شركات المجتمعات المحلية.. تجربة رائدة

مقالات رأي و تحليلات الأحد ١٤/مايو/٢٠١٧ ٠٥:٠١ ص
شركات المجتمعات المحلية.. تجربة رائدة

علي بن راشد المطاعني

تجربة شركات المجتمع المحلي الكبرى في مناطق الامتياز النفطية في السلطنة من التجارب الناجحة في المسؤولية الاجتماعية ليس محلياً ولا إقليمياً فحسب وإنما عالمياً؛ وذلك ‏لما تمثله هذه التجربة التي جاءت بتوجيهات حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم -حفظه الله ورعاه- من أهمية كبيرة في دفع عجلة التطور والنمو والاستدامة، وذلك بفضل إنشاء خمس شركات يسهم فيها المواطنون من أبناء مناطق الامتياز كشركات مساهمة عامة مقفلة، فقد ضمت شرائح واسعة من المجتمعات المحلية، يساهم فيها أكثر من 9300 مواطن من أبناء المجتمعات المحلية في خمس شركات محلية كبرى هي: (الصحارى، والبركة، والشوامخ، والحديثة، والخزائن)، ومُنحت هذه الشركات عقوداً مباشرة من قبل شركة تنمية نفط عُمان في مجالات الخدمات والصيانة ومنصات الحفر (Hoist) لعدد من السنوات بعقود تزيد على 824 مليون دولار وفقاً لبيانات الربع الأول من العام الجاري، الأمر الذي مكَّن أبناء هذه المناطق من الاستفادة من عقود الاستكشافات والإمدادات النفطية فأسهم ذلك في بلورة شركات محلية ذات فاعلية ساهمت في تحقيق الغايات من إنشائها، وهي تحقيق مكاسب لأبناء هذه المناطق في تنمية مستدامة ودعم للمجتمع بطرق أكثر إيجابية تتجاوز الدعم المباشر إلى تأسيس كيانات اقتصادية تنمو شيئاً فشيئاً إلى أن تغدو قادرة على الاستمرار وعلى منافسة غيرها من الشركات على العمل في القطاعات النفطية وغيرها، وتعدُّ هذه التجربة أفضل تجارب المسؤولية الاجتماعية بمفهومها العلمي الدقيق والمستدام.كما أن تجربة تشجيع أبناء مناطق الامتياز النفطية على إنشاء شركات محلية صغيرة ومتوسطة في مناطق الامتياز النفطية مرت بمراحل ومخاضات عسيرة منذ بداية البرنامج في العام 1998 إلى أن تبلورت في تجربة رصينة أفرزت اليوم وجود أكثر من 300 شركة مسجلة ما بين صغيرة ومتوسطة تعمل تحت مظلة المقاولين الرئيسيين وشركات المجتمع المحلي الكبرى، وبلغت قيمة إيرادات هذه الشركات في العقود الممنوحة لها في العام 2016 حوالي 235 مليون دولار.

تعكس هذه التجارب الرعاية والاهتمام بهذه الشركات المحلية والشركات المحلية الكبرى ودعم مسيرتها نحو بناء قاعدة مستدامة للصناعة العُمانية في القطاع النفطي، فضلاً عن تحفيز شركات المجتمعات المحلية لإيجاد وتأسيس سلسلة من التوريدات والعقود ذات القيمة المضافة على المدى البعيد، ومن خلال تأسيس لبنة أساسية في برامج التطوير والتنويع في صناعة النفط في السلطنة تخرج من رحم المجتمعات المحلية وتتطور شيئاً فشيئاً إلى أن تصل لمرحلة النضج والذي تعتمد فيه على نفسها وتكون قادرة على المنافسة إلى أن أضحت هذه الشركات اليوم كيانات اقتصادية كبيرة وفاعلة ومؤثرة وقادرة على المنافسة في عقود ومناقصات بملايين الريالات وقد تجاوز نطاق عملها حدود السلطنة الجغرافية إلى خارج البلاد، وباتت لها علامات تجارية قوية في صناعة النفط، هذه النجاحات منقطعة النظير تعد أحد التجارب التي يُعتد بها في تقييم التجارب الاجتماعية المسؤولة في إطار التنمية المستدامة الهادفة إلى المشاركة الفاعلة في إدارة دفة العمل الاقتصادي في مناطق الامتياز ما يدفع إلى تبني هذا النموذج في مجالات اقتصادية أخرى كالكهرباء والسياحة واللوجستيات والصناعة وغيرها من القطاعات الاقتصادية.

لقد استفادت شرائح واسعة من المواطنين في المجتمعات ‏المحلية في مناطق الامتياز النفطية من الدعم الذي التزمت به شركة تنمية نفط عُمان بتوجيهات من الحكومة من خلال لجنة رفيعة المستوى عملت لتهيئة البيئة الملائمة لهذه الشركات وتعزيز قدراتها بشكل متواصل فكان أن أفرزت رجال أعمال ورجال تنمية حقيقية في المجتمعات أوجدوا فرص عمل استوعبت آلافاً من الشباب العُماني، بل أسهمت في جعل هذه المجتمعات شريكاً حقيقياً في التنمية التي شهدتها تلك المناطق.
بالطبع لا يمكن أن ننهض بتجارب كهذه من نقطة الصفر بدون صعوبات اصطُدم بها فعلاً عند تشكيل هوية هذه الشركات وبلورتها على أرض الواقع، وقد أفرز ذلك خدمات عالية المستوى خدمت شرائح واسعة من المجتمع، ومرت بمراحل عديدة إلى أن نجحت في الوصول إلى نماذج جيدة يساهم فيها الآلاف من أبناء المجتمعات المحلية وتحقق أرباحاً سنوية توزع على المساهمين فيها، فضلاً عن عمل بعضهم في الشركات المتعاقدة معها في بانوراما من المكاسب التي غمرت أبناء المناطق النفطية وجعلتهم أكثر من ملاك بل ومساهمين حريصين كل الحرص على استمرارية هذه التجربة لما أفضت إليه من فوائد من الصعوبة أن تحصر في هذه العجالة.
نأمل أن تتكرر مثل هذه التجارب الناجحة في العديد من القطاعات الاقتصادية، وإعطاء الفرص لأبناء الولايات في تشكيل شركات مساهمة تدار من قبل أبنائها وتدعم بالكيفية نفسها من الشركات الكبيرة العاملة في القطاعات الاقتصادية غير النفطية، وهذا ليس صعباً إذا ما توفرت الإرادة والعزيمة القادرة على إضفاء قيمة عالية لهذه القطاعات.