مهاتير محمد: ماليزيا لم تلجأ لسياسة الاستقراض الخارجي للنهوض باقتصادها بل كانت تنفق بحدود الموارد الموجودة

بلادنا الأربعاء ١٠/مايو/٢٠١٧ ١٧:٤٨ م
مهاتير محمد: ماليزيا لم تلجأ لسياسة الاستقراض الخارجي للنهوض باقتصادها بل كانت تنفق بحدود الموارد الموجودة

مسقط - ش

شهدت محاضرة معالي د.تون/ مهاتير محمد رئيس وزراء ماليزيا الأسبق حضوراً جماهيرياً كبيراً من داخل جامعة السلطان قابوس وخارجها، وقد استضافته الجامعة ممثلة بمركز إعداد وتطوير العاملين لإلقاء محاضرة بعنوان "التخطيط الاستراتيجي من منظور التجربة الماليزية" وذلك بالقاعة الكبرى في مركز الجامعة الثقافي بحضور رئيس الجامعة سعادة د.علي بن سعود البيماني وعدد من الأكاديميين والموظفين والطلبة والمهتمين.

في بداية المحاضرة قدم عميد كلية الاقتصاد والعلوم السياسية وعضو مجلس الدولة المكرم د.سعيد بن مبارك المحرمي نبذة تعريفية عن المحاضر، وهو رجل غني عن التعريف وصانع لنهضة ماليزيا الاقتصادية ووضعها على الخريطة من الناحية الاقتصادية والسياسية وربح خمس جولات انتخابية متتابعة وخدم بلاده لمدة 22 عاماً وهناك العديد من الإنجازات التي تحققت في تلك المدة، فقد ساهم مهاتير في بناء بيئة يتوفر فيها التعليم للجميع، ومنذ العام 1980 فتح بلاده للاستثمار الأجنبي وتخفيض العوائق الاقتصادية وأشرف على نظام الخصخصة للشركات وبنى بنية دولية.

كما ساهم في تقليل الهوَّة بين مختلف فئات المجتمع الماليزي وتخفيض نسبة الفقر، وتحت قيادته أسست ماليزيا اقتصاداً من أكثر الاقتصادات المتطورة في آسيا، وهناك العديد من الإنجازات ويصعب حصرها جميعاً، ففي العام 1981 دشَّن رؤية العام 2020م ومنذ تقاعده وحتى العام 2016م تولى مناصب رئاسية في مجموعة من المؤسسات الحكومية الدولية وهو متزوج من طبيبة ولديه سبعة أبناء و16 من الأحفاد.

عرَّف معالي د.مهاتير محمّد في البداية التخطيط، وقال إنه يتضمّن تعريفاً وتحديداً الأهداف، أي ما هي الأشياء التي نود أن نكونها في نهاية الخط؟
وذكر معالي د.مهاتير بأنهم في ماليزيا بدأوا أولاً في التخطيط لمدّة خمس سنوات كمرحلة أولى، وبعد ذلك فكّروا في أن يصبحوا دولة متقدمة في غضون 30 عاماً وكان ذلك في العام 1990. كما شرح بالتفصيل مصطلح الدول النامية، وبأن هنالك الكثير من الدول النامية حول العالم وهنالك دول أقلّ نموّاً من الأخرى، لكن جميعها لديها إنجازات مشتركة، كما أنه يوجد بها مجموعة من الأشخاص المتعلّمين ولديهم مجموعة من المعايير المعيشيّة، وأضاف أنّ الدول النامية تمتلك مراكز أبحاث جيّدة ولديها مجموعة من البرامج المعنيّة بزيادة نموّ الاقتصاد، وعلاوة على ذلك فإن الدول النامية تسعى للحفاظ على الاستقرار السياسي، فالدولة إن لم تكن مستقرة لن يكون هنالك أي إنجاز وأي تطوّر.

كذلك أوضح معاليه أنّ تحقُّق الاستقرار يجب أن يُربَط بفهم التحدّيات التي تُواجِه دولة مُتعدِّدة الأعراق، وبأنهم في ماليزيا لديهم اختلاف كبير في الأعراق و"لكي نتجاوز هذه العقبة كان يجب علينا أن نفهم كيف نعيش مع بعضنا البعض وكيف نعمل مع بعضنا البعض، وبالتالي فإن هذا سيساعدنا على تشارك مفاهيم القِوى السياسية".
بالإضافة إلى ذلك أشار معاليه إلى أن الحكومة الماليزية هي دائماً حكومة متعددة الأعراق، و"لذلك نحن نتبادل النمو الاقتصادي ونحاول تصحيح الفروقات الموجودة في الاختلافات العرقية، وهذا يتطلب تخطيطاً من خلال تحديد الأهداف أولاً لكي نعرف ماذا يجب علينا القيام به."
وفي معرض حديثه عن الاستقرار والسلام للدولة نوّه إلى ضرورة البحث عن وسائل من شأنها أن تُحقِّق اقتِصاداً مستداماً لأن هذا هو أحد أهم أسباب استقرار الدول.
إلى جانب ذلك ذكر بأنّ ماليزيا لديها مجموعة من الأصول والمسؤوليات، فهم دولة لديها الكثير من الأمطار والغابات والتربة القابلة للزراعة، وحينها كانوا يفكِّرون بتطوير الزراعة وما هو نوع الزراعة التي بإمكانهم تطويرها، وخاصّة مع وجود الكثير من الحشرات التي توثّر على نمو الأشجار.

وقال إنه لم يكن لديهم فهم واضح حول جودة التخطيط وطبيعة التربة ولكن أدركوا بعد ذلك أنّ هنالك مجموعة من الأشجار التي تنمو بطريقة ممتازة جداً في ماليزيا وخاصّة تلك التي تأتي من البرازيل وشرق إفريقيا.
أكّد أيضاً أنّ استِفادَتهم من هذهِ الزراعة كان ترتبِط بشكل كبير بمدى إيمانهم بحجم الاستفادة الآتية من الأبحاث الزراعية، وبأنه كان لديهم مؤسسة بحثية وأبحاث وكانوا يقومون بها لأشجار النخيل، كما قاموا بعمل استنساخ لهذه الأشجار وكان النتيجة ممتازة جداً مقارنة مع الأشجار الأصلية التي جرى جلبها .وفي حديثه عن إنتاجهم من الزراعة قال إنهم ينتجون حوالي 10% من المطاطّ العالمي وقد جاء هذا كنتيجة لأبحاث الاستنساخ، وكذلك الحال بالنسبة لزيت النخيل لتصبح ماليزيا المنتج الأكبر للمطاط في العالم والمصدّر الأول لزيت النخيل، وأشار إلى أنهم خطّطوا بعد ذلك ليصبحوا منطقة صناعية، وهذا هو طموح كبير لهم لأنهم ليس لديهم التكنولوجيا ورأس المال، إلى جانب أنه ليس لديهم فهم واضح حول كيفية القيام بالإنتاج، لذلك قرّروا بالقيام بدعوة الأجانب لأن يأتوا للاستثمار، وحتَّم عليهم ذلك إعطاءهم مجموعة من الحوافز التي أتت على هيئة تقليل الضرائب، وحقق قطاع الصناعة آنذاك تطوّرًاً سريعاً وساعد على القضاء على نسبة البطالة بتشغيله للأشخاص الذين هم بلا عمل بعد، وأشار إلى أن الذهاب للصناعات المعقّدة كان خطة لاحقة لاحتكاك المواطنين بخبرات الصناعات الأجنبيّة، مما تمخّض عنه صناعة الشرائح الإلكترونية التي تحتاج إلى بيئة خاصة جداً.
وأكّد على أن ماليزيا لم تلجأ لسياسة الاستقراض الخارجي لكي تنهض باقتصادها بل كانت تنفق بحدود الموارد الموجودة، وحول رأيه في انفتاح أي بلد اقتصادياً أكد على ضرورة أن يلحق ذلك تطوير في البنية الأساسية وأن ماليزيا عملت على ذلك من خلال الاشتغال على تطوير محطات الكهرباء ليصبح لديها اكتفاء ذاتي. وحول كلامه عن تطوير الاقتصاد ذكر بأنهم كانوا ينظرون إلى مناحٍ مختلفة وليس ناحية واحدة فقط، وجميع هذه الأمور يجب أن تفهم بطريقة جيدة من قبل المخطّطين الذين يجب أن يكون منهم السياسيون والباحثون وأشخاص ممثلون للمجتمع وخبراء من دول أخرى حتّى يساعدونا في فهم أفضل لإمكانية الاستفادة من مواردنا.

وتطرق معالي الدكتور إلى أن المناخ السياسي لدولة ماليزيا يمثل حالة خاصة بين جيرانها، بل بين الكثير من الدول النامية، إذ يتميز بتهيئة الظروف الملائمة للإسراع بالتنمية الاقتصادية؛ وذلك أن ماليزيا لم تتعرض لاستيلاء العسكريين على السلطة، وتُتخذ القرارات دائماً من خلال المفاوضات المستمرة بين الأحزاب السياسية القائمة على أسس عرقية، ما جعل سياسة ماليزيا توصف بأنها تتميز بأنها ديموقراطية في جميع الأحوال، وتنتهج ماليزيا سياسة واضحة ضد التفجيرات النووية، وقد أظهرت ذلك في معارضتها الشديدة لتجارب فرنسا النووية، وحملتها التي أثمرت عن توقيع دول جنوب شرق آسيا العشر المشتركة في تجمع الأسيان في العام 1995م على وثيقة إعلان منطقة جنوب شرق آسيا منطقة خالية من السلاح النووي وقد ساعد هذا الأمر على توجيه التمويل المتاح للتنمية بشكل أساسي بدلاً من الإنفاق على التسلح وأسلحة الدمار الشامل.

وأكد أن الحكومة الماليزية رفضت تخفيض النفقات المخصصة لمشاريع البنية الأساسية، والتي هي سبيل الاقتصاد إلى نمو مستقر في السنوات المقبلة. لذا قد ارتفع ترتيب ماليزيا لتصبح ضمن دول الاقتصاد الخمس الأولى في العالم في مجال قوة الاقتصاد المحلي، وانتهجت ماليزيا استراتيجية تعتمد على الذات بدرجة كبيرة من خلال الاعتماد على سكان البلاد الأصليين الذين يمثلون الأغلبية المسلمة للسكان، مشيراً إلى اهتمام ماليزيا بتحسين المؤشرات الاجتماعية لرأس المال البشري الإسلامي، من خلال تحسين الأحوال المعيشية والتعليمية والصحية للسكان الأصليين، سواء كانوا من أهل البلاد الأصليين أو من المهاجرين إليها من المسلمين الذين ترحب السلطات بتوطينهم، واعتماد ماليزيا بدرجة كبيرة على الموارد الداخلية في توفير رؤوس الأموال اللازمة لتمويل الاستثمارات فقد ارتفع الادخار المحلي الإجمالي بنسبة 40 % بين سنة 1970م وسنة 1993م، كما زاد الاستثمار المحلي الإجمالي بنسبة 50 % خلال الفترة عينها.