مآسي الحرب مستمرة باليمن

الحدث الأحد ١٤/مايو/٢٠١٧ ٠٤:٥٣ ص
مآسي الحرب مستمرة باليمن

عدن - إبراهيم مجاهد
لم يدر في خلدهم يوماً من الأيام أنهم سيغادرون منازلهم ومدنهم وقراهم التي عاشوا فيها سنوات طويلة، ولم يتوقع أحد منهم أنه سيأتي يوم من الأيام ويغادر مع أسرته نحو المجهول.. هكذا هم النازحون في الداخل اليمني الذين أجبرتهم الحرب المجنونة على ترك كل شيء في قراهم ومنازلهم ومدنهم، فهم يفرون من آلة حرب تقتل كل ما هو أمامها.. إلاّ أنهم باتوا يشعرون نتيجة الظروف التي يكابدونها في مناطق نزوحهم بأنهم يموتون، ولكن ببطء شديد.

معاناة النازحين اليمنيين القاطنين المدينة الخضراء -وهي مشروع سكني استثماري ضخم لم يكتمل بعد- في أطراف محافظة لحج وبالقرب من العاصمة المؤقتة عدن، كثيرة وقصصهم مؤلمة جداً، تبدأ من لحظة خروجهم من بيوتهم، في رحلة رافقتها مشاهد الموت والمخاطر والصعاب، وصولاً إلى معاناة أكبر اختصرها العوز والمهانة والحرمان.

وفق إحصائيات الأمم المتحدة فإن 3 مليون يمني هم من نزحوا داخل البلاد، ومن بين هذه الملايين تجمعت عدد من الأسر اليمنية قدمت من مناطق متفرقة في تعز والحديدة والصبيحة بلحج. إلاّ أن الحرب والمعاناة جمعت شتات هذه الأسر في منطقة «الجبو» وهي المرحلة الثالثة من مشروع المدينة الخضراء. في بنايات لم تكتمل بعد، تلسعهم حرارة صيف عدن ولحج الحار وقرصات البعوض التي تنقل لهم حمى الضنك والملاريا وغيرها من الأمراض.
تعيش الأسر النازحة في هذه المنطقة مع أطفالهم ظروفاً يمكن وصفها بالصعبة والقاسية جداً، فالنازحين هنا يفتقدون لأبسط مقومات العيش البسيط، ويفتقدون للرعاية الصحية والخدمات الأساسية. فلا طعام ولا ماء بارد ولا أي خدمات لا فرص العمل.
ما زاد من معاناة هؤلاء النازحين أنهم قصدوا منطقة حرارة صيفها تقض ساكني المنطقة الذين يوجد لديهم أجهزة تكييف، بسبب انقطاع الكهرباء لساعات طويلة. أما النازحون فمساكنهم في تلك البنايات -قيد الإنشاء- التي لا يوجد بها نوافذ ولا أبواب تجعلهم من حياتهم أكثر وجعاً. خاصة لدى النساء اللاتي لا يستطعن أخذ راحتهن كأي نساء في منزلهن ويضطررن لارتداء عباءتهن السوداء طوال النهار الذي تشد فيه الحرارة.
يقول أحمد محمد، أحد نازحي مدينة تعز من منطقة حيفان، إن النازحين هنا يشكون حرارة الصيف ففي عدن تزداد دراجة الحرارة يوماً بعد يوم تصاحبها موجة رياح محملة بالغبار الكثيف.. لذا فنحن في هذه المنطقة نفتقد للمأوى البسيط والهواء النظيف والغذاء والدواء. ويضيف:»هؤلاء النازحون نزحوا من محافظات يمنية عدة، كمحافظة تعز، والحديدة، والصبيحة ولحج، فارين من الموت إلى المدينة الخضراء غير مدركين أن الموت يتسلل إليهم كل يوم ولكن ببطء.
لم تنته فصول معاناة سعيد فارع النازح من محافظة تعز إلى البريقة ومن البريقة إلى الخضراء إذ كان يتوقع أنه بتغيير المأوى سوف يتوفر له مأوى أفضل حالاً من الذي نزح منه ليتفاجأ بأن ما نزح إليه أسوء حالاً مما كان فيه.. يقولها بمرارة تعكس الوجع الذي بداخله إذ يقول: من خرج من داره قل مقداره. قالها بحرقة وهو يجهش بتنهيده طويلة. ومع اقتراب حلول شهر رمضان المبارك، يستعد النازحون في المدينة الخضراء لاستقبال هذا الشهر الفضيل، وفي عيونهم ملامح الحسرة والألم على ما آل إليه حالهم.
في ظل وجودهم بأماكن لا تقيهم ولو بشكل يسير من الجو الحار الذي لا يحتمل، وهو الأمر الذي يشكل ألماً كبيراً على حياة النازحين.
يقول عبده فارع، نازح من محافظة الحديدة: رمضان على الأبواب، ونحن نفتقر لأبسط مقومات الحياة ومكوثنا في أماكن لا تقينا حرارة الصيف ولا «غوبة» الرياح.
ويختتم حديث الوجع بالمثل: والعين بصيرة واليد قصيرة.
ويضيف: «عانينا كثيراً بعد أن نزحنا للنجاة بأرواحنا، ونسكن أنا ووالدتي وأولادي الأربعة في منزل غير جاهز للسكن».
ويتابع: ومنذ أن نزحنا من تعز لا نجد قوت يومنا ونصارع من أجل البقاء على قيد الحياة، من لم يمت بالحرب، تلاحقه المجاعة والظروف الإنسانية الصعبة، ولا يكترث لمعاناتنا أحد.