التاريخ يعيد نفسه في منطقتنا

مقالات رأي و تحليلات الأحد ١٤/مايو/٢٠١٧ ٠٤:٣٧ ص
التاريخ يعيد نفسه في منطقتنا

د. فيصل القاسم

من الواضح تماماً أن الشرق الأوسط مقبل على تحولات كبرى قد تبدو الأحداث التي تجري في سوريا والعراق وبقية المناطق مجرد مقبّلات للوجبة الرئيسية، ألا وهو ضرب دول المنطقة مرة أخرى بعضها ببعض كما حدث في بداية ثمانينات القرن الفائت. لا أدري لماذا ذاكرتنا قصيرة إلى هذا الحد البشع؟ بالأمس القريب بدأت حرب الخليج الأولى بين العراق وإيران. لاحظوا أنه بمجرد بدء الثورة الإيرانية في ذلك الوقت اندلع الصراع بين العرب وإيران، فتحول الاهتمام من الثورة إلى حرب لم تكن لا على البال ولا على الخاطر قبل عام 1979. وهذا يعني أن أطرافاً خارجية نجحت في حرف الثورة عن مسارها فوراً من خلال إدخال إيران في حرب مع جيرانها كي لا تقوم لإيران قائمة وكي لا تحقق الثورة أهدافها.

واليوم وبعد أقل من أربعة عقود على اندلاع حرب الخليج الأولى بين إيران والعراق، ها هي طبول الحرب تدق من جديد في المنطقة مع وصول الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى السلطة. فجأة تغير المزاج الأمريكي تجاه إيران وبدأ التحريض. فجأة صارت إيران في الخطاب السياسي والإعلامي الأمريكي أكبر خطر يهدد العالم بعد أن نجحت بالأمس في التقارب مع الأمريكيين من خلال الاتفاق النووي التاريخي بين الغرب وإيران. وما أن ارتفعت اللهجة الأمريكية ضد إيران حتى راح حلفاء أمريكا في المنطقة يرفعون أصواتهم ضد الخطر الإيراني، لا بل إن البعض تقدم خطوات على الخطاب الأمريكي، فراح يدعو إلى زعزعة إيران من الداخل. هذا تطور في غاية الخطورة والأهمية، ولا شك أنه مقدمة لأحداث كبرى قد تضرب المنطقة وربما تعيد تركيبها.

إذا صحت التهديدات الأمريكية، وبدأ حلفاء أمريكا يعملون على الأرض لزعزعة استقرار إيران، فهذا يعني أن سياسات أمريكا القديمة كانت مؤامرات ذكية جداً. وإذا بدأ المشروع الأمريكي فعلاً باستهداف إيران من خلال حلفائه في المنطقة، فهذا يعني أن أمريكا كانت تستنزف الجميع بمن فيهم إيران في صراعات خارجية كي يسهل ضربهم من الداخل لاحقاً. طبعاً كل هذا الكلام يبقى مجرد تكهنات حتى نرى كيف ستسير الأمور على الأرض قريباً.
لكن السؤال المطروح: لماذا لا ننظر كيف كانت نتيجة حرب الخليج الأولى بين العراق وإيران؟ ماذا استفاد العرب من تلك الحرب؟ وماذا استفادت إيران؟ لقد تورط العراق والعرب في حرب مدمرة لم يستفد منها غير أمريكا والغرب، وانظروا حال العراق الآن وحال العرب بعد أن استنزفوا أنفسهم في حروب خارجية بغض النظر عمن كان المتسبب بها. لكن المهم في الأمر النتائج، والنتائج كانت كارثية على الجميع. هل ستنجح أمريكا في تفكيك بعض البلدان في إطار ما يسمى بالشرق الأوسط الجديد الذي يتولى الإشراف عليه سايكس بيكو الأمريكي رالف بيترز؟ هل سينجح هذا المخطط؟ أو لنقل هل أمريكا تنوي فعلاً لعبة التفكيك، أم إنها تريد فقط إشغال العرب وجيرانهم بعضهم ببعض كي تبيع السلاح للطرفين كما فعلت من قبل في الثمانينات، إذ كانت تدعم كل الأطراف بالسلاح لاستنزاف بعضها البعض وتفريغ الخزائن من ملياراتها؟

مذيع في قناة الجزيرة