تحرير العقل من الجمود

مقالات رأي و تحليلات الأربعاء ١٠/مايو/٢٠١٧ ٠٤:٠٤ ص
تحرير العقل من الجمود

فريد أحمد حسن

قليلة هي البرامج التي تبثها الفضائيات العربية التي تسيطر على مساحة كبيرة من الفضاء وتستحق الكتابة عنها. من تلك البرامج، وربما على رأسها، البرنامج الأسبوعي الذي تبثه فضائية «الميادين» من إعداد وتقديم الكويتي د. عبد العزيز بدر القطان وعنوانه «حرر عقلك». وبحسب المنشور في موقعها فإن هذا البرنامج عبارة عن «مشروع نهضوي ينادي باستنهاض العقل العربي بكل أطيافه، وهو لا يعول على أي نظام عربي ولا يدعو إلى ثورات عربية بل يدعو إلى ربيع عقلي وإلى ثورة عقلية ضد الموروث وضد الجمود الفكري والتعصب المذهبي ويدعو إلى الإسلام المحمدي. البرنامج جاء خصوصاً بعد التخبطات الإعلامية من البرامج الترويجية لبعض المذاهب والتيارات والتوجهات والأعراق»، وهو ما يدفع إلى احترامه ومتابعته، فمثل تلك التخبطات الإعلامية تحتاج إلى مثل هذه البرامج التي وإن قل مشاهدوها قياسا إلى تلك التي تتخبط وتسيء بسبب تطرفها إلا أن الهدف منه يتحقق مع الوقت ومع إصرار معده ومقدمه على مواصلة هذا الدرب الصعب ولكن المقدر من كل ذي ضمير حي. عنوان البرنامج يدعو كل عربي ومسلم إلى تحدي نفسه والعمل بقوة على تحرير عقله وتنظيفه مما علق به بسبب المحاولات الكثيرة والمتتابعة لتلويثه، سواء عبر تلك البرامج المسيئة أو عبر الندوات والمحاضرات ومختلف وسائل الإعلام التقليدية والحديثة والكتب المليئة بالترهات وبما لا سند له في التاريخ والشرع.

والعنوان أيضا فيه تحد واتهام، إذ الدعوة إلى تحرير العقل واستخدام صيغة المخاطب يعني أن معد ومقدم البرنامج يوجه اتهاما صريحا للمتلقي أنه بحاجة إلى تحرير عقله الذي تأثر بما لا ينبغي التأثر به، ولعل عنوان البرنامج سبب أساس في انتشاره وفرض نفسه في ساحة البرامج.

أما متن البرنامج فالحديث عنه قد يظلم صاحبه إن تم باختصار، فالحلقات من الغنى والثراء ما يصعب على متناوليها الكتابة عنها بما تستحقه، بل لعل الكتابة عنها تحتاج مساحة أكبر من مدة البرنامج نفسه. ليس هذا ترويجا للبرنامج وصاحبه ولكن لأنه يستحق أن يكون مثالا ونموذجا لما يحتاج إليه الإنسان العربي الذي يتخبط اليوم بسبب المناهج التي فرضت عليه ولوثت عقله وأحالت بينه وبين معرفة ما يتمتع به من قدرات عقلية تتيح له التصرف بحكمة والتعامل مع كل جديد وطارئ بالكيفية المناسبة وبما لا يتسبب على نفسه وأهله ووطنه ودينه بالأذى.
في السياق نفسه لا حرج من امتداح فعل بعض من يسير في هذا الدرب العاقل، ومن أولئك الذين يستحقون الكتابة عنهم بهذه الطريقة فضيلة الشيخ عبدالله الشحري والذي يتم تبادل ما يقول وما يدعو إليه من «تحرير للعقل» في فيديوهات قصيرة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، فهذا الشيخ العماني الخطيب بمركز السلطان قابوس العالي للثقافة والعلوم ومشرف فريق «عباد الرحمن التطوعي» يستحق بجدارة ذلك الاسم الذي أطلقوه عليه، «أبعد الناس عن الفتن».
في واحد من تلك الفيديوهات تناول الشيخ الشحري الحديث الصحيح «المسلم أخو المسلم» وتساءل عما إذا كان هذا معاشا حقا في يومنا هذا. فيه يؤكد أن «الرسول عليه الصلاة والسلام لم يقيده بشرط أو بقيد أو بضابط فلم يقل المسلم أخو المسلم بشرط أن يكون من قبيلته أو مذهبه أو يتوافق معه أو يقبض يديه أو يسبلها في صلاته، ولم يقل إن المسلم أخو المسلم إن جهر بالبسملة أو أسر بها أو إذا أنكر أو قال بالرؤية أو إذا وافقه في كل فرعياته وجزئياته وأصولياته». ويضيف شارحا إنه «طالما أنك أشهدت الله بأنك مسلم فأنت مسلم، وطالما أقمت الصلاة فأنت مسلم».. «خلافنا في الصلاة لا يهمني فأنت في كل الأحوال مسلم.. وإن وافقتنا في أركان الإسلام فأنت مؤمن». في هذا الفيديو كما في فيديوهات أخرى كثيرة يتحدث الشيخ الشحري بحرقة فيقول ما معناه إن من المؤسف أن المسلم اليوم يظلم المسلم ويطبق نظرية «أنا وأخي على ابن عمي وأنا وابن عمي على الغريب» بينما أكد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن «المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه كربة من كربات يوم القيامة ومن ستر مسلما ستره الله يوم القيامة».
ما يؤكد عليه الشيخ عبد الله الشحري والدكتور عبد العزيز القطان وآخرون من عقلاء وحكماء وعلماء هذه الأمة ويسعون إلى إدخاله في العقول هو أن «المحبة ليس شرطها الاتفاق وأن الاختلاف ليس نتيجته الكره، وأن المحبة والكره وباء الفرقة والخلاف»، وأن الوقت قد حان بالفعل إلى تحرير العقول وتنظيفها مما علق بها من أدران وشوائب أدت إلى أن تضيع الأمة العربية والإسلامية بوصلتها فتنحاز إلى كل ما هو مخالف للعقل وللمنطق وتبتعد عن الإسلام ومبادئه السمحة وعن العروبة وتراثها وكل جيد فيها.
هذه النوع من البرامج والأفعال إيجابي وسلاح قوي يمكن به مواجهة التطرف الذي تمارسه اليوم الكثير من الفضائيات، لكنه بالتأكيد لا يكفي، فتلك الفضائيات تمتلك من الأدوات ما يسهل لها اقتحام الكثير من العقول العربية والإسلامية وتلويثها، وهذا يعني أن عملا كبيرا ينبغي أن تقوم به كل الجهات التي يمكن أن تسهم بفاعلية في تحرير العقل.

كاتب بحريني