التدخل في الأجور

مقالات رأي و تحليلات الثلاثاء ١٦/مايو/٢٠١٧ ٠٤:٤٤ ص
التدخل في الأجور

بِل إيموت

إذا فشل كل شيء آخر، فعليك أن تجرب ما لم يكن متصوراً من قبل. وهو ليس بالمبدأ السيئ للغاية في السياسة الاقتصادية في أفضل الأوقات. واليوم ربما يكون هذا هو المطلوب على وجه التحديد: إذ ينبغي للعديد من الدول الغربية ــ الولايات المتحدة واليابان وألمانيا بكل تأكيد، وربما المملكة المتحدة، وقريبا قسم كبير من بقية منطقة اليورو ــ أن تسعى إلى تنفيذ تدخلات حكومية مباشرة في التفاوض على الأجور، وخاصة لصالح الفئات الأقل دخلا.

أنفقت اليابان السنوات الخمس عشرة الأخيرة في مكافحة تباطؤ النمو، والطلب المنزلي الهزيل (وخاصة بين الأسر الأكثر فقرا)، واتساع فجوة التفاوت وارتفاع معدل الفقر. وتسود ظروف مماثلة الآن في الولايات المتحدة أيضا؛ والواقع أن هذه الظروف ساعدت دونالد ترامب في الوصول إلى البيت الأبيض، من خلال إيجاد مجموعة كبيرة بالقدر الكافي من أولئك الذين يُطلَق عليهم عن حق وصف «الأمريكيين المنسيين». وقبل انتصار ترامب، حفزت مثل هذه الظروف «المتروكين» في المملكة المتحدة على التصويت لصالح خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.

ولما لم تطرأ زيادة حادة في الأجور ــ وخاصة أجور الحد الأدنى القانونية ــ فسوف تستمر النزعة الشعبوية في الازدهار، وسوف تظل أغلب الاقتصادات الغربية مثقلة بهموم النمو البطيء. وسوف تستمر فجوة التفاوت في الاتساع، ليس فقط على مستوى الدخل والثروة بل وأيضا النفوذ المتصور والرأي على المستوى السياسي. وسوف يصبح إغراء ملاحقة الحلول القصيرة النظر ــ مثل إغلاق الحدود وتنفيذ تدابير الحماية ــ شديدا إلى حد لا يُقاوَم.
ومع هذا فإن اقتراحي بضرورة عمل الحكومات بشكل مباشر على رفع سعر القوى العاملة الأقل مهارة من المرجح أن يستقبل بشهقات الاندهاش والذهول والتعليقات بأصوات خافتة مبحوحة بأنني لابد أن أكون مجنونا. ألا أعلم أن رفع الحد الأدنى للأجور ربما يؤدي إلى مشكلة تتمثل في زيادة أعداد الباحثون عن عمل ؟ ألم أسمع عن «صعود الروبوتات» والقوة المتنامية التي اكتسبتها الأتمتة (التشغيل الذاتي) في عموم الأمر إلى الحد الذي قد يدمر الوظائف؟ ألا أؤمن بحلول السوق؟
الإجابة على الأسئلة الثلاثة هي «بلى». ولكن السياسات لابد أن تكون مصممة بحيث تتوافق مع الظروف، ويجب أن تعكس الاختيارات بين المصالح المتنافسة للمجموعات المختلفة. (الواقع أن هذا هو الغرض الأساسي من السياسة). وتشير الظروف الحالية، جنبا إلى جنب مع مصالح «المتروكين»، إلى أن ما لم يكن متصورا من قبل أصبح الآن أساسيا، إن لم يكن حتميا.
السبب الرئيسي وراء حذر الحكومات من التدخل في تحديد الأجور هو ذكرى الأجور الفاشلة وضوابط الأسعار خلال فترة التضخم المرتفع في سبعينيات القرن العشرين ــ الضوابط التي أدت إلى ظهور تشوهات كبيرة مزعجة. ولكن السبب الثاني والأكثر حداثة يرتبط بالضغوط التي تمارسها الشركات، التي تزعم أن القدرة التنافسية الشركاتية تعتمد على القوى العاملة الرخيصة. والحكومات أيضا لديها مصلحة ذاتية يجب أن ترعاها: فعادة يوظف القطاع العام عددا كبيرا من أصحاب الأجور الدنيا.
لكن الوقت حان للتحلي بالشجاعة. الواقع أن السياسة المالية ــ خفض الضرائب أو زيادة الإنفاق العام ــ باتت مقيدة بشدة بفِعل الديون الحكومية المرتفعة إلى الحد الذي يجعلها غير مجدية في تحفيز الطلب، ومن الواضح أن محاولات استخدامها لإعادة توزيع الموارد من الأثرياء إلى الفقراء أفضت إلى إيجاد مشاكل خاصة بها. كما نفد أيضا حيز السياسة النقدية ــ وخاصة برامج «التيسير الكمي» التي تتطلب طباعة النقود بكميات كبيرة والتي نفذتها البنوك المركزية في السنوات الأخيرة ــ مع تضخم الأسعار وتزايد أحجام الميزانيات العمومية للبنوك المركزية إلى مستويات غير مسبوقة. ويبدو أن التدخل في الأجور هو الخيار الوحيد المتاح الآن. وعلاوة على ذلك، قد لا تكون مخاطر رفع الحد الأدنى للأجور كبيرة بقدر ما جرى تصويرها ــ على الأقل ليس الآن. من المؤكد أن مثل هذه الزيادات في الأجور تجازف بقتل فرص العمل في بعض الأوقات. ولكن اليوم ليس واحدا من تلك الأوقات: ذلك أن الدول المتقدمة مثل الولايات المتحدة واليابان وألمانيا والمملكة المتحدة بلغت مستوى التشغيل الكامل للعمالة تقريبا.
والخطر في هذه البلدان ليس خطر ارتفاع البطالة، بل ركود الأجور، الأمر الذي أدى إلى بقاء الطلب من قِبَل الأسر كاسدا أو تسجيله لزيادة طفيفة، وتسبب هذا بدوره في إثناء الشركات عن الاستثمار. وفي الولايات المتحدة، عملت الأجور المنخفضة عند الطرف الأدنى من سوق العمل على تثبيط همم الملايين من الأفراد في سن العمل حتى في البحث عن عمل. ومن المؤكد أن هذا من الممكن أن يساعد في خفض معدل البطالة الرسمي، ولكنه لن يفيد كثيرا في تعزيز الاقتصاد.
يبلغ الحد الأدنى الفيدرالي للأجور 7.25 دولارا للساعة، وهذا أقل بنحو الثلث بالأرقام الحقيقية (المعدلة تبعا للتضخم) مما كان عليه خلال ذروته في العام 1968. ولا يزيد الحد الأدنى القانوني للأجور في اليابان، 823 ين للساعة (7.40 دولارا)، عن هذا كثيرا. وحتى في الدول حيث اتخذت السلطات بعض الخطوات لرفع الحد الأدنى للأجور ــ المملكة المتحدة منذ العام الفائت، وأيضا بعض الولايات الأميركية مثل كاليفورنيا ونيويورك، والتي تستهدف 15 دولاراً للساعة كحد أدنى للأجر بحلول العام 2020 ــ فإنها لا تتحرك بالسرعة الكافية أو المسافة المطلوبة. فاليابان على سبيل المثال ترفع الحد الأدنى للأجور بمعدل أسرع قليلا من التضخم.
ويظل التفاوت بين الناس هو آفة عصرنا، بعد تدهور القدرة التفاوضية للعمال الأقل مهارة بشدة بفِعل الأتمتة والمنافسة من قِبَل الدول النامية. وحتى لا تظل المجموعات «المنسية» متخلفة عن الركب بشكل دائم، فيتعين على الحكومات أن تتخذ تدابير أكثر جرأة.
في ستينيات القرن العشرين، ساعدت خطة «مضاعفة الدخل» في اليابان في تطوير اقتصاد استهلاكي. وربما حان الوقت الآن لتقديم خطة «مضاعفة الحد الأدنى للأجور»، على أن يجري تنفيذها في غضون بضع سنوات، وبالتالي إتاحة الفرصة للشركات لتوفيق أوضاعها. وعندما يتعلق الأمر بالقادة الذين تلقوا الدعم المالي من أصحاب الثراء الفاحش والدعم الانتخابي من أولئك المتخلفين عن الركب، فإن مثل هذه الخطة تبدو ناجحة تماما على المستوى السياسي. فهل نرى أي قدر من الاهتمام من قِبَل الرئيس ترامب؟

رئيس تحرير مجلة «ذي إيكونوميست»

سابقا، ورئيس مؤسسة ويك أب.