون ما يتماشى مع استراتيجية دبي للتحول إلى مركز عالمي للاقتصاد الأخضر في المستقبل كما يتماشى مع أهداف دولة الإمارات.
إلا أن هذا المشروع ما زال في مراحله التجريبية إذ أكّد إيانيلي: «نقوم حالياً بتقييم المناطق التجريبية لاختبار المكونات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية للمشروع. وبمجرد جمع باقة بيانات متكاملة، سنفتح الحوار مع المشرعين والهيئات المعنية لتوسيع نطاق المشروع على المستوى الإقليمي».
يُشدد إيانيلي على أنّ «كربون دبي» لا تركّز بشكل خاص على الوقود الحيوي لا بل على استغلال «كفاءتنا الأساسية في الاقتصاد البيئي من أجل تقييم أفضل نموذج اقتصادي ومالي لتجنب هدر النفايات». ويتابع قائلاً: «للأسف، النفايات هي مورد مُهمل بسبب الوصمة السلبية التي تُحيط بها. ومع ذلك، هناك تحول عميق في طريقة تقييم النفايات».
وفي هذا الصدد، يخبرنا إيانيلي: «ننظر في «الوقود الصلب هندسياً» بدلاً من الوقود الحيوي. فهذا الأخير هو وقود يُحدد مصدره الزبون [أي من يستخدمه] وينتج عن «الوقود المشتق من النفايات» الذي تعد معالجته قيمة جداً، ولو أن قيمته الحرارية منخفضة بالمقارنة مع مصادر الوقود الأخرى مثل الفحم. ولكن، من خلال إيجاد مزيج يُلبي طلب الزبون، يمكننا زيادة القيمة الحرارية لتتناسب مع متطلبات الصناعات المختلفة. وبشكل أساسي، فإن كل صناعة تستخدم فرناً هي زبون محتمل. وحتى لو قمنا بمعالجة جميع النفايات في دبي، فلن نتمكّن من تلبية إلا نسبة معينة من المتطلبات في صناعة الإسمنت، على سبيل المثال لأن الطلب أكبر بكثير من العرض».
يرى إيانيلي أنه من المهم النظر إلى كل الإمكانيات التي تحملها النفايات. ويضيف: «في الوقت الراهن، المطلوب تغيير في السلوك للانتقال إلى مجتمع لا يهدر النفايات. ويعزى ذلك إلى أنه لا تزال هناك كمية كبيرة من النفايات التي لا يُعاد تدويرها (بما في ذلك نفايات الطعام). وبغية تسهيل هذا التحوّل، نحتاج إلى برنامج لا تُحدّه الشروط والمحددات بل شموليّ وقادر على مكافأة مختلف أصحاب المصلحة بطرق متناسبة».

ويضيف قائلاً: «حالياً، تشكل النفايات تكلفة خفية على جيوب الأسرة وتكلفة باهظة نوعاً ما للشركات. وعند النظر إلى الأسر بمفردها، يمكن «للمشروع الجديد الذي نقترحه» تحويل التكلفة المعيارية البالغة 7.500 درهم إماراتي سنوياً للتخلص من النفايات لكل أسرة إلى دخلٍ فعلي قدره 2.500 درهم إماراتي. على الرغم من أن المبلغ قد يبدو صغيراً، ولكن عندما تضربه بعدد الأسر، فإنه يظهر بالضبط حجم وإمكانات المشروع».

مشروع توليد الوقود الحيوي من المخلفات الغذائية ليس إلا خطوة في مشوار الألف ميل نحو اقتصاد أخضر يأتي في صلب سياسات الإمارات؛ مشوار يؤمن إيانيلي أنه بالاتجاه الصحيح قائلاً: «كانت لدينا أهداف للطاقة المتجددة ذات الصلة تمّ استبدالها بمجموعة جديدة تتطلع إلى أن تكون حصة الطاقة النظيفة 75 % بحلول العام 2050 في دبي وحدها. ومع تقدم البرامج والأنشطة، ستزيد دولة الإمارات من طموحها وقيادتها في هذا القطاع» مشيراً إلى أن «قدرة البلاد على اختبار وتنفيذ مشاريع مجدية تجارياً ستسمح للمنطقة ككل بالاستفادة من هذه الالتزامات».

متخصصة في الثقافة والمواضيع الاجتماعية