إعادة تفكيك اليمن

مقالات رأي و تحليلات الخميس ١٨/مايو/٢٠١٧ ٠٤:٤٤ ص
إعادة تفكيك اليمن

علي ناجي الرعوي

في أتون الحرب المستعرة في أجواء وأراضي اليمن والتي بدأت بصراعات سياسية داخلية على السلطة وانتهت بتدخلات إقليمية مباشرة أخذت من اليمنيين على مدار أكثر من عامين كل شيء له علاقة بالحياة، وإعادة لهم بالمقابل كل ماله صلة بعوامل الموت والفناء كوباء(الكوليرا) الذي كان اليمن قد تخلص منه في سبعينيات القرن الفائت لكنه عاد إليه مصحوباً هذه المرة بسلسلة من الآفات القاتلة والمركبة التي تتقاسم الفتك بحياة اليمنيين الذين يتساقطون يومياً بالعشرات فمن لم تجهز عليه نيران قذائف الحرب مات جوعاً أو كمداً أو عليلاً بوباء (الكوليرا) أو غيرها من الأمراض والأوبئة المتفشية في المحافظات اليمنية على نحو بدت فيه جميع المنظمات الدولية عاجزة عن إيقاف ذلك الخطر المتمادي والذي قد يتحول إلى كارثة تجتاح المنطقة بأكملها.

من المؤسف والمؤلم أن ما يحدث في اليمن من المآسي والكوارث لا يجد أي صدى يذكر في الخارج، وكأن هذا البلد أصبح خارج نطاق جغرافية هذا العالم فلم يعد هناك أحد يذكره.. وإذا ما ذكر فليس سوى على لسان الناشطين في المنظمات الإنسانية التي تطلق المناشدات لإغاثته بالغذاء والدواء وليس لإخراجه من محنة الحرب وتداعياتها وربما تكون هذه المنظمات قد اقتنعت هي الأخرى أنه لا يمكن الحديث عن أي بارقة للسلام أو هدنة تفضى إلى عودة المتصارعين إلى طاولة الحوار، كما يطرح المبعوث الأممي إسماعيل ولد الشيخ في جولاته المتكررة إلى المنطقة في الوقت الذي تظهر فيه آفاق السلام مسدودة ولغة السياسة معطلة ومنطق الحرب والتحشيد العسكري هو المنطق الغالب على ما سواه وأدركت تلك المنظمات أيضا من أن أضرار الحرب النفسية والاجتماعية والاقتصادية قد أوجدت واقعاً جديداً بات يمثل اليوم أكبر عائق أمام أي حظوظ للسلام في الوقت الراهن.

بالنظر إلى طبيعة التعقيدات والتباينات المحلية والإقليمية المرتبطة بالصراع المحتدم في اليمن يغدو فعلاً الحديث عن حل سياسي لهذا الصراع في ميدان مشتعل بالمواجهات العسكرية ليس أكثر من مسكنات وأمنيات تقوم الأمم المتحدة ومبعوثها بتسويقها لمجرد إظهار التصاقها بالمشكلة اليمنية فيما الحقيقة أن هذه المنظمة الدولية لا تمتلك أية آلية أو خطة تقود إلى ذلك الحل وأمام ذلك فإن من غير الجائز الركون إلى مفردات الخطة الجديدة التي يحملها ولد الشيخ بهدف إعادة تحريك مفاوضات السلام المجمدة منذ العام الفائت حيث وإن كل من استمع لأحاديث المبعوث الأممي خلال زيارته الأخيرة للرياض والدوحة سيلحظ انه أمام خطاب بقدر ما يعبر عن إشكالية وتصورات الحل في اليمن فهو في الوقت نفسه يعبر عن مأزق أخلاقي تورطت الأمم المتحدة في مستنقعه وسقطت سقوطاً مدوياً حينما فشلت في تحديد مفرداته وهو ما أدى الى تأكل مصداقيتها لدى المواطن اليمني واهتزاز ثقته بخطابها الذي لم يرتق الى ما تتطلبه الظرفية الراهنة أكان على مستوى الأداء أم على مستوى الفعل.
لا يحتاج المتابع للوضع في اليمن أن يكون سياسيا أو خبيرا في الشؤون العسكرية ليكتشف أن الحرب القائمة في هذا البلد بشقيها الداخلي والخارجي هي حرب ملغومة بالمكائد وتضارب المصالح وغموض الأهداف والنوايا وأنها بحكم هذا الوضع الملتبس لا يحكمها معيار سياسي أو عسكري واضح وبفعل هذه الضبابية فقد أصبح جزء من آليات الاستمرار السياسي لبعض أطرافها وجزء من بقاء تلك الأطراف متربعة للمشهد وأمام هذه الحالة الملتبسة فقد أفرزت هذه الحرب اتجاهات جغرافية وخرائط سياسية ترنو الى إعادة تشطير اليمن وتفتيت وحدته بل إنها من تتجاوز ذلك إلى شق الهوية الوطنية وشرذمة المجتمع اليمني إلى هويات جهوية ومناطقية صغيرة من شانها أن تحدث شرخا مزلزلا في هوية وتاريخ وجغرافية هذا الشعب.
وفي هذا السياق لم يكن الإعلان يوم الخميس الفائت عن المجلس الانتقالي لحكم الجنوب مفاجئا أو مستغربا لدى المتابعين للأحداث في اليمن بل إن اللافت في الأمر كان هو صمت دول التحالف العربي أمام تلك الخطوة التي تمهد لتفكيك اليمن وتمزيقه الى كانتونات ستلتهب بالصراعات المناطقية والثارات القديمة وبؤر التطرف والإرهاب بل إن من المفارقة أن يحدث كل ذلك على مرأى ومسمع الدول الراعية لجهود التسوية في اليمن وكذا الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي الذي شرعن الحرب واستخدام القوة المسلحة ضد الأطراف التي انقلبت على الرئيس هادي وشرعيته. الثابت أن ما وقع في عدن له دلالات ويتعدى الضربة التي تلقتها الأمم المتحدة وكذا المجموعة الإقليمية والدولية التي وقفت الى جانب الحرب ومن هذه الدلالات ذلك الصمت المريب الذي التزم به الجميع حيال من قفزوا أو انقلبوا على شرعية هادي وحكومته المدعومة من الأمم المتحدة ومجلس الأمن والمسنودة أيضا عسكريا من التحالف العربي رغم أن انقلاب عدن هو انقلاب كامل الأركان على الشرعية الدولية ووحدة اليمن وانقلاب على كل الأطراف التي وقفت وشرعنة استخدام الوسائل العسكرية ضد من انقلبوا على شرعية هادي في صنعاء إذا أخذنا بمبررات من ذهبوا إلى الحرب.
نخلص إذن إلى نتيجة أولية مضمونها أن الجغرافيا اليمنية التي تنشط فيها اليوم المعارك بالوكالة قد تصبح غداً في ظل الانقسام والتشظي مسرحاً للفوضى وملاذا آمنا لمن يقذف بهم خارج العراق وسوريا من متطرفين وإرهابيين هذا إن لم تبحر سفن هذا البلد عكس الحسابات السياسية لكل الفاعلين الإقليميين والدوليين إذا ما سمحوا بتقسيمه بين المتخاصمين على الغنيمة والمتصارعين على الوهم.

كاتب يمني